د.مصطفى عبد المعطى
بعد حصوله على جائزة النيل للفنون
د.مصطفى عبد المعطى: الدولة لا تنسى مبدعيها
الأحد، 04 يوليه 2021 - 02:22 م
حوار: منى عبد الكريم
فى رحلة ممتدة كرحلة النهر عبر الزمان والمكان، كانت رحلته الفنية التى بدأها من مدينة الإسكندرية حيث نشأ ودرس الفنون الجميلة ضمن أول دفعة تستقبلها الكلية بالإسكندرية، ليسافر بعدها لدراسة صعيد مصر، ثم شمال الدلتا بمنحتى تفرغ من الحكومة المصرية، قبل أن تأخذه الرحلة لأوروبا حيث حصل على درجة الأستاذية فى الفنون من أكاديمية سان فرناندو بجامعة مدريد بإسبانيا عام 1977، كما حصل كذلك على دبلوم التصوير الجدارى ودبلوم الترميم فى التصوير الزيتى من نفس الأكاديمية، وعلى مدار أكثر من ستين عاما لم يتوقف عطاؤه إبداعيا وإنسانيا.. أكثر من نصف قرن من البحث الفنى المستمر مارس فيها كل المجالات التشكيلية.. التصوير والرسم والخزف والجرافيك والنحت، وتقلد عشرات المناصب من بينها توليه منصب رئيس الأكاديمية المصرية للفنون بروما منذ عام 1988 وحتى عام 1996، وكان له الفضل فى إنشاء بينالى القاهرة الدولى الذى ترأسه فى دورتيه الأولى والثانية، كما اختير قوميسير عام الجناح المصرى فى بينالى فينيسيا الدولى فى 2003، وغيرها من الإنجازات التى يصعب حصرها، ليأتى الإعلان عن حصوله على جائزة النيل فى الفنون تتويجا لتلك الرحلة.
الحقيقة أن خبر الإعلان عن فوز د. مصطفى عبد المعطى بجائزة النيل لم يكن أبداً مفاجأة لكل ما تحمله سيرته الذاتية من منجز متفرد، لكن ذلك الفوز جاء ليكشف عن تلك المحبة العميقة التى يكنها له طلابه وتلامذته الذين شعروا أن الجائزة لهم جميعا، إذ عرفت بعد ذلك أن علاقته بطلابه تجاوزت الأستاذية إلى الأبوة حيث فتح لهم أبواب مرسمه وبيته، وجمع لهم كتب الفن من جميع أنحاء العالم وترك لهم أبواب قلبه ومكتبته مفتوحة دائما.
أما على الصعيد الفنى فتأتى فرادة تجربة الفنان مصطفى عبد المعطى لأسباب متنوعة أهمها قدرته على الوصل بين تراث المصرى القديم وفلسفته، وبين الحداثة الفنية، ليختار لنفسه أسلوبا متفردا يقوم على توظيف الأشكال الهندسية فاتحا بها آفاق الوصل بين الماضى والحاضر وبين رحلة الإنسان على الأرض وخروجه للفضاء الخارجى فى حوار متصل مع الكون كله.
والمتتبع لإنتاج عبد المعطى الفنى منذ بدايته كما يذكر الفنان د.حمدى عبد الله يدرك للوهلة الأولى أنه مهموم بقضايا التشكيل من خلال بصيرة نافذة تؤكد على جديته ومثابرته فى الرحلة للكشف عما وراء العناصر والأشكال البيئية التى تتضمنها أعماله والتى لعبت دوراً مهماً ومؤثراً فى إضفاء صفة البلاغة على أسلوبه الفنى المدعم بالبعد الثقافى فتكويناته قائمة على مجموعة من العلاقات التناغمية بين الأشكال فى بنائيات تزيينية تعبيرية بلا افتعال متخطياً بذلك مناطق كثيرة يقع فيها غيره من الفنانين، فالفنان د.مصطفى عبد المعطى يجيد بحرفية بالغة مهارة تقديم منظومات بصرية مصوغة بمنطق معاصر تثير فى المشاهد رؤية من البيئة المحلية ذات المناظر المرتبطة بالتاريخ الحضارى طويل الأمد.. والبعض الآخر يحلق بنا فى عالم الفضائيات اللانهائى والاتصالات الكونية.
لم تكن جائزة النيل هى الأولى التى تأتى تقديرا من الدولة لمنجزه الفني، بل إنه سبق وأن حصل على جائزة الدولة التقديرية ضمن العديد من الجوائز الأخرى.. التقينا بالفنان مصطفى عبد المعطى وكان لنا معه هذا الحوار.
دائما يرى المبدع أن جائزته الأهم هى منتجه الإبداعي، ولكن بعد عشرات الجوائز والتكريمات، كيف جاء تلقيك لخبر فوزك بجائزة االنيلب؟
بالنسبة لى لا أتوقف عند الجوائز بشكل كبير، لكن جائزة النيل أمر مختلف إذ أن قيمتها تنبع من أنها تكريم من الدولة، فهى جائزة من مصر، ولذا أعتبر أنها توازى جائزة نوبل فى الخارج، هذا التقييم القادم من الدولة له مكانة كبيرة، لأن لسان حال الجائزة يقول إن الدولة لا تنسى مبدعيها، وجائزة النيل تتويج للتجربة الفنية التى امتدت أكثر من ستين عاما، ولكن أريد أن أقول كذلك إن الجائزة لا تعنى أن الفنان الذى حصل عليها متفرد دون غيره، على العكس مصر ولادة بشكل كبير.
خرجت جوائز هذا العام وفيها احتفاء كبير بالتشكيليين، بعد سنوات ظل فيها الفنان التشكيلى مظلوما ضمن المبدعين من المجالات الأخرى خاصة الأكثر شهرة كالسينما والمسرح، فهل ترى أن هذا يعنى تغيراً فى النظرة إلى الفن التشكيلى ومكانته بشكل عام؟
بالطبع أرى أن هناك وعيا متزايداً بالفنون التشكيلية، لأنه فى مجال التحكيم هناك أساتذة ومبدعون ومفكرون ومثقفون من خارج التشكيليين، وعندما يحصل عدد كبير من التشكيليين على جوائز فهذا يعنى أن النظرة اختلفت إلى الفنون التشكيلية، وهذا أمر يدعو للسعادة بالطبع.
لم يكن هذا هو التكريم الوحيد الذى حصلت عليه من الدولة، فبخلاف جائزة النيل سبق وأن حصلت على جائزة الدولة التقديرية، بل سبقها منذ وقت طويل حصولك على منحتى تفرغ من الحكومة المصرية فى بداية مشوارك الفني، واحدة لدراسة صعيد مصر وأخرى لدراسة شمالها؟ فكيف كان أثر هاتين التجربتين على رحلتك الفنية؟
الحقيقة أن رحلتى الأولى لصعيد مصر كانت أثناء دراستى فى إعدادى فنون، وقد تأثرت جدا بهذه التجربة باللقاء المباشر بمفردات الحضارة المصرية، واكتشفت أن الأقصر تعتبر هى عاصمة العالم تراثيا، فليس هناك مدينة بها هذا الكم من الآثار، لذا أعتبرها أيقونة التراث فى العالم.
لكن بعد تخرجنا حصلت أنا وسعيد العدوى ومحمود عبد الله باعتبارنا أعضاء جماعة التجريبيين التى قمنا بتأسيسها ونحن طلبة بكلية الفنون الجميلة، على منحة تفرغ لمدة ثلاثة شهور لزيارة السد العالي، وكانت تلك هى المرة الأولى وربما الأخيرة التى تحصل فيها جماعة فنية بالكامل على منحة تفرغ، وقتها كان السد العالى حدثا قوميا، فبعد الأحداث التى مرت بها مصر وتأميم القناة لاستكمال بناء السد، تحول السد لأيقونة، وأصبح إنسان الشارع العادى يتحدث عنه كبطل قومي، ولذا كانت الدولة ترغب فى دفع شباب الفنانين للتعبير عن إحساسهم بالسد العالي، دون أن يتم توجيهنا بشأن منتجنا الفني، على العكس كان لدينا مطلق الحرية للتعبير عن الرحلة من وجهة نظرنا، وقتها تأثر سعيد العدوى بالموتيفات على منازل النوبة، أما محمود عبد الله فكان المثير لديه هو قطع الجرانيت وملمسها، أما أنا فكان السد يمثل لى الطاقة الجديدة التى ستبث فى شرايين مصر االكهرباءب.. تلك الطاقة التى تبعث على التقدم.
بعد ذلك بفترة ومع وقوع النكسة حدثت هزة كبيرة، شرخ ترك آلاما عميقة فى نفوسنا جميعا، وقتها فكرنا -وأعنى بذلك أعضاء جماعة التجريبيين- أنه لابد من وجود سبيل للنهوض، وكان سبيلنا فى ذلك العودة للطبيعة، وحين اقترح محافظ كفر الشيخ أن نسافر لاستكشاف المحافظة وقراها، ذهبنا بدافع استكشاف جمال طبيعة مصر، وقمنا بجولة بين قراها مثل الشخلوبة وهى قرى ذات طابع خاص، وكانت كل مشكلتى وقتها أن أنسى كل ما أعرفه وأستسلم تماما للطبيعة لتملى على كيف أقدمها كما هى دون فلسفتها لونيا أو بصريا بطريقتي، أردت فقط أن أسجل ما تقوله الطبيعة، لأرسم كل الأشياء من حولى بلونها وبملمسها، كانت تجربة للعودة إلى المنبع والاستناد إليه للنهوض مجددا.
مع تعدد أسفارك وتنوع الأماكن التى سافرت إليها هل ترى أن للمكان أثر بشكل أو بآخر فى أعمالك الفنية لا سيما مع نشأتك فى مدينة الإسكندرية؟
بلا شك، فعندما ننظر لتاريخ الفن نجد أن هناك عامل مهم لبناء العمل وتميزه واختلافاته، هذا العنصر يتمثل فى التراث البيئي، أى الزمان والمكان اللذان وجد بهما الفنان، ولذا نرى أن كل الحضارات القديمة اتخذت رموزاً لمعبوداتها من الطبيعة المحيطة، فالفنون تقوم على تجسيد مخزون الوجدان فى شكل مادى.
بالنسبة للإسكندرية فلها حضور طاغي، ولها خصوصية، فلم يكن عبثا أن اختار الإسكندر تلك البقعة الفريدة لإنشاء مدينة الإسكندرية التى اختارها عاصمة لإمبراطورتيه، وقد منحتنا الإسكندرية فرصة لرؤية خط الأفق باستمرار، أن تسبح أعيننا فى مساحة الهواء الموجودة بين البحر والسماء، أن نرى العلاقة بين الخط الأفقى والخط الرأسي، التى طالما شغلت المصرى القديم الذى كان أول من وضع مفهوم وأسس التصميم فى العمل الفني.. هذان الخطان يمثلان علاقة الأرض بالسماء، فالأفقى يرمز إلى القيمة الحياتية على الأرض والرأسى يمثل علاقة الإنسان بالسماء، أى علاقته الروحية والوجدانية بالخالق.
كذلك نرى أن الفنان السكندرى ملون بامتياز، لأنه يرى كل الألوان بشكل طبيعي، إضافة لذلك نجد أن اللون الأزرق موجود بكثافة فى أعمال كثير من الفنانين السكندريين لأن لون البحر يسكنهم.
أما السفر لأوروبا فقد منحنى فرصة عظيمة لرؤية الأعمال الفنية بواقعها، وألوانها وملمسها من خلال زيارات لمتاحف الفن العالمي، كنت قبل ذلك أتعامل مع تلك الأعمال الفنية من خلال صورها فى الكتب، وهو أمر يختلف تماما عن الواقع.. كانت كذلك تجربة ملهمة ومؤثرة.
فى الإسكندرية كذلك كنت أحد مؤسسى جماعة التجريبيين فى الستينات، التى تعتبر واحدة من أهم المحطات، نريد أن نتحدث عن هذه التجربة وأثرها فى الحركة التشكيلية؟
الجماعات الفنية كانت دائما مهمة فى تاريخ الفن، وجودها فى فترة ما يعنى حدوث نقلة إيجابية، بالنسبة لنا كانت الجماعة مساحة لعمل تجارب فنية تخرج عن الإطار الأكاديمي، وكان المناخ العام آنذاك بحاجة فعلا لهذا النوع من التجريب، إذ كان هناك نوع من النمطية الكلاسيكية فى تلك الفترة، وقتها حصلنا على مراسم فى أتيليه الإسكندرية، وكنا أول مصريين ندخل أتيليه الإسكندرية فقد كان الأتيليه مخصصا قبلها للفنانين الأجانب.
كان من المهم ونحن نفكر فى توجهنا أن نعرف مكاننا على الخريطة، كان البحر أمامنا ننظر إلى أوربا من الشمال حيث الثقافة، أما من الجنوب فصعيد مصر وأفريقيا، حيث انتمائنا الجغرافى لأفريقيا، وكان لابد من الجمع بين هذين العنصرين، التراث من ورائنا والثقافة والمستجدات فى الغرب، وكان هذا دائما نصب أعيننا، وفى وسط هذا المحيط نشأت جماعة التجريبيين، وكان أول معرض لنا عام 1965، وقد لقى إقبالا كبيرا، واحتفى به الإعلام حتى أن أمال فهمى قدمت حلقة كاملة عن المعرض، وكتب عنه كبار النقاد والمثقفين، ولكن مع الأسف الشديد فى أكتوبر 1973، توفى سعيد العدوى دون مقدمات، وكانت صدمة كبيرة لنا جميعا ، بعد ذلك سافر محمود عبد الله بعثة إلى إيطاليا، وأنا فى بعثة إلى إسبانيا، ونتيجة لتلك الظروف تفككت الجماعة.
إذا انتقلنا من المكان للزمان ففى الستينات كان هناك حدث جلل ذ على حد تعبيرك ذ بهبوط الإنسان على سطح القمر رافعا راية العلم فى إنجاز لم يسبق من قبل، وقد شكل هذا نقطة فارقة- كما ذكرت - فى انشغالك الفكرى والوجدانى لتبدأ مرحلة الفضائيات؟ تبدو متأثرا جدا بالعلم ومستجداته ليبدو محركا للخيال فى أعمالك على الرغم من اعتقاد الناس الشائع بانفصال العلم بحقائقه الجافة عن الفن بمساحة الخيال الرحبة التى يخاطبها..
العلم لم ينفصل أبدا عن الفن منذ البداية، فعندما رسم الإنسان البدائى على الجدران، تدخل العلم فى الخامة التى يرسم بها، كل تلك الخامات وأساليب التعامل مع المسطح الفنى وصولا للتحريك هى تكنولوجيا علمية، فالعلم ملاصق للفن، لكنه كان مستترا حتى القرن التاسع عشر، وبالنظر للأعمال الفنية الخالدة لكبار الفنانين نجد أنها قائمة بشكل كبير على العلم، فلو حللنا مثلا بورتريه الجيوكندا لـ الِيوناردو دا فينشىب نجده قائماً على النسبة الذهبية وهى نظرية رياضية تقيس التناسب بين عنصرين داخل التصميم.. وهكذا .. ولطالما كانت الفنون والحركات الفنية انعكاساً لمستجدات العلم ونظرياته، الاختلاف فقط أن الفن يستطيع الحلم، والعلم لا يستطيع الحلم، وإنما يحاول تحقيق ما يراه الحلم، وكل المنجزات العلمية بدأت بالحلم .
أما بالنسبة لرحلة أبولو وتأثرى بها، فقد كانت أول مرة يخرج الإنسان من جاذبية كوكب الأرض إلى جاذبية أخرى، وقد اعتبرته ميلاد جديد للإنسان وللبشرية، وهنا بدأ الإنسان يتحول أمامى إلى معادلة رياضية، وأرى أن أعمالى الفنية هى ترجمة بصرية لرؤيتى لإنسان القرن العشرين الذى تحول إلى تلك المعادلة الرياضية.
ولكن كيف استطعت الخروج من صرامة الأشكال الهندسية إلى رحابة الفن بتنويعاته وتجلياته ؟
حين أبدع المصرى القديم فنونه كان مشغولا بموضوع واحد وهو العقيدة، وترك هذا الإرث الهائل من الفنون وتنويعاتها، وما من مرة قدم شيئا مثل الآخر، عندما تكون المسألة متصلة بالروحانيات يستطيع الفنان أن يرى فى كل لحظة وفى كل وقت وفى كل مساحة تجسيد لعالم روحى ومقدس، وأنا طوال الوقت أعيش فى حالة فكرية وروحية متأصلة داخلي، وهى التى تقود العمل الفنى.
وبالحديث عن الأشكال الهندسية نرى أن الدائرة حينما تتجسم تصبح كرة، والمثلث يصبح هرما، والمربع مكعبا وهكذا .. والدائرة أو الكرة الواحدة شكلا ومساحة ولونا إنما تعطى فروضا جمالية لانهائية، باختلاف موقعها وعلاقتها بعناصر مختلفة فى أعمال فنية متنوعة.. وهكذا المثلث والهرم.
والحقيقة أن الأشكال فى هذه المعادلة غالبا ما تقف على سن مدبب وهو الهرم، لأنى أعتقد أن الهرم هو أبو العلم والحضارة التى علمت العالم، هذا الوقوف يقول إن إنسان القرن العشرين على قمة هذا الهرم يبحث عن التوازن، طارحا سؤال حول ما إذا كان سيقسط أو سيستمر فى ظل المعطيات الحياتية التى يمر بها.
حين تحدثنا عن علم ترميم اللوحات الذى درسته بإسبانيا وصفت علاقة المرمم باللوحة وكأنها تشبه علاقة الطبيب بمريضه، إذا تركنا العنان للخيال وأردنا أن نضع توصيفا شبيها لعلاقتك الفنية باللوحة..
أثناء العمل بأى لوحة تصبح هى العالم كله بالنسبة لى حتى تكتمل، وأى عالم آخر يكون ثانوي، حتى أثناء النوم، تؤرقنى الصورة ومشاكلها، وهناك مرات لا أستطيع النوم، ومرات أترك اللوحة وأذهب على أنى سأستكملها لاحقا وحين أعود إليها أجد أنها أعلنت اكتمالها ، فقط تحتاج لإمضاء، فهى التى تقرر متى سأتوقف.
على الرغم من هذا الباع الطويل فى عالم التصوير، جاءت تجربة النحت التى قدمتها من خلال معرضين فى 2013 و2015 مكثفة وناضجة، لماذا تأخر ظهور النحت كل تلك الفترة؟
لقد كان التشكيل المجسم ذو الثلاثة أبعاد ملحا منذ البداية منذ الستينات، كان بعضها صغير الحجم، وبعضها كبير الحجم.. وقد نفذتها بخامة الجبس وهى الخامة التى كانت متاحة فى ذلك الوقت، لكن الأحجام الكبيرة تحطمت فى حركتها من مكان إلى مكان بطبيعة الخامة التى صيغت فيها.. ولأن بعض أعمال النحت الصغيرة التى نجت من التدمير فى رحلتها مع الزمن كانت دائما أمام عينى فى مرسمى فكنت فى بعض الأحيان أعود لأتأملها.. ومع إنشاء مسبك مجهز بشكل كامل فى الإسكندرية أصبح متاحا أن أقوم بسبك تلك الأعمال بخامة البرونز، وقد ولدت الخامة طاقة كبيرة بداخلى لاستكمال التجربة وأرى أن سنوات الانتظار أضافت تكامل التجربة وخبرتها إلى الأعمال النحتية.
فى معرضك السابق كانت الخامة بطلاً أساسياً باستخدام الكولاج، حدثنا عن تلك التجربة وعما سيكشف عنه معرضك القادم؟
منذ أن كنت طالبا أحب الخامة، وقد بدأت إرهاصات هذه التجربة منذ بواكير الستينات من القرن الماضي، حيث اكتشاف الفروض الجمالية التى تطرحها مختلف عناصر بناء العمل التصويرى وعلاقتها ببعضها البعض، لا سيما الخامة فمنذ البداية كنت أبحث عن تحضير السطح بطرق مختلفة تضفى إليه ملامسا، ومن بينها مثلا استخدام البورى فى حرق السطح بما عليه من لدائن وألوان بحثا عن قيم جمالية مضافة للسطح، ثم ورق الجرائد والمجلات ثم خامة نسيج الخيش، وإضافة أسطح مكتملة تشكيليا إلى الصورة.. ثم الحديد والخشب والأسلاك والمسامير واستخدام أدوات حفر الخشب وكان كل هذا بمصاحبة اللون.. ولذا كان المعرض السابق احتفاء بالخامة وبتوظيف الكولاج، وكان ذلك بتوظيف الخامات سابقة التجهيز من الأقمشة المختلفة والمتنوعة ملمسا وتشكيلا ولونا.. والورق بتنويعاته وألوانه.
أما بالنسبة للتجربة الجديدة، فيلعب فيها اللونان الأبيض والأسود دورا واضحا فى التلوين، كما تميل الأعمال بشكل كبير للتلخيص والإيجاز.