شعار أشعل الثورة
اعتصام المثقفين.. من هنا بدأت ثورة 30 يونيو
الأحد، 04 يوليه 2021 - 02:17 م
شهاب طارق
كان لانفجار 30 يونيو مقدمات كثيرة، ومواقف عديدة لا يمكن نسيانها، على رأسها موقف المثقفين الذين كانوا أول من رفض الخضوع لحكم جماعة الإخوان علانية، وكان اعتصامهم فى وزارة الثقافة تحت شعار الا لأخونة وزارة الثقافةب الشرارة الأولى لنهاية حكم المرشد، وقتها كان قد تم تعيين علاء عبد العزيز وزيرًا للثقافة، وقرر إنهاء خدمة عدد من قيادات الوزارة البارزين، رغبة منه فى تفريغ الوزارة من كوادرها وتمكين الجماعة من مفاصلها الهامة والأساسية، وهو الأمر الذى أثار غضب جموع المثقفين المصريين، فقرروا الاعتصام، ضد ما يحدث، فأدى ضمن أسباب عديدة أخرى إلى اشتعال شرارة ثورة الثلاثين من يونيو.. كان هذا الاعتصام نقطة تحول حقيقية لا يمكن نسيان دورها.
د. أحمد مجاهد كان أحد أبرز المشاركين فى الاعتصام وقتها، يقول عندما يسألنى أحد عن اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة، الذى كان شرارة البداية لثورة 30 يونيو: هل كنت تتوقع وقتها نجاح الاعتصام؟ وأنه سيكون له هذا الدور فى إشعال الثورة؟عندئذ يقفز إلى ذهنى على الفور قول صلاح عبد الصبور:
تسألنىرفيقتى: ما آخر الطريق؟
وهل عرفت أوله
يوضح: بكل تأكيد لم يكن لدى أحد من المثقفين الذين شاركوا فى البداية يقين فى مجرد نجاح الاعتصام ذاته، فما بالك بحلم أن يتحول إلى خطوة أولى فى طريق الثورة.
لكننى أقطع لك أيضا بيقين كامل أننا كنا قد عقدنا العزم على اللاعودة، فإما أن نعيد إلى مصر هويتها التى يحاولون سلبها، أو مرحبا بصحبة السجن بعيدا عن وطن أصبح غريبا عنا.
لكننا كنا فى كل يوم نكسب أرضا جديدة: شركاء جدد فى الاعتصام، تأييد وزيارات من مثقفين وفنانين ورموز سياسية، ندوات وحفلات بالشارع تجذب جماهير أكثر فى كل يوم، انتقال ظاهرة الاعتصام إلى مقار وزارات أخرى أو دواوين محافظات.ومع هذا الدعم الشعبى ارتفع سقف المطالب، فبعد أن كان مطلبنا هو إقالة وزير الثقافة، أصبح مطلبنا هو إقالة حكومة الإخوان بالكامل.
كان الحراك فى الشارع المصرى قد بلغ منتهاه، صحيح أن البداية كانت من القوى الناعمة قائدة مسيرة التنوير، وحاملة المشاعل فى لحظات الظلام. لكن استجابة الشعب المصرى لم تكن بسبب هذا الاعتصام فقط، بل كانت نابعة من داخل كل مواطن مصرى بسيط يريد الحفاظ على هويته ولا يقبل التفريط فيها.
وفى تلك اللحظات الحاسمة يظهر دور القائد السياسى، وقد تمثل هذا القائد فى الفريق السيسى وزير الدفاع الذى طلب تفويض الشعب له، فما كان من الشعب إلا أن خرج مبايعا فى أضخم مظاهرة شعبية على الإطلاق.
يختتم:كنت أرى بعينى طوفان البشر، وترن بأذنى أصداء قصيدة حجازى:
لكأنها الرؤية!
قيامتك المجيدة
ينهض النهر القديم بضفتيه واقفا
حتى نشاهد فى السماء مصبه
نافورة خضراء
والشلال يصعد من منابعه الخفية راعفا
متفجرا بحرارة الماء المضفر بالمعادن
حاملا معه المدائن، والأهالى، والقرى،
والطير، والحيوان.
وهنا يقفز إلى الذهن سؤال: وهل كان الرئيس السيسى نفسه وقتها واثقا تماما من النصر؟يسأل مجاهد ويجيب:أعتقد أنه بكل تأكيد كان يضع رأسه فوق كفه، متوكلا على الله، ومستعدا للتضحية بحياته من أجل وطن يستحق.ففى اللحظات المفصلية الحاسمة من التاريخ: احرص على الموت توهب لك الحياة، إما بجسدك فى دنيا ترضاها، أو بسيرتك من أجل رسالة تؤمن بها.
الروائية سلوى بكر استعادت ذكريات تلك المرحلة الفاصلة فقالت إن الموقف حينها كان إما نكون أو لا نكون، فاحتشاد المثقفين والمبدعين، والفنانين، كان سببه أنهم رفضوا أن تعود مصر لعصور مظلمة، فكان الاعتصام ضرورة لا بد منها، وكان لابد أن ينجح، حيث شارك فيه كافة أطياف الشعب اأنا أعدها لحظة هامة ومصيرية بالفعل، لأننا رفضنا استقدام ثقافة ضد الثقافة الوطنية تحت المسمى الديني، وحينها كان هناك وعى من قبل الجماعة الثقافية، لما يمكن أن تؤدى إليه هذه الثقافة الظلامية التى تتخفى وتتستر وراء الدين، فكان الوضع تحت حكمهم مخيف، وما أقصده هو الخوف من أن نعود إلى العصور الوسطى، وهذا هو سبب هذا الاحتشاد الرهيبب.
لم يكن اعتصامنا لأجل مطالب ثقافية فقط تتعلق بإقالة وزير، تضيف سلوى بكر، فالأمر أبعد من ذلك بكثير كما تقول اإذ كان الموضوع عبارة عن قضية وطنية، وهذا الاعتصام الذى قام به المثقفين والفنانين، شجع كافة أطياف الشعب وأدى إلى أن تتوسع الوقفة الاحتجاجية، فأنا أتذكر المظاهرة التى مشينا فيها من وزارة الثقافة، حتى ميدان التحرير، ووقتها توقعت أن يسقط كبرى قصر النيل من كم الناس الهائل الذين تواجدوا عليه، فقد كنا نتحرك بالدفع فقط، لذلك الأمر كان عبارة عن لحظة وعى حقيقية، وتفهم عالٍ لخطورة ما يحدث، وأنا أظن أن الجينات الحضارية الكامنة عند المصريين ظهرت بقوة فى هذا اليوم كى تقول ترفض لكل ما هو متخلف وظلاميب.
من جانبه قال الفنان التشكيلى والروائى عز الدين نجيب: احين أقيم هذا الاعتصام كنت سعيدًا بالفعل نفسه وليس فى رد الفعل، أى لم يكن يهمنى نجاح الاعتصام أم لا، فما أسعدنى أن هذه الجثة قد دبت فيها الحياة مرة أخرى، إذ ظل المثقفون لسنوات فى عزلة، وفى يناير أيضًا لم يكونوا ضمن الطليعة، لكنهم لعبوا دور الطليعة أثناء ثورة ٣٠ يونيو، لأنهم أدركوا أن مصر قد استولى عليها تنظيم رجعى انحرف بأهدافه من أجل تنفيذ مشروعه المعادى للإرادة الوطنية، وكان للمثقفين فى الحقيقة دور القيادة وغرس الوعى، وكشف أبعاد المخطط الذى يراد أن تنجرف إليه مصر فى ظل القوى المناهضة للثورة والتقدم والنهضة، داخليا وخارجيا، فلا يمكن أن ينسى أحد وقفة المثقفين التاريخية بالاعتصام بمقر وزير الثقافة طوال شهر كامل، مطالبين برحيله، بل برحيل النظام الإخوانى كله، وقد كان الاعتصام بمثابة الشرارة الأولى التى انطلقت الثورة الجديدة منها، وكانت مبادرة المثقفين من خلال الاعتصام نموذجا مدهشا للمقاومة السلمية الواعية وللديمقراطية المتحضرة، واستطاع المثقف أن يصبح لاعبًا أساسيا بجانب أنهم صاروا قيادة تاريخية للحدث، وفى دستور ٢٠١٤ برز دورهم فلعبوا دور القيادة مرة أخرى، وقد سعدنا بأن تضمنت الصياغة النهائية ثلاث مواد من الفصل الثالث بالدستور افصل المقومات الثقافيةب، وهى المواد رقم 47، 48، 50، والتى تنص على أن الثقافة حق لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوصيلها إليه حتى أقصى المناطق النائية، وأن تراث مصر المادىوالمعنوى ثروة قومية تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وصيانتها، وكذا الرصيد الأدبىوالفنى، والتزام الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحرية إبداعهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.
الشاعر زين العابدين فؤاد قال: حينما تم الاعتداء على الدستور قرر المثقفون المشاركة لإنهاء حكم جماعة الإخوان، كما قمنا بردود فعل مختلفة، إذ عقدنا العديد من المؤتمرات دفاعًا عن حقوق التعبير، وضد حكم المرشد، وهو فعل ثورى لم يبدأ فى يونيو فقط، لكنه بدأ منذ ديسمبر ٢٠١٢، ثم فبراير ٢٠١٣، وقبل أن نعتصم لمدة شهر عقدنا مؤتمرًا صحفيًا بنقابة الصحفيين، وأعلنا احتلال كل الفضاءات الموجودة فى الساحة الثقافية؛ إذًا فقد لعب الاعتصام دورًا كبيرًا جدا، وهو خطوة واحدة ضمن طريق طويل، لهذا أردنا كشف هذا الحكم وفضحه فى الشارع، إلى أن تحقق الحلم فى النهاية وأسقطنا حكم الجماعة فى النهاية.
المهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومى للحضارة قال: أثناء فترة حكم الإخوان كنت رئيسًا لقطاع مكتب وزير الثقافة مع الدكتور صابر عرب، وحينما رحل عرب قابلت وزير الثقافة حينها علاء عبد العزيز، وبعد يومين من تواجده فى الوزارة شعرت أنه من الصعب التعامل معه برؤية تمكن الوزارة من تحقيق هدفها، وبناء عليه؛ تقدمت باعتذار وتركت منصبى من رئاسة قطاع مكتب الوزير، لأن هذا المنصب تحديدًا هو المنوط بتنفيذ رؤية وزير الثقافة، لذلك رجعت لموقعى بصندوق التنمية الثقافية، إذ شعرت أننى غير قادر أن اتفهم دور الوزير أو السياسة المنوط بها، إذ كان بعيدا كل البعد عن فهم طبيعة الوزارة، وخلال هذا التوقيت بدأ حراك الفنانين والمثقفين، وتواجدوا فى مكتب الوزير وبدأت شرارة الثلاثين من يونيو، لأننا حينها أدركنا طبيعة الوضع، وأنه لا بد من إنهاء حكم الجماعة.