علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

هل استقرت سفينة نوح فى طور سيناء؟!

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 29 يونيو 2021 - 05:24 م

يقولون إن قلب المؤمن دليله، ثم هو مأمور بالتفكر، فماذا لو تآلف القلب والعقل فى رحلة، هدفها الاقتراب من الحقيقة؟

متى نشأ الكون؟ أين هبط أبونا آدم وأمنا حواء؟ لماذا لازم الانسان الشر مبكراً بقتل قابيل لهابيل؟ كيف كان الطوفان؟ هل كان عاماً فى جميع الأرض أم فى جرء منها فقط؟و...و...و...

تساؤلات بلاحصر كانت تشغل بالى فى سنوات الصبا والشباب الباكر، كانت مجالاً خصباً لحوارات ممتدة بينى وبين اصدقائى ممن نقتسم سوياً اهتمامات مشتركة، نتبادل الأفكار عبر نقاشات قد تمتد طويلاً.

ومن بين أكثر ما استهوانا قصة سفينة سيدنا نوح، وما أحاط بها من ملابسات، ما أعقبها من نتائج.

ودعت تلك المرحلة من حياتى، بعد الدراسة الجامعية، وبدأت حياتى العملية بـ«الأخبار».

وفى بواكير ما كتبت كان تقريراً عنوانه «رائد فضاء يبحث عن سفينة نوح»، وربما لاقى الأمر هوى فى نفسى، تقاطع مع اهتمام قديم متجدد، ورغم تقدم العمر فمازلت شغوفاً بالقصة!

قبل ما يقرب من أربعة عقود؟ كتبت عن رائد الفضاء الأمريكى جيمس ايروين الذى كان شغوفاً مثلى بسفينة نوح، فقاد لأكثر من مرة فريقاً من المغامرين والباحثين، وكان جبل أرارات بتركيا مسرح المغامرة.. ولم تسفر محاولة ايروين عن شيء ذى بال، مثلما كان حال غيره من المغامرين والباحثين، عبر رحلات وبعثات أغلبها أوروبى وأمريكى، ومع ذلك لم يتوقف البحث حتى يومنا هذا!

مفاجأة مذهلة

تباينت التخمينات بشأن الموقع الذى استقرت فوقه سفينة نوح، تماماً كما تعددت الاجتهادات حول أبعاد السفينة، والزمن الذى استغرقه بناؤها، وكم قضت فى رحلتها نحو وجهتها، حتى رست على «الجودي».

اجتهد بعض المفسرين فى تحديد موقع جبل الجودى بأنه فى الموصل أو الكوفة، واكتفى بعضهم بالاشارة لاسم المكان، دون محاولة تحديد موضعه.

ولم يقتصر الأمر على مفسرى القرآن الكريم، فكان للجغرافيين نصيبهم، ففى كتابه «الظواهر الجغرافية فى القرآن الكريم» ذهب د.فوزى الشربينى إلى أن الجودى فى نواحى «ديار بكر» ببلاد الجزيرة، ويتصل بجبال أرمينية.

ثمة اشارة ذات مغزى مهم- فى هذا السياق فى «قصة الحضارة» كما سجلها ول ديوانت، إذ يقول فى مجلده الثانى «.. وقصة الطوفان أكثر انتشاراً من قصة الخلق نفسها، فلايكاد يوجد فى الأمم القديمة أمة لم تعرفها، وقلما يوجد جبل فى آسيا لم يرس عليه نوح بعد ان اضناه التعبٍ!!

باستثناء الأخير- أى ديورانت- فإن المجتهدين والمفسرين انقسموا الى فريقين، الأول يميل إلى ان قصة الطوفان وقعت احداثها فى آسيا، والثانى اكتفى بالاشارة الى «الجودي» دون تخمين موضعه، وأن الله أعلم بحقيقة الأمر.

لكن ثمة مفاجأة مذهلة اسعدتنى، عندما كشف باحث تونسى عن اجتهاد غير مسبوق، مفاده أن سفينة نوح استقرت فى سيناء، وبالتحديد فى منطقة الطور!
يالها من مفاجأة، ذات عيار ثقيل.

استند الباحث فى اجتهاده على الاعجاز العددى للقرآن الكريم، فصاغ معادلات كان حاصل ادخالها على موقع جوجل إرث اشار السهم بطريقة لا لبس فيها إلى «طور سيناء».

قد يكون موقع الحدث على احدى قممه، أو جانب من جوانبه، هو نفسه «الجودي».. لِمّ لا!

لا الرفض المتعجل، ولا القبول المتسرع يجديان.

إنما التعامل مع ما توصل اليه الباحث التونسى، باعتباره فرضية جديرة بتقصى آثارها، عبر جهد علمى بحثى متخصص، لخبراء مصريين مشهود لهم بالخبرة والكفاءة.

الأرض المباركة

منذ فجر البشرية كانت مصر معبراً أو مهداً لانبياء الله ورسله.. ثم كانت سيناء الارض المباركة التى قطعها الرسل والانبياء فى طريقهم الى مصر، أوعند مغادرتها.

والقرآن الكريم خير شاهد على مباركة رب العالمين لسيناء.

فذكرها باسمها الصريح، أو اشار إليها بـ «سنين».

على أرضها كان ميلاد أولى العبادات فى الطريق للتوحيد، وشهدت دروبها خطوات رسل وأنبياء باركوا ربوعها.

أرض هذا شأنها، لماذا لاتكون الموضع الذى استقرت فى موضع ما من الطور سفينة سيدنا نوح عليه السلام؟

ربما تصور البعض أن ثمة تحيزا من جانب كاتب هذه السطور لوطنه، ومع أن المرء لايلام إذا كان متيماً بأرض ينتمى اليها، فإن من الاشارات والدلائل ما يجعل تبنى فرضية رسو سفينة نوح ببقعة مباركة، هى جزء من أرض مصر، أمر وارد، جدير ببذل الجهد الكبير، وصولاً لحقيقة مبنية على أعمال حفائر وتنقيب، لتعقب ما يدل على موقع السفينة بطور سيناء.

قصص الأنبياء والرسل على أرض مصر مهداً أو مقصداً أو مستقراً ومقاماً، تتكامل معها تلك الجوانب التى صاغت فصولاً من تلك القصص، وشهدتها أرض سيناء المباركة.

أكثر من إشارة إلى سيناء حفل بها القرآن الكريم، وبزيتونها  وتينها وواديها المقدس.
وفى غير موضع اقسم سبحانه وتعالى بـ «طور» سيناء.

وفى قصة سيدنا موسى اشارات إلى «الطور الأيمن» وإلى «الوادى المقدس طوي».. فأى تكريم لتلك البقاع بعد ذلك التكريم من العلى القدير؟
لماذا «الطور» بالذات؟

لا أدعى علماً لا أملك مناهجه، لكنه حدس المؤمن آملاً ان يقوده للصواب.. تأملت طويلاً فيما أجتهد فيه الباحث من تونس الشقيقة.. تساءلت ثانية: لماذا «الطور» بالذات؟

يقولون أن قلب المؤمن دليله، ثم هو مأمور بالتفكر، فماذا لوتآلف القلب والعقل فى رحلة هدفها الاقتراب من الحقيقة؟ 
إنه الاجتهاد الذى ينتظر صاحبه اجراً إن أخطأ، وأجرين إن اصاب.. توكلت على خالقى، وبدأت الرحلة.

أو ما استوقفنى ان هناك سورة باسم «الطور» فى القرآن الكريم.. ولاشك أن فى التسمية تكريما وتعظيما لشأن هذه البقعة، من خالق الكون.
واللافت لنظر المتأمل أنه سبحانه وتعالى أقسم فى تلك السورة بخمسة من أعظم مخلوقاته، وكانت البداية بـ«الطور».

أقسم المولى عزوجل بـ «الطور» فى سورة التين ايضاً.

ثم انه جل وعلا ذكر اسم «الطور» فى تسع ايات من القرآن الكريم صراحة.. وفى سورة الأعراف اشارة لمعجزة رفع جبل الطور فوق بنى اسرائيل حتى ظنوه ظلة، يقول تعالي: «وَإِذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»

موضع هذا شأنه من قسم الخالق العظيم به، ثم تكليمه لموسى، ثم معجزة رفعه، ألا يؤهله ذلك لأن يكون الموقع الذى رست عنده سفينة نوح بعد الطوفان، الذى كان ايضا معجزة إلهية وثقها القرآن الكريم فى قصة نوح؟

فرضية تحتاج أدلة

وفى قصص الأنبياء إشارات ضمنية أو واضحة على صلة عدد منهم عليهم السلام بمصر، وكانت أرض سيناء محطة رئيسية فى مجيء أوخروج هؤلاء الانبياء والرسل من سيدنا ابراهيم، ثم يوسف ويعقوب عليهما السلام، ثم كليم الله موسى واخاه هارون، وأخيرا رحلة العائلة المقدسة.

غير أن ثمة حلقة فى هذا السلسال العظيم يتم الاشارة إليها فى عجالة، تلك التى ترتبط بادريس عليه السلام، السابق فى النبوة على نوح، إذ كان أول نبى بعد آدم، فقد أتى من ذريته مباشرة، ثم جاء نوح ومن حملتهم السفينة معه من ذرية ادريس مباشرة، ثم تلتهم ذرية ابراهيم، كما يذهب العديد من المفسرين.
أى أن سيدنا أدريس يعد جداً لنوح، ويرى بعض المؤرخين والمفسرين انه ولد بمصر، وخرج منها ليطوف المعمورة القائمة فى عصره.

من ثم، فإن إعمال المنطق يقود إلى استنتاج لايخلو من وجاهة، مفاده أن نوحا ومن معه، وهم حفدة ادريس، ومنهم جاءت ذرية ابراهيم، قد حطت بهم السفينة فى سيناء.

بالقطع الأمور ليست بهذه البساطة، وانما تحتاج الى جهود مضنية على كل الاصعدة، لإقامة الأدلة على صواب فرضية وصول سفينة نوح بعد الطوفان، طور سيناء.

أروع من مجرد صدفة

قبل مفاجأة الباحث التونسى،  كانت جنوب سيناء تحتفل بعيدها القومى، وكان محافظها اللواء خالد فودة يحلم- ونحن معه- بتفعيل مشروعات طموحة تنتمى الى المستقبل، واستوقفنى فى حديثه بدء تنفيذ مشروع عملاق لاعادة هيكلة وتطوير موقع التجلى الاعظم بسانت كاترين.

واظن ان مقولة «رب صدفة خيرمن الف ميعاد» تصدق تماماً على مواكبة خطط تطوير مدينة التجلى الاعظم، للكشف المثير عن سفينة نوح، وتوقع الباحث التونسى أنها رست فى طورسيناء.

لماذا لايسعى اللواء فودة للتواصل مع د.خالد العنانى وزير السياحة والآثار، لتنسيق الجهود، وبدء الحفائر فى المنطقة التى اشار اليها سهم جوجل إرث نحو طور سيناء بالتحديد؟

وإذا كان صاحب «قصة الحضارة» يؤكد أنه لا أمم قديمة لم تعرف قصة الطوفان وانه لا جبل فى آسيا لم ترس عليه سفينة نوح، فإن مصر قديمة قدم التاريخ، ثم إن سيناء تقع فى آسيا، بل هى الجسر والمعبر منذ ما قبل التاريخ بين قارتى آسيا وافريقيا، الموقع الذى أهلها دائماً لأن تكون حلقة الوصل بينهما، بل ان هذا الموقع يسمح لمن نجا بعد الطوفان بأن يسيح فى العالم المعمور قديماً، بعد الخلق الثانى للبشرية.. المسألة أكبر من مجرد البحث عن تعظيم السياحة، إنها مكانة مصركنانة الله، التى حباها بعبقرية المكان والمكانة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة