د. أمنة نصير خلال الحوار
د. أمنة نصير خلال الحوار


د.آمنة نصير: 30 يونيو أنقذت تاريخنا.. وحمت المجتمع من «التدين الزائف» | حوار

منى الحداد

الأربعاء، 30 يونيو 2021 - 08:30 م

صبغت البيئة الصعيدية المتحفظة شخصية د.آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، بكثير من السمات، فهى تعتز بجذورها التى تمتد لأسرة- كما تصفها - قوية الشكيمة وقوية العقلية. تربت ابنة قرية موشا التابعة لمركز أسيوط فى صعيد مصر على التحدى وقوة الإرادة، فكانت أول فتاة تغادر القرية إلى المركز لتتعلم فى مدرسة إنجليزية، وتفتخر بأنها فرضت التعليم على فتيات الصعيد..

هذا التحدى الذى استمدته من عائلتها أهّل د.آمنة لتخوض معارك كثيرة بسبب أفكارها التى أثارت جدلا واسعا، ولم تكترث بالهجوم الشديد عليها وساعدت المرأة المصرية فى التحرر من أسر كثير من أفكار دعاة التطرف، وخاضت معارك كثيرة مع أكثر العقول تشددا وتطرفا سواء عندما كانت أستاذ عقيدة وفلسفة، وأيضا عندما جلست على كرسى عمادة كلية الدراسات الإنسانية بفرع جامعة الأزهر بالأسكندرية، واشتبكت فى نقاش محتدم مع الحزب السلفى بالبرلمان فى أثناء الفصل التشريعى السابق فى قضية ختان الفتيات.. وتحرص د.آمنة طوال مسيرتها على تحفييز المرأة بحسن استغلال كل المكاسب التى تحققت لها مع ثورة 30 يونيو والتى كانت ذكراها الثامنة هي البداية لحوارنا معها.

- ونحن على مشارف الاحتفال بالذكرى الثامنة لثورة 30 يونيو، كيف ترين هذا الحدث بعد مرور تلك السنوات؟

ثورة 30 يونيو هى المنقذ لتاريخ مصر كله، لأننا فى الأيام القلائل التى سبقت الثورة كنا وصلنا إلى مرحلة الانهيار فى كل شىء، وكان يؤلمنى كمواطنة أن أرى الفوضى قد امتدت ليس فقط إلى الشارع، بل إلى سلوكيات الناس، وكنت أسأل الله أن يزيح عنا هذه الغمة، وفى الحقيقة هذه الثورة أزاحت الغمة، وحمت حضارة مصر وتراثها، وحمت سيكولوجية الإنسان المصرى.

التدين المتوازن

- بالعودة إلى السبب الرئيسي لاندلاع ثورة 30 يونيو وهو عدم قدرة المصريين على تحمل وجود جماعة الإخوان الإرهابية في الحكم سوى عام واحد فقط، كيف كان تقييمك لهذا العام ؟

لقد قلت لهم أثناء وجودهم فى الحكم أنتم تتدعون أنكم أصحاب دعوة، أما الحكم فله ناسه، فحكم مصر صعب جداً ، وليس سهلا كما كانوا يتصورون، فحكمها إلى قوة وإلى حصافة وتحضر ومودة ، وإلى عدم ترك ثغرة فى أى ركن من أركانها للصدفة، لأن مصر مرت بألوان وأشكال عديدة من التاريخ تركت بها بصمات كثيرة، وهؤلاء القوم لم يقدروا هذا التاريخ وتراكمه فى الشخصية المصرية، فقد كانوا فى حالة من الشجن بفوزهم بالحكم، فأنساهم مسئولية مرارته، فالحكم مر وليس حلواً.

وأقسمت لهم أن الشعب سيحاكمهم أيما حكم ونصحتهم ألا يغتروا بحكم مصر، ففرحتهم غير الموزونة كانت تذكرني بمغارة على بابا عندما دخلها اللصوص وقالوا ذهبا و فضة و ياقوت، و مصر ليست كذلك، فمسئوليتها مرة.

- هل استشعرتى تخوفاً من تأثير فكر الجماعة الإرهابية على الشخصية المصرية؟

الشعب المصرى بطبيعته وفطرته يحب التدين الهادئ والبسيط والمتوازن وليس التدين الملغم بالسلاح، وهم ارتكنوا على أنهم الإخوان المسلمون ، وسيجدوا أرض مصر مفروشة لهم بالزهور، فوجدوا فى البداية فرحة عند الذين ينظرون إلى المسألة على أنهم أهل دين، خصوصاً أن المرحلة الأخيرة فى عهد الرئيس الأسبق مبارك والصراعات التى حدثت أوجدت حالة من الزهد داخل قلوب الشعب المصرى.

شهادة المراوغة والكذب

- وما تحليلك لشهادة الشيخ محمد يعقوب أمام منصة القضاء فى قضية خلية داعش؟

فى الحقيقة كانت مليئة بالمراوغة المعروفة عن تفكيرهم وعن سلوكهم ، فما جاء به هذا «المدعو» محمد يعقوب ليس جديداً عليهم، فهذه لغة منتشرة بينهم، عندما يريدون أن يتنصلوا من قضية.

وأنا مندهشة مما جاء فى المحكمة وتنصله بمنتهى البساطة وهو يعتبر قدوة وإماما لكثير من مريديه، وهذه قدرة غريبة، فهو كان صاحب القيادة لهذا الفكر، وبين يوم وآخر يتنصل بهذه البساطة، وكل التحية للفكر الرصين من قبل المحكمة وهى تناقش هذا الرجل وتضعه أمام نفسه فكان أسلوبا ومنهجا بليغا نجح فى جعل هذا الرجل أن يصل إلى ما وصل إليه من التنصل مما يؤخذ عليه، وهذه الشهادة هى «نيران صديقة»، فهي أكبر ضربة لهم منهم فيهم لرائد من روادهم و داعية من دعاة هذا الفكر، والفضل للمحكمة التي كشفت أمرهم بهذه الصورة الراقية والقوية، التي لا بها ألفاظ عنيفة، إنما كان أسلوبا قويا جداً و أسلوبا قانونيا عظيما.

- هل ما تضمنته هذه الشهادة ممكن أن يجدد الصراع بين الإخوان والسلفيين؟

أعتقد ذلك، إذا وجدوا المناخ، ولكن أراهم الآن تحت وطأة السؤال والمتابعة فهم فى حالة انكسار وبالتالى لن يتفرغوا لبعضهم .

- كثيرون يتخوفون من إفراز جديد للشيخ محمد يعقوب، فما هى وجهة نظرك؟

أحسب أن شوكتهم قد كسرت، ولن تقوم لهم قائمة، وإذا كانت هناك إفرازات ستكون ضعيفة وسيسهل على الأزهر أن يتغلب عليها.

حالة انكسار

- كيف ترين تأثير الجماعات الإرهابية أيا كانت مسمياتهم اليوم؟

لقد ضعفت قوتهم عن 15 أو 20 سنة ماضية، فسقوط الإخوان كان عبارة عن حائط كبير انكسر، فأدى إلى تهافت بقية الرعايا، وأصبحوا فى حالة انكسار.أذكر عندما كانوا يظهرون فى التليفزيون فى فترة الإخوان كانوا يتسمون بجبروت غبى، وأرى أن قرار منعهم من الفضائيات واعتلاء منابر المساجد، كان صائبا، فقد قلص انتشارهم وقلص روادهم وثبت مع الوقت كما رأينا فى الشهادة بالمحكمة أنهم يقولون ما لا يفعلون ويتنكرون لما يقولون، وهذا موجود فى إخلاقهم، وكل هذا كسر قوتهم وأضعف تأثيرهم على الناس ، ويحسب لـ 30 يونيو وموقف الشعب المصرى، أنه أنقذنا من ذلك الفكر المتنطع والمنغلق والتدين الزائف الذى اجتاح بعض الأسر المصرية.

- وماذا عن علاقة الغرب بهم ؟

الغرب هو عدونا حتى يوم القيامة، و العدو دائماً يبحث عن السكينة التى تطعن عدوه وتلك الجماعات هى السكينة التى تطعن مصر، فمناصرة الغرب لهم هى التى قوت شوكتهم ، ولما ضاق الغرب بهم وتألم من أفعالهم هم كسروهم لأنهم لم يعد لديهم قبول هناك، كما كان منذ أربع سنوات، فالغرب بدأ يشعر بخطورتهم على بلادهم وعلى حضارتهم وعلى شعوبهم فبدأ يطاردهم فخفتت أضواؤهم .

- وماهى مكتسبات ثورة 30 يونيو فى رأيك؟

تم ترتيب أوضاع البلد حتى مهما عانينا، فمصرالآن ليست المدينة الفاضلة، ولكن إذا قارنت بين اليوم والفترة أثناء الثورة وبين ما يحدث فى دول الجوار، أقول مهما كانت الفاتورة، فإننى أحمد الله على الاستقرار، فعدم استقرار الأمم أمر له خطورة عظيمة خصوصاً لشعب كشعب مصر أولاً : تعدادنا ليس بالقليل، ثانياً: بلدنا ممتلئة بمقومات الحضارة، وبالتالى لا أحب أبداً أن تكون الفاتورة علىّ كمواطنة تساوى اهتزاز هذا التاريخ.

- وكيف ترصدين انطلاق مصر نحو الجمهورية الجديدة؟

هناك تشييد رائع فى البلد من كبارى وعمارات سكنية، ومن تحسين الحالة المعيشية لمن يقطنون فى أماكن غير كريمة، هذا أمر يشهد به التاريخ اليوم وغداً، وأتمنى مزيدا من المراعاة للقمة عيش الإنسان البسيط.

تجديد الخطاب الدينى

- كيف ترين السبع سنوات من فترة حكم الرئيس السيسى؟

أهم ما رأيته هو حماية مصر من المتربصين والمنتهزين الذين يتمنون أن يركبوا أعناق هذا البلد وليحدث ما يحدث، لقد حماها من كل هذه الطوائف وبكل ما نتكلفه من فاتورة أقول إنها فاتورة ضعيفة جداً فى مقابل أمان هذا البلد، كما يحمد له كحاكم للدولة التوجيه والمطالبة بتجديد الخطاب الدينى، لأن هذه القضية بالنسبة لى كأستاذ فلسفة أطالب بها منذ زمن، ولكن عندما تأتى من رئيس الدولة فهى لها مغزى آخر وقوة أخرى، لأن الخطاب الدينى خطاب لكل زمان ومكان، فلا إنكار أن الدين العظيم بنصوصه القرآنية والنص النبوى يصلحان لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة، لأنه لاتوجد نبوة أو رسالة أخرى، ولكن الحياة كل يوم فى شأن، إذن لابد من الاجتهاد، والإسلام لم يغلق باب الاجتهاد بل تركه مفتوحا إلى يوم القيامة، إنما جاء أهل الحل والعقد وهم الذين وضعوا هذه الفرامل وهذه الضوابط التى تحد من انطلاق الناس فى الاجتهادات، وهذا ليس فى صالح الشريعة ولا ديمومة الحياة .

خطوة مهمة

- هل ترين أن تصريحات فضيلة شيخ الأزهر د.أحمد الطيب الخاصة بحقوق المرأة تتسق مع تجديد الخطاب الدينى؟

نعم، وتتسق أيضاً مع فكر وعقلية الأستاذ الدكتور شيخ الأزهر التى أعرفها لأننى ألتقى أنا وسيادته فى تخصص واحد وأعرف جيداً كم هذه العقلية المضيئة متأثرة إلى حد كبير بتخصصها لأنه أستاذ فلسفة وعقيدة، وهذا التخصص يجعل الإنسان دائماً ينظرإلى المستقبل.
وهذه التصريحات خطوة مهمة للتقدم لأن الفترة السابقة كانت هناك حالة من الركود كما أنها تفتح آفاقا أمام أهل الفكر والفقه بأن ينظروا إلى الغد بشكل فيه تجديد.

جاء فى تصريحات فضيلة شيخ الأزهرأنه لا وجود لبيت الطاعة فى الإسلام، فكيف للمشرع أن يأتى بمادة ليست فى الدين؟
المشرع جاء بها كنوع من ضبط انهيارالبيوت المصرية، لكن ما قيمة البيت الذى يغلق على أطراف متنازعة بداخله، لذلك تصريح فضيلة شيخ الأزهر فى منتهى الحكمة لأن بيت الزواج فى الإسلام بنى على المودة والسكن والرحمة إذن كيف تكون مودة مع زوجة تأتى بالإكراه إلى بيت الزوجية!

فى سياق الحديث عن أهل الفكر هل رصدتى إسهاماً فكرياً أو ثقافياً يتماشى مع تجديد الخطاب الدينى؟

إلى الآن لا أجد كما أتمنى، وهناك فارق بين ما أجده وألمسه وبين ما أتمناه.

خطأ المثقفين

- بالرغم من أن الثقافة شريك أصيل فى قضية تجديد الخطاب الدينى، إلا أن كثيرين يرون دورها ضعيفا جداً، لماذا؟

أهل الرأى والمثقفون يتركون هذا الأمر لشيوخ الأزهر وهذا خطأ ألقيه عليهم وأتمنى من كل صاحب ثقافة وفكر أن يدلو بدلوه حتى يتعاون مع رجل الدين.. لماذا نترك كل تراثنا ليتحدث فيه رجل الدين فقط .. كل مسلم على علم وعلى ثقافة ومعرفة بنصوص الدين من حقه أن يشارك.

- ما هى شهادتك على الحركة التنويرية الآن؟

تعيش حالة من القلق والخوف، فى البداية لابد لنا أن نعرف أن التنوير هو جزء من التجديد، لكن ليس معنى التنوير أن أقلد الغرب، فالتنوير يجب أن يكون من عقيدتى نفسه، لذلك أناشد المثقفين أن يدلوا بدلوهم، و لماذا الكل يدير ظهره؟..هل خشية من رجال الدين؟..من جمال دين الإسلام أنه ليس فيه كهنوتية على كل إنسان أعطاه الله منحة العلم والتفقه فى قضايانا ولديه طرف من الثقافة ومعرفة بنصوص هذا الدين أن يدلو بدلوه .

- ما رأيك فى المحاولات التى يبذلها إسلام البحيرى فى هذا المجال؟

لقد التقيت بإسلام وقلت له أنت طرقت قضايا كثيرة نحن كأساتذة فلسفة معنيين بها وهذه ميزة الفلسفة أننا نطرق الأبواب ولا نتجمد أمام الدنيا، لكن للأسف أنت طرقتها بأسلوب غير راق وغير ملائم للقضايا التى طرحتها وهذا ما ألومه عليه .

- كثيرا ما تثيرين آراء فكرية تحدث حالة من اللغط والجدل، فهل هذه ظاهرة صحية فى رأيك؟

إذا كان اللغط به حوار منطقى، وفيه تقيد بأمانة الكلمة ، ونقل لها بأمانة أرحب به جداً، لأننى عندما أقول رأيى لا أخشى ولا أتوارى عنه، ولكن ما اعترض عليه هو فهمى على غير ما أردت أن أقول.


ثقافة تقبل الاختلاف

- وماذا تقولين لمن يهاجمك ؟

لا أكترث لأن من يهاجمنى لم يفهمنى، فعندما أقول شيئاً يكون على أساس إسلامى ربما يكون فكرى العقلى يختلف قليلاً عمن يهاجمنى، وأندهش لماذا لا يكون لدينا سعة الأفق وتقبل الاختلاف مع غيرنا! مشكلة الشعب المصرى عدم تقبله للاختلاف .

- كيف تنظرين لما تحقق للمرأة المصرية من مكتسبات حتى اليوم؟

كلمة حق أن المرأة حققت فى هذه المرحلة ما لم تحققه فى تاريخها الفائت . الآن المرأة دخلت فى السلك القضائي بعد قرار الرئيس السيسي الأخير، وأذكر وأنا فى البرلمان كان من أكثر الشكاوى التى ناقشنى فيها كثير من السيدات فى الندوات أو فى المؤتمرات حرمان المرأة من دخولها السلك القضائى، لذلك هذا القرار أسعدنى كثيراً .

- وماذا عن تمكينها سياسيا واقتصاديا؟

بالنسبة للتمكين السياسى أراه قليلاً وأتمنى أن تأخذ المرأة من الانفراجات التى حدثت لها وأن تثبت وجودها فيه بعمل ملموس وجيد، وعن التمكين الاقتصادى فهو موجود ولا أحد يمنعها من تجارة أو زراعة ولا من أى عمل فى المجال الاقتصادى، لكن المرأة لابد «أن تشد حيلها» كما أطالبها بأنه لاداعى للحديث طوال الوقت عن قوانين تبعدها عن مجالات معينة فهذا غيرصحيح، فلا توجد قوانين تمنع المرأة من أن تخوض أى شىء ولكن لابد وأن تخطو خطواتها بذكاء وبمقومات جيدة لأن المتربصين بها كثر، فيوجد تربص وأنا لا أنكره .

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة