عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

عقــــد الإخــــلاص

عمرو الخياط

الجمعة، 02 يوليه 2021 - 07:30 م

فى مواضع كثيرة من آيات القرآن الكريم اقترن الجوع والخوف باعتبارهما أخطر مهددين لحياة الإنسان، وهى حقيقة قرآنية ذلك لأن الجوع يؤثر تأثيرا مباشرا شديد السلبية على السلوك البشرى، بل ويفرز آثار هذا السلوك على المحيط الخارجى فيظهر جليا على تفاصيل أخلاقياته فى محيطه الاجتماعى.

إذا ما اقترن هذا الجوع بفقدان الأمان فإننا نكون أمام حالة كارثية تجعل من الإنسان فريسة لمحاولات الابتزاز والتجنيد والتورط، بل إن اقترانهما ببعض فى ظرف مكانى وزمانى واحد يفتح المجال لعمليات اغتيال إنسانى موسعة تستغلها التنظيمات المتطرفة لاستقطاب الضحايا.
بفهم عميق لهذه الفلسفة القرآنية أقدم السيسى على المسئولية الرئاسية ليس من باب الدلوف إلى الحكم من بوابة دينية ضخمة بل وقوف على تفاصيل القرآن فى فهم النفس البشرية، فهما يتيح إدارة الجموع البشرية إدارة ترتكز على مواضع احتياجاته الأساسية وصولا لتحقيق إشباعاتها من خلال الطرق المؤسسية المتاحة والقابلة للتطوير.
عندما تصدى السيسى للمنصب الرئاسى كانت الدولة على شفا حفرة من نار الانهيار، بعدما فقدت كل مظاهر الأمن بفعل اليد الإخوانية الآثمة، ومع فقدان الأمن كانت الأزمة الاقتصادية تواصل تفاقمها، لكن السيسى أدرك أن استمرار ثنائية الجوع والخوف تمثل تهديدا جسيما للأمن القومى ولفكرة السلام الاجتماعى، وستنعكس بشكل حاد على استقرار فكرة الولاء للدولة فى الذهنية العامة، مما سيتيح الفرصة لتسلل تيارات التطرّف مرة أخرى لجموع المحاصرة بمخاطر الجوع والخوف.
استيعاب السيسى للثنائية النفسية المذكورة فى آيات القرآن الكريم، يكشف عن ثقافة دينية فطرية مستمدة من نشأة اجتماعية وسطية انعكست على السلوك اليومى، لكنها لم تفرز حالة استعلائية، أى أن حالة التدين لم تدفع نحو تضخم الشعور بالتميز الدينى عن الآخرين بل أفرزت حالة من الاتزان النفسى والسلام الداخلى.
التدين المصرى الوسطى المقترن بالبساطة وخفة الظل يتحول إلى أسلوب حياة ونمط اجتماعى يمثل حائط صد ضد كل ما يهدد أصل الهوية ولكن دون انغلاق.
هذه البساطة الدينية المصرية أصبحت سمة من سمات الشخصية المصرية، وهو أمر استوعبه السيسى جيدا فأصبح أداؤه الرئاسى ممزوجا بقناعات إنسانية منحته أداة اتصال مباشرة مع الجمهور بمختلف عقائده، بعد أن تأكد أن الرجل يمارس التدين الحقيقى بصدق وليس من منطلق دبلوماسية المنصب.
تلك الحالة من التدين المصرى سكنت وجدان الرئيس وانعكست على خطابه العام، حتى أنه فى أحيان كثيرة تجده يجتهد فى إظهارها، فيجاهر بالدعاء لمصر والمصريين ملتمسا عون الله فى مواجهة أزمة جائحة كورونا، ثم يتحدث بوضوح عن توفيق المولى عز وجل له خلال حديثه للمصريين بالأمس القريب بالهايكستب.
فلسفة المجاهرة الرئاسية بذلك إنما تعكس رغبة حقيقية لإظهار التدين باعتباره حالة إنسانية اختيارية منفتحة وليست حالة تنظيمية انغلاقية أو قسرية.
بساطة الرجل فى تقديم لغة المناجاة العلنية أرادت أن تقول إن الطريق للمولى عز وجل مفتوح بلا حجاب وأن المصريين ليسوا بحاجة إلى «مرشد» أو مسئول تنظيمى من أجل الوصول للمولى عز وجل، فقط هم بحاجة إلى استحضار نية الإخلاص.
فى كل مرة يرفع السيسى أكف الضراعة للمولى عز وجل علانية، يريد أن يؤكد التزامه بالعهد، والتزامه ببنود عقد الإخلاص الذى أبرمه مع مولاه، لكن هذا الإخلاص لا يمكن أن يظل حبيسا للوجدان الرئاسى وإلا تحول لأمر شخصى لا علاقة له بمسئوليات العمل العام التى تفرضها التزامات المنصب الرئاسى، مما دفع السيسى إلى أن يحوِّل ذلك الإخلاص الخفى إلى عمل معلن لخدمة المصريين، فأصبح ما وقر فى القلب واقعا يصدقه العمل.
فى كل مرة يجاهر السيسى بالدعاء تنعقد نيته على التضرع لمولاه وعلى استرضاء شعبه الذى يستمد شرعيته من إرادته.
السيسى الذى يعتقد أن الدعاء هو مخ العبادة بل هو العبادة نفسها، قرر أن تكون علاقته الخاصة بربه دستورا حاكما لأدائه الرئاسى تجاه شعبه.
لكن هذا الدستور سيظل حبيسا لحالة النص ما لم يدعمه التطبيق، والتطبيق هنا هو خدمة الشعب المصرى.
مجاهرة السيسى بالدعاء لمولاه تعكس الإصرار الرئاسى على التزام الإخلاص، كما تعكس حالة التجرد من الهوى الشخصى.
تلك الخواطر الرئاسية يصر السيسى على دفعها للمشهد العام من أجل أن يقول إن الضمير الرئاسى سيظل محكوما بنية خدمة ورعاية المصريين، وأن هذه النوايا يجب أن تظهر أدلة صدقها من خلال ما يقدم للمصريين على أرض الواقع.
لقد ختم السيسى دعاءه الأخير بالتوسل مناجيا مولاه: «لك الحمد حتى ترضى»، ليلزم نفسه أمام جموع الشعب بالاستمرار على درب نهائى لا يمكن الوصول لمنتهاه ومبتغاه إلا بنيل كامل الرضاء الإلهى، لكن المحاولة المخلصة تجعل الخطوات ثابتة نحو هدف واضح وإن كان صعب المنال.
المناجاة المعلنة هى دعوة رئاسية من أجل استحضار حالة من الإخلاص القومى، بدأها السيسى وألزم نفسه بها وقدم دليلا عليها عنوانه «حياة كريمة» لكل المصريين.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة