صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


وطن فى « عين الله »

«أرض الأنبياء» تنجو من مطبات صناعية وتقهر المتآمرين

عبدالهادي عباس

الثلاثاء، 29 يونيو 2021 - 10:53 م

ليس فقط لموقعها المتميز ولا لحضارتها التليدة ، وإنما لأنها محفوظة من السماء؛ هذه هى خلاصة البحث فى الشخصية المصرية العصية على الانكسار؛ وفى ذكرى ثورة 30 يونيو تبرز تلك الجوانب المتوضئة بالقوة والإرادة عند المصرى الذى يتحصن بإعانة فوقية تساعده فى تغيير مصيره إلى الأفضل ، إذ يُعد هذا الوطن هو «الدرع والسيف» للأمة العربية كلها:
يقول د. نظير عيّاد ، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية ، إن الله- سبحانه وتعالى- تكفل بحفظ مصر فأحيطت بأمانه ، بل إن القرآن الكريم جاء صريحًا فى هذا الشأن ليبعث برسالة مفادها أن هذه الدولة مهما حلّ بها من أزمات ومهما دُبرت لها المكائد فإنها محفوظة بأمر الله ، وفى هذا يقول القرآن: «ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ».

مهبط الأنبياء

ويُضيف الأمين العام: إن القرآن قد ذكر هذه الدولة المباركة ما يقرب من 25 مرة؛ سواء بالتصريح ، أو بالتلميح ، فى هذا الكتاب المعجز الذى يُقرأ تعبدًا فى كل وقت ، وهو ما يؤكد مكانة هذه الدولة وكينونتها ، فمصر حاضنة العلماء والصالحين فهى قبلة العلم وأهله ، وهى مهبط للأنبياء ، محفوظة بفضل من الله ، فى مواجهة المحن ثابتة وفى مواجهة الأعداء أبية.
وأوضح د. عيّاد أن ما مرت به مصر من أحداث على مر تاريخها سواء من خلال محاولة السطو على مقدراتها والطمع فى ثرواتها ، أثبت للعالم بأن أبناء هذا الشعب العظيم وجيشه لن ينحنى يومًا لأحد ولن بفرط فى أرضه ولن يطأطئ رأسه مهما كلفه ذلك من تضحيات.

وأشار الأمين العام إلى أن ما شهدته مصر مؤخرًا منذ بدء ما سُمى بثورات الربيع العربي وحتى ثورة 30 يونيو ومحاولة استهداف أمنها واستقرارها والتخطيط من بعض القوى الخارجية والداخلية للسيطرة عليها واستغلال تلك الأزمات فى نهب ثرواتها ، كل ذلك لم يؤت أكله لأن هذا البلد الآمن محفوظ من رب السماء ، بل إن الله سخّر له من أهل الأرض ليضحوا بدمائهم وأهليهم من أجل أن تحيا تلك البقة آمنة مطمئنة.

وتابع د. عياد: أنه كلما مرّت مصرنا الحبيبة بأزمة ومحنة شاء الله أن يبدلها خيرها منها رحمة ونعمة ، هى رسالة لكل مصري بأن الله اختار له أن يقيم فى تلك البقعة الطيبة المباركة فليعمل من أجلها وليضع نصب عينيه الحفاظ على ترابها وأن ينبذ كل من شأنه أن يصبها بضرر أو يبث الرعب والفتنة بين أبنائها.

وأكد أن مصر الأزهر ومصر الحضارة «شهادة معتمدة» بأن هذا الوطن فى كنف الله وحفظه فقد منّ الله عليه بمؤسسة صدرت العلم لربوع العالم كله ، وتكفلت بحفظ صحيح الدين والحفاظ على هذه الأمة وتراثها العريق الذى تعلو وترقى به بين جميع الأمم.

الاستبداد الأسود

ويقول المفكر الكبير د. مصطفى النشار ، رئيس الجمعية الفلسفية المصرية ، إنه كلما جاء يوم 30 يونيو تذكرت ثورة الشعب على حكم من يسمون أنفسهم بالإخوان المسلمين وهم أبعد ما يكونون عن هذا الاسم ، وتأخذ الذكريات تترى لتعيد شريط الأحداث منذ 25 يناير 2011م التى ركبها الإخوان واتخذوها مطية للوصول لحكم مصر. وكم كانت المناظر الغريبة لأناس وشخصيات انتشروا فى حينا الهادئ فى مدينة نصر بشارع الطيران لابسى الجلابيب ، مطلقى اللحى ، راكبى السيارات الفارهة (الفور باى فور) وبصحبتهم سيدات أو فتيات بملابس سوداء ولا يرى منهن إلا عيون من كل الأشكال والألوان ، كم كانت هذه المناظر تثير حفيظتنا متسائلين من أين أتى هؤلاء الأشخاص بأزيائهم الغريبة وثرواتهم الهائلة؟! وكانت الإجابة التى تأتينا تقول: إنهم جاءوا ليحكموا العالم الإسلامى من مصر وأنهم سيستمرون فى الحكم خمسمئة عام ، وفى روايات أخرى خمسين عاما! وربما تأكدت للكثيرين حقيقة هذه الأقوال حينما أعلن «رئيسهم» ذلك الإعلان الدستورى المشئوم الذى كشف عن الوجه القبيح لنيتهم الاستبدادية السوداء.

«إخوان» الفوضى

ويتابع د. النشار: لقد تصور الناس فى ذلك الوقت أن هذا الاستبداد سيدوم وأن حكم الإخوان سيستمر ، وكنت أنا على يقين لم يتزعزع بأنهم حكموا على أنفسهم بالطرد من رحمة شعب اختارهم فخذلوه وأعطاهم الحكم اختيارا فأعطوه الاستبداد والتجبر من جانب والفوضى والمؤامرت من جانب آخر!! وكم قلت لمن حولي: إن هؤلاء لن يستمروا فى الحكم أكثر من عام أو عامين على الأكثر! وصدقت النبوءة بأكثر مما كنت أتوقع حيث ثار الشعب الذى لا يقهر مرة ثانية فى غضون ثلاث سنوات وكانت ثورته هذه المرة ثورة شعبية هادرة لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل. لقد كانت ثورة شعب رفض الاستبداد من الداخل كما كان دائما وعبر تاريخه الطويل يرفض الاحتلال والاستعمار الخارجى ويتغلب عليه إن لم يكن بقوة المقاومة والانتصار العسكرى فبقوة القدرة على صهر المحتل وتمصيره. وكم تشكل المصريون عبر تاريخهم الطويل تشكلا كاذبا آخذين من لغة وثقافة المحتل مظهرا يخدعه وفى اللحظة المناسبة يلفظونه لغة وثقافة ليعودوا كما هم دائما شعبا واحدا معتزا بتراثه الثقافى المرن الذى يعطى أكثر مما يأخذ ويلهم أكثر مما يستلهم.

واكد إن ثورة 30 يونيو كانت آخر العلامات البارزة على أن شخصية الشعب المصرى بثقافته المعتدلة المتسامحة الراغبة دوما فى العيش بسلام هى الرهان الرابح لهذا الوطن الأبى ولحضارته المستمرة بلا انقطاع منذ آلاف السنين.

موقع عالمي

ويشير د. أحمد محمود ، أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة القاهرة ، إلى أننا لا نستطيع أن نفهم تاريخ مصر فى عصورها الإسلامية المتعاقبة فهمًا صحيحًا بغير استدعاء صلتها الوثيقة بالعالم المحيط بها. ولقد أدرك المستشرقُ الإيطاليُّ القديرُ كايتانى هذه الحقيقة ، فأشار إلى أن موقع مصر وثراء مواردها قد حتَّما عليها منذ القدم ألا تعيش فى عزلة عن بقية العالم؛ ومن هنا فقد ارتبط مصيرُها السياسيُّ دائمًا بمصير الإمبرطوريات والأمم التى تسيطر على البحر المتوسط ، وعلى بلاد الشام خاصةً. ومن هنا لم يكن من المستغرب أن يفكر العربُ/ المسلمون فى فتح مصر بعد إتمام سيطرتهم على الشام ، فلما وُفِّقُوا إلى استكمال فتحها سنة21هـ ، كانت عونًا لهم ورصيدًا جديدًا أُضيف إلى قوتهم ، كما أخبر عمرو بن العاص.

ويُضيف أن مصر لم تكن خلال تاريخها المبكر الذى اصطُلِحَ على تسميته بعصر الولاة (21- 254هـ) مجرد ولاية تابعة لدولة الخلافة المركزية ، بل كانت واحدةً من أهم ولاياتها ، تشارك فى أحداثها الكبرى مشاركةً جادةً ، وتستجيب لما تتعرَّض له من تحديات استجابةً مؤثرة ، وآية ذلك: ما كان للقبائل العربية التى استقرت بها من دور معلوم فى أحداث الفتنة الكبرى ، أيام عثمان بن عفان ثم أيام على بن أبى طالب ، ثم ما كان من صراع بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان حول الاستيلاء عليها؛ تقديرًا لمنزلتها وإدراكًا لما يمكن أن تُسْهِمَ به فى حسم الصراع لصالح أحد الطرفين المتنازعين.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة