دليل القارئ المستنير إلى طه حسين
دليل القارئ المستنير إلى طه حسين
الأحد، 04 يوليه 2021 - 02:49 م
اطه حسين، مثله مثل كبار المفكرين والمثقفين فى تاريخ الإنسانية، تتجدد قيمته ويبحث عنه ضمير وطنه، وأبناء هذا الوطن، خاصة فى لحظات التحول، والبحث عن الذات، بكل التباسات اللحظة، وراهنيتها المشحونة بالفوضى والارتباك..ب.
بالطبع لا نملك إلا أن نتفق مع تأكيد إيهاب الملاح هذا والوارد فى مقدمته لكتابه اطه حسين.. تجديد ذكرى عميد الأدب العربيبدون أن تفوتنا المفارقة الكامنة فى أن لحظات التحول، والالتباسات، والفوضى والارتباك لم تنقطع منذ بدأ العميد مشواره، الرجل الذى خاض معارك مع الملك يبدو وكأنه مازال يحيا بيننا.قضايا.. التعليم، الديمقراطية، سجالات الدين والثقافة التى تنتهى إلى صفر تفاهم، القضايا الاجتماعية، النظرة إلى المقدس، العلاقة مع الغرب،كلها باقية كأزمات لا تهدأ، لا أسس تم وضعها يسمح بإيجاد بناء عقلانى نلجأ إليه لإدارة نقاش، لتبقى حركة تاريخنا دائرية تلف على المشاكل والقضايا.
أحد فصول الكتاب يبدأ بإشارة من كتاب طه اهؤلاء والإخوانب: االبعض يستحل دماء المصريين باسم الإسلام.. رغم أنه لم يحرم شيئا مثلما حرم القتل وسفك الدماءب.
ماذا لو نزعنا عن المقولة زمنها واسم كاتبها، ما الذى يميزها عن غيرها مما يحمل معانى مشابهة فى عشرات المقالات والتحقيقات والحوارات الصحفية والكتب التى تنبه على خطورة الاستخدام السياسى للدين.
على الرغم من اتساع عالم طه حسين غير أن الملاح يتمكن من تلخيصه، باحتراف متخصص، لقارئ هذه الأيام، وذلك عبر الربط بين زمن العميد وزمننا، لأن القصة على الرغم من تشعباتها أصلها واحد.. هل تصدق أن يقول طه حسين الو أوتيت مدادا أحمر لصححت به القرآنب! هذه جملة كافية ليبدأ الفرقاء فى التخندق استعدادا لمعركة لن تكال فيها الاتهامات بل تراق فيه دماء فريق من أصحابها فى الجنة وفريق فى السعير، هذا ما يتم تصويره ولن يصدق المجاهدون (المتطرفون) أن الجملة مزورة ادعاها التيار الإسلامى ونسبها ليس فقط إلى طه بل وأيضا إلى نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم اولكل من يريدون تشويهه وتأليب العامة ضده!!ب.
المعركة بين طه حسين (الثقافة) وأدعياء الدين أساسية،يقول الملاح اأخطر وأهم ما جاء به طه حسين وطبقه، وواجه به الناس بشجاعة وجسارة هو أن الدليل النقلى وحده لا يكفي، وأن عنعنة القدماء عن القدماء أو المحدثين عن القدماء لاتكفي، بل ينبغى أن يمتحن كل شيء بالدليل العقلى وبالدليل الاستقرائي.ب.
البحث إذا يبدأ بالشك اانتقل طه حسين من الشك فى صورة العصر العباسى إلى الشك فى شعر الغزليين فى الشعر الأمويب. معارك ثقافية وإيديولوجية كبرى أعاد بها افتح باب الاجتهاد فى البحث الأدبى والفكرى والتاريخى من بعد أن أقفل لما يزيد على ألف عامب. وما الذى يمكننا تخيله عما يوجد خلف هذا الباب، وقبل ذلك ما الذى يمكن أن ينال جرأة كتلك؟ اوأثير أمر الكتاب فى البرلمان (فى الشعر الجاهلي) وطالب المحافظون بمحاكمته وطرده من الجامعة وإعلان كفره وزندقته.ب
فهل كان طه حسين زنديقا؟ هل أراد تصحيح القرآن؟ أم أن السياسة تداخلت مع الثقافة وأقحم الدين فيها كالعادة لينتهى الأمر بمنع النيابة العامة الكتاب من التداول فى الأسواق امن باب التهدئة العامة، وليس لأنها وجدت فى الكتاب ما يدين، بل على العكس من ذلك أشادت النيابة العامة بضرورة كفالة حرية البحث العلميب.
هذا ما يذهب إليه المؤلف ولنا أن نخالفه فنرى فيما فعلته النيابة العامة وقتها كارثة (منع الكتاب من التداول) امتدت آثارها بعون عوامل أخرى لتفسد الأزمنة اللاحقة، فقد أصبح اتهدئة العامةب بابا يبيح المنع والرقابة وبعبعا يجثم على صدور الباحثين والمثقفين، فالطبائع ليست واحدة وليس بالضرورة أن يتصف كل من حمل قلما بشجاعة العميد.
يفرد الملاح فصلين من الباب الأول لكتابه للتذكير بالعلاقة بين العميد وتلاميذه، االكاتب النجم الذى تتقاطر عليه دور النشر وأصحاب المطابع كى يظفروا منه ولو بقصاصة تطبع لديهم تكون ممهورة باسمهب حافظ دوما على دور مقدس يفرضه عليه الانتماء إلى الجامعة، بمفهومها الذى انقطع علمنا به منذ سنوات طويلة، دور لعبه طه حسين بموهبة واقتدار كما يصفه المؤلف، حرص من خلاله اعلى تكوين جيل بل أجيال من الأكاديميين الممتازين يحملون الأمانة، ويستكملون مسيرة النهضة والتنويرب. هنا بالتأكيد لا بد أن تتداعى إلى أذهاننا أسماء أكاديميين وما حاق بالجامعة المصرية على أيديهم من انهيار، وهذه المقارنة التى تستدعيها القراءة واحدة من مزايا الكتاب الذى بين أيدينا، فهو ليس كتابا تذكاريا، وإنما عمل يدفع بقارئه للنظر إلى واقعه نظرة نقدية ليتبين موقعه.. على أى طرف يقف ولأى فريق ينحاز لأن دوي الظلام الذى نسمعه اليوم هو آثار معارك الأمس ومن ينحازون إلى أفكار العميد وما يشابهها ومن يرفضونها هم أحفاد الفرق المتخاصمة ومن يجيدون تتبع حركة التاريخ يعرفون أين تنتهى السلسلة.
ينتهى الباب الأول من الكتاب، الذى يضم خمسة فصول، بفصل لتراث طه حسين فى دار المعارف وذلك بعد فصل عن علاقة العميد بتلاميذه، ثم يأتى الباب الثانى مخصصا لطه حسين فى مرايا الأجيال، ما يجبرك على التساؤل عما كان فى ذهن المؤلف عند تبويب عمله على هذا الشكل؟ على أن السؤال الشكلانى ولحسن الحظ ليس مؤثرا إلى حد انقطاع القراءة، إن اعتبرنا الباب الثانى (الذى يضم بورتريهات مكثفة لطه حسين تؤكد على القيمة والتفرد اللذين اتصف بهما)بمثابة استراحة قبل دخول الباب الثالث اسجالات حول العميد قديما وحديثاب.
الأعمى الذى قاد المبصرين. لا بد أن نتذكر تعبيرا كهذا بينما نقرأ للعميد أو عنه، وإيهاب الملاح يؤكد على المعنى هذا من خلال فصول وأبواب كتابه الذى يمكننا عده مقدمة عصرية إلى طه حسين تجمع بين مزايا العمل الصحفى من حيث الحرص على قدر من التشويق والمتعة وفى الوقت ذاته لا يهمل النظرة النقدية والتحليلية، على هذا فإن الفصل الخاص بمعركة افى الشعر الجاهليب، والمتتبع لخط سير الحدث وأبرز علاماته،لا ينفصل عن سرد المؤلف لمحاكمة طه حسين فى مجمع اللغة العربية عام 2017، تسعون عاما ليست كافية ليعود رجال اللغة والأزهر إلى قراءة طه حسين بلا تحزبات ينبغى نبذها على أبواب البحث، لازال اكل هذا الغمز واللمز فى حق طه حسينب يجرى على الألسنة، اتهامات بكفره وعمله على تشويه اللغة العربية، فى حين أن القراءة الصحيحة لأعمال طه حسين من شأنها أن تقود إلى إعمال العقل والتدبر والاستفادة من منجز الآخر فى تحليل التراث، لكن الأمر وما فيه.. القد كان حقد الجماعات الظلامية التكفيرية المتعصبة على طه حسين نابعا من أفكاره النبيلة، وفلسفته العقلية المنفتحة، ورؤيته الحضارية الرحبة والمشرقة للتراث العربى الإسلامى التى لا تنال إعجابها ولا تروق لها، ولأنه كان نصيرا مثابرا وداعيا إلى التمازج والتلاقح الثقافى بين الحضارات العالمية كلها، ومدافعا عن حرية التعبير والتفكير التجديدى والديمقراطي، واحترام كرامة الإنسان، ومعتقده الدينى والمذهبى وحريته الشخصية، الأمر الذى يتناقض مع الطرح الدينى المتعصب والمنغلق، فكان لزاما أن يلقى جزاءه الرهيب على أيدى هؤلاء طيلة حياته وحتى بعد مماتهب.