رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

من أرشيف الخارجية والسياسة المصرية

رجائي عطية

الجمعة، 02 يوليه 2021 - 06:50 م

ليس صحيحًا ما يعتقده البعض، أن الدكتور مراد غالب صاحب صفة استثنائية فى تاريخ مصر حالة كونه الطبيب الوحيد ـ فيما يجزم ! ـ الذى أصبــح وزيرًا للخارجية. لا شك أن للدكتور غالب صفات جعلت له مكانة متميزة، ولكنه لم يكن الطبيب الأول ولا الوحيد الذى تولى وزارة الخارجية. سبقه إلى هذا المنصب بنحو أربعين عامًا طبيب الأطفال الدكتور حافظ بك عفيفى. عين وزيرًا للخارجية بوزارة محمد محمود باشا الأولى المعروفة بوزارة اليد الحديدية، (1928/1929)، ثم عاد ( باشا هذه المرة ) وزيرًا للخارجية أيضًا فى وزارة إسماعيل صدقى باشا الأولى (1930/1933). 
والدكتور حافظ عفيفى باشا شخصية خلافية فى تاريخ مصر السياسى ما بين ثورتى 1919 و1952، كانت بداياته  بالحزب الوطنى القديم، واشترك فى الحرب ضد الغزو الإيطالى فى طرابلس، وكان أحد اثنين اختارهما سعد زغلول ليمثلا شباب الحزب الوطنى فى عضوية الوفد، واعتمد عليه اعتمادًا شخصيّا مع النحاس وويصا واصف فى مصر إبان وجود الوفد فى أوروبا، وانضم إلى الوفد 1918، ولكنه مال أواخر 1920 إلى من اختلفوا مع سعد، ونشط فى تشكيل « جمعية مصر المستقلة » التى حصل باسمها على امتياز إصدار « جريدة السياسة » التى صارت لسان حال حزب الأحرار الدستوريين الذى شارك حافظ عفيفى فى تأسيسه، ولم يغفر له الوفديون ترك الوفد إلى الأحرار الدستوريين الذى ترأسه عدلى يكن، ثم عبد العزيز باشا فهمى الذى استقال سنة 1926، وظل موقعه شاغرًا إلى أن تولاه محمد محمود باشا بعد فترة وجيزة من تشكيل وزارته ( 1928) التى دخلها حافظ عفيفى وزيرًا للخارجية ثم عاد وحمل حقيبتها فى وزارة صدقى باشا التـى شكلت 1930.  
إلى جوار خطه السياسى، عرف حافظ عفيفى باشا بنشاط اقتصادى كثيف، وشغل رئاسة وعضوية مجالس إدارات كثير من الشركات، والبنك الأهلى والبنك العقارى، وتولى رئاسة بنك مصر بعد استقالة طلعت حرب 1939، وكان ملمًا إلمامًا واسعًا بتاريخ وأحوال الإنجليز.. انعكس فى كتابه « الإنجليز فى بلادهم ».. وهو كتاب مميز، اشتمل على دراسة عريضة فى الدستور البريطانى والحياة الدستورية فى إنجلترا منذ ما قبل ثورة 1648، وأوضاع السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلاً عن مقومات الرأى العام فى الصحافة والأحزاب، والنظام القضائى الانجليزى. 
لم يكن الدكتور مراد غالب إذن هو الطبيب الوحيد الذى شغل منصب وزير الخارجية، وإنما سبقه إلى هذا الموقع، بنحو أربعين عامًا، طبيب الأطفال الدكتور حافظ عفيفى الذى تبوأ هذا المنصب مرتين، وترأس الديوان الملكى. فهلا عرفنا التاريخ قبل الاجتراء عليه والإفتاء فيه ؟!
 ظنى أنه صار سُنّة محمودة، أن صارت محفظة الخارجية المصرية فى العقود الأخيرة إلى الدبلوماسيين المتخصصين، الذين عركوا السياسة الخارجية، وامتلكوا أدوات العمل فيها، تسندهم خبرة طويلة، ومعرفة واسعة بآليات المجتمع الدولى بكافة صورها وأشكالها، ومواطن القوة والتأثر فيها، وأسلوب الاقتراب من القضاء الدولى اقترابًا مدروسًا يتكاتف معها فيه أجهزة تمتلك العلم بخبايا ما يدور فى العالم، لتغدو السياسة الخارجية فنًّا يجيده ويباشره أصحابه، هذا فضلاً عن ما يتعين الإحاطة به للقيام بالمهام المتنوعة العديدة التى صارت السفارات والقنصليات فى الخارج تنهض بها، سواء فى التواصل مع المصريين المقيمين بالخارج أو توثيق واقعات الميلاد والوفاة والسفر، وتيسير سبل وإجراءات العلاج، وعقد وتوثيق العقود بأنواعها، والرعاية الاجتماعية، والعلمية والثقافية والدراسية للعاملين وللدارسين المصريين لدى الجامعات الأجنبية هناك، إلى متابعة البعثات، والهجرة، والتعاون فى مجال الإنتربول، وفى تنفيذ الأحكام، إلى غير ذلك من المهام المتنوعة باعتبار السفارات ممثلة كاملة لمصر ولكافة سلطاتها بأنواعها بالخارج، حتى صارت السفارات قائمة بمهام كثيرة تخص الجهات السيادية والخارجية والداخلية والأمنية والعدالة والتعليم والثقافة والصحة والشئون الاجتماعية والأحوال الشخصية والسياحة والآثار وما قد تستلزمه من الحفاظ على آثارنا والمطالبة باسترداد ما تم تسريبه من مصر والاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة، إلى غير ذلك من المهام الآخذة فى الاتساع والتى تتطلب من السفارات أن تكون فى الإجمال ممثلة للدولة المصرية فى خارج البلاد.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة