لويز جلوك
البُستانيَّة الوَفِيَّة.. لويز جلوك
الأحد، 04 يوليه 2021 - 03:17 م
مايكل روبنز ترجمة: بسمة ناجى
لويز جلوك شاعرة أمريكية هامة ومؤثرة. رمز تتعمق غرابته كلما قرأتَ أعمالها. فازت جلوك بكل جائزة كبرى، ووصفت دائمًا بكونها أميرة شعراء (كم غريب مجرد التفكير فى شاعرة كئيبة ومنعزلة لمثل هذا الدور العام الباسم). تمثل أعمالها ما يشبه نشوة الطرب بين معجبيها. تصف مورين ماكلين التوهج الذى أخذتها به أعمال جلوك لأول مرة بعبارات لا مثيل لها: اكان عمل لويز جلوك االسوسنة البَرِّيَّةب رفيقًا أكثر أُنسًا من أى صديق حى، همهمة وصرير وجنون فى عقلك لشهور يؤكد أن هياكل الحياة التى أقمتها تنهار الآن، تنهدِمُ أُسسها بيديكب.
لقد واجهت هذا الموقف المتجرد فى مواضع غير متوقعة، شعور مشترك ومتناقض بأن شعر جلوك القاسى الباهت يخبرك بصلابة أنك أسوأ عدو لنفسك.
الآن بعدما أصبح بإمكاننا قراءة شعر جلوك باعتباره تجربة مكتملة، صارت عظمتها وحدودها أكثر وضوحًا. يمكن تلخيص كلاهما فى سطور من مجموعتها الأكثر شهرة االسوسنة البَرِّيَّةب التى صدرت عام 1992.
أروع الأمور
ألا تملك عقلاً.
أمَّا المشاعر..
آه، لديَّ هذه؛
وتقودني.
تأتى هذه السطور، مثل العديد من نصوص االسوسنة البَرِّيَّةب على لسان زهرة؛ رغم أن من كتبها إنسان عاقل. نقطة الضعف الرئيسية لدى جلوك هى أنها كثيرًا ما تترك نفسها لمشاعرها فتحكمها حتى تُنسيها أن لديها عقلًا. إذا لم تكن على دراية بهذه النزعة - والأسطر أعلاه تثبت أنها كذلك ذ لكانت لا تطاق. فى المقابل، هى شاعرة رائدة ذات نسق محدد. كل قصيدة هى شغف لويز جلوك، تجسد حزنها ومعاناتها، إلا أن من يُنتج كل هذا يعرف حقًا كيف يكتبه.
هذا التوتر هو المحرك فى كل صفحة من قصائدها منذ عام 1962 تقريبًا. بعد ظهور عملها شمولودٌ بِكرص ذ الذى أعلنت جلوك أنها تشعر فيه بـ زرقة مرتبكةس فحسب ذ ظهر فى أسلوبها تماسك مثير للأعصاب. ربما يغرينى أن أسميه مَوات لولا أنه يندفع أحيانًا نحو قممٍ مُنذِرة ووديان توحى بحياة، وإن كانت واهنة. من البداية، كانت جلوك مغرمة بفكرة الموت المُريح. كتبت فى شمولودٌ بِكرص: اهذا سيكون موتىب، لكنه لم يحدث أبدًا. بعدها بأربعين عامًا كتبت امن الطبيعى أن تشقى على الأرضب.
لميلودراميتها تلك، وترنمها بالحميمية، وتمسكها بالذاتية، تُصنّف جلوك غالبًا ضمن شعراء الاعتراف. لكن أعظم شعراء هذه الجماعة (سيلفيا بلاث، وروبرت لويل، وجون بيريمان) كانوا متشبعين بالكلمة، وفى مواجهةِ الجمهور دومًا. بقدر ما يسعون للبراءة، لتحقق الاعتراف، يفعلون ذلك بطريقة مسرحية: فخورون، وعاجزون عن التوبة. لكن هذا ما لا تفعله جلوك؛ بعكس بلاث أو بيريمان، إنها تعتمد على أدب العزلة. تَخرج قصائدها بوهمِ أن من تأتى على لسانه لا يخاطب أحدًا سواها، وربما بعض الزهور.
بالطبع هذا أدب: قصائد كُتبَت ليقرأها الآخرون. لكنه أدب يعزز النبرة الحبيسة للقصائد، وحميميتها المتحررة الغريبة. ما يميز شعراء الاعتراف هو عنايتهم بالكلمات، فى هذا تشبههم جلوك، لكنها تختار المفردات التى تقوم بلعبة التجرد: زكل شيء عارٍ.س. حتى أعمالها المبكرة السابقة لدُرتيها السوسنة البرية وميدولاندز، تضم أبيات تجعلك تقف عاجزًا لفرط إعجابك بضبطها لكل كلمة فى موضعها تمامًا. زخَفَق القمر فى وَقْبه.س كما تقول فى قصيدتها 12.6.71.، القصيدة المتجردة حتى أنها لا تحمل عنوانًا غير هذا التاريخ. تقدم أدقَّ مثال للكمال، كإحدى غُرَف ثورن المنمنمة:ت
والجليد
الذى لم ينقطع
منذ بدأ
تنجح جلوك فى تحقيق وحدة البنية مع المضمون حتى يبدو كأنه من شعر الهايكو لولا نزقه البالغ؛ لم ينقطع الجليد بالطبع، حتى الطقس يمثل لها معضلة. زلا شيء سوى المطر، مطرٌ لا ينقطعس، من قصيدة فى ختام مجموعة زحياة قرويةس.
فى مجموعتها أرارات، التزمت جلوك أسلوبًا صارمًا لجلد الذات. تلوى أعناق الأسماء والأفعال الضعيفة لتنقلب فجأة بشكل مخادع، فتلهث ورائها الأنفاس. كتبت زمنذ اللحظة، لن يتغير شيء.س، وهذا صحيح. إلا أنها تصبح أجمل وأكثر غرابة. فى زالسوسنة البريةس، انسلخت جلوك من جلدها، تقدم الحذاقة الفنية الساخطة أخيرًا تعويضها لملذات الشعر التى ترفضها، (النعوت، والوصف، والوزن). كتاب صغير ساحر دام ذِكره لأكثر من عشرين عام بعد صدوره. حافظ صوت الشاعرة على استخدام صيغ الرثاء من العهد القديم، مع السماح لأحاسيس أخرى بتلطيفها. هناك أزهار متكلمة وإله ماكر، كلاهما يهوِّل من وعى جلوك لشعورها بالشفقة للذات. الشاعرة نفسها بستانية، ينهار زواجها، معطوبة كالطماطم التى ترعاها. تسمح لنفسها، بطريقة أو بأخرى، بأن تمزح لمرة واحدة: زلابد أن أعلن/ أخفقت فى مهمتي، وخصوصًا / فيما يتعلق بنباتات الطماطمس). مكروبة، تخاطب الرب بمرارة:
ماذا يمثل لك قلبى..!
ألابد أن تحطمه مرارًا،
كما يختبر البستانيت
سلالته الجديدة؟
جرِب شيئا آخر..
تتيح سخرية النباتات للشاعرة البستانية مخاطبة الإله بتهكم، واستخفاف. إنها مستاءة من اغياب كل حُنوٍب إلهى.
ربما أظَلُّ هكذا
أخاطب أشجار السَّندر
كما فى حياتى السابقة؛
أدعها تُخرِج أسوأ ما لديها،
أدعها تدفننى مع الرومانسيين،
أوراقها الصفراء المدببة
تتساقط، وتغطينى.
يرتقى هذا، على منصة جلوك الهزيلة، للسخرية اللطيفة. هى بالطبع تعلم أنها تستدعى تهمة الرومانسية بينما تتمدد نازفة على أشواك الحياة. هذه بالتأكيد معرفة تبرئها.
هكذا تسمح جلوك للرب أن يكون غاضبًا، كالقارئ، بسبب هَوَس خليقته؛ تقدم القصيدة القصيرة اأبريلب ملخصًا للحالة الدرامية بأكملها:
لا يشبه يأسى يأس أحد..
لا مكان لك فى هذه الحديقة
التفكير فى أمور كهذه،
يُوَلِد آثاراً متعِبة؛
يُقلَّم الرجل عُشب غابة بأكملها،ت
تتقدم المرأة بثِقَل، رافضةً تبديل ثيابها
أو غسل شعرها.
هل تحسبنى سأكترثت
لو تحدثتما معًا؟ت
أريدك فقط أن تعرف
أننى توقعت ما هو أفضل
من مخلوقين لَبيبَين؛
لو أنكما لا تهتمان ببعضكما حقًا
فعلى الأقل تتفهمانت
أن الحزن مبعثرٌ بينكما،
بين كل أشباهكما، أما أنا
فأعرفك، كالأزرق الغامقت
الذى يُميّز الخُزيمة البرِّيَّة،
والأبيض فى بنفسَج الغابات.
من الواضح أن هذا الإله النزق الغضوب، يُكِّنُ شيئًا لليهودية التى تتنصل منها جلوك عمومًا، لكنه يُلمِّح أيضًا بالتزام نحو صوفية ريلكه المتأرجحة بين اليهودية والمسيحية. فى النسخة الأصلية المُلغاة من مرثية دوينو العاشرة، يصف ريلكه عجز الملائكة عن فعل أى شيء سوى محاكاة االآثار المتعِبةب للحزن:
قد تستنزل اللعنات،
أو تهتف،
على أمل أن يظلوا مهتمين،
أحد الملائكة ذ تلك المخلوقات التى تضعف حين يمسها الحزن ذت
حين يسوَد وجهه، سيحاول مرارًا
أن يصف لها نحيبك، الذى طال أمده.ت
يا مَلاك، كيف بدا الأمر؟
سيقلدك ولن يفهم أبدًا أنه كان ألمًا،
كما ينوح طائر،
فتحاول محاكاة الصوت العذب
الذى يفيض من أعماقه.
*ترجمها للانجليزية. ستيفين ميتشيل
حين تُميز أثر ريلكه، ستراه فى كل موضع من كتابة جلوك: الهوس بالأسطورة الكلاسيكية؛ التوق للميتافيزيقي؛ تقديس الموت الضجِر من الحياة. فى مراجعته لـ صحياة قرويةش، وصف ويليام لوجان جلوك بأنها زمتحرى الأساطير السريس، لكن، بينما تميل لغة ريلكه للزخرفة فى الغالب شأنه شأن دى اتش لورانس، فإن لغة جلوك عادية كلغة جورج أوبِّن. يشغلها تجنب الشطحات البلاغية زكم هو تَرِف هذا العالم / مكتظ بأشياء لا تخصنيس فتمكنت جلوك من تنميق الكلمة دونما زركشة، تُقَلِص اللغة وتكثف المشاعر، وتعارض تَرَف العالم بالكلمات القليلة التى تخصها.
هذه مجازفة يقوم بها قِلة من الشعراء. تظهر ثمارها لدى جلوك فى صورة الكوميديا التى لا ترحم، السوداء فى مجموعتها ميدولاندز والتى ينهار فيها الزواج أخيرًا، فوظفت الشاعرة اليهودية شعر هوميروس مجازيًا؛ فحوى سفر التكوين حول الغربة فى الشتات، والأوديسة تتركز أحداثها على محاولة إيجاد طريقك إلى وطن لم تعد تعرفه. تصيغ جلوك أبياتًا هزلية من المشاحنات التى تهيمن على الحوار حال إنهاء العلاقة. تبدأ زطقسس فى خضم جدال مزعوم، بين جلوك وزوجها آنذاك جون، حول العشاء: زكففت عن حب الخرشوف حين توقفتُ عن تناول الزبدة. أما الشمر فلم أحبه قط.س. الإبدال التالى هو انتصار صغير للواقعية، حيث إن ردود أحد الشريكين (من المفترض أن تكون الزوجة) تأتى بطيئة بالنسبة لاتهامات الطرف الآخر:
شيء واحد كرهته فيك دومًا؛
رفضك استقبال ضيوف بالمنزل.
كان لفلوبير أصدقاء أكثر، وفلوبير
كان متوحدًّا.
فلوبير كان مهووسا؛ت
عاش مع أمه.
العيش معك كالإقامة فى مدرسة داخلية،
يوم الاثنين دجاج،
والثلاثاء سمك.
لديَّ صداقات عميقة.
لديَّ صداقات مع متوحدين آخرين.
>>>
ثمة شيء آخر؛
اذكر لى شخص غيرك
لا يملكُ أثاثا.
نأكل يوم الثلاثاء سمكا،ت
لأنه يكون طازجًا.
لو الأمر بيدي
ربما أكلناه فى أيام أُخَر.
لم أعرف نصًا آخر فى الشعر المعاصر، بخلاف مجموعة جيمس ماكمايكل زكلٌ منا منعزل فى مكانٍ قَصِيِّس، يصور التفاصيل الصغيرة لهذا العراك السخيف الناجم عن ضياع الحب. الكثير منه مختلقٌ بالتأكيد، لكنه، حسب قول سيلفيا بلاث، يبدو حقيقي.
هذا فى حد ذاته غير كافٍ لكتابة قصيدة جيدة، بالطبع، لكنى أرى القصائد فى ميدولاندز أجمل ما كتبت جلوك. وكأنها هضمت انتقادات زوجها؛ سماحها لصوته أو انطباعها هى عن صوته بأن يخرج فى قصائدها يتيح لها تعزيز المنظور النقدى الذى اكتسبته فى شالسوسنة البريةص: زأنتِ لا تحبين العالم. لو أحببتِه حقًا؛ لكان لديكِ صور فى قصائدك.س. لذلك، فى القصيدة التالية، سنرى صورة مُفككة، مرفقة بتشبيه مُفكك: زتشبه البراعم البيضاء مصابيح أمامية كاشفة تنبت من جسد أفعى.س.
هذه هى الطريقة التى تنفُذُ بها خفة جلوك: فى لفتات متقنة وبسيطة، نقاط وفواصل فى رحلة التعلم الدائمة مدى الحياة. عشبٌ فى ضوءِ القمر يصيرُ زعالمًا كاملاً منفياً على القمر. [...] شعلة بيضاء، [...] تثبُ من الجبال الصارخة.س. يمكنك تخيلها وهى تحول صفة قد يستخدمها أى شخص إلى ترميز لنظرية المعرفة؛ أو، عندما تبدأ فى تمنى لو أنها لم تقرأ كلمة من شعر هوميروس أو أوفيد قط، حينها قد تسمح بدخول بصيص ضوء من قرن مضت فيه:
كيف لجاينتس
أن تُسمى هذا المكان ميدولاند؟
لا يشبه المروج أكثر
مما يشبهها قلبَ تنور.
تبدأ قصيدة قديمة فى مجموعة ميدولاندز، اسيدةٌ تنتحب فى نافذة مظلمةب. حسنًا، بالطبع هى كذلك؛ سيدة وليست مجرد امرأة؛ لا تبكى فحسب، بل تنتحب. نافذة مظلمة، وليس برجر كنج. ولكن بعد بضعة أسطر، اعند جيرانى، تعزف ذا لايت موسيقى كليزمير. ليلة سعيدة؛ نغمة الكلارينيت مضبوطة.ب. ميدولاندز كتاب مؤلم لكنه هزلي. تبدأ زذكرى سنويةس بـ : اقلتُ يمكنك أن تستدفئي. لكن هذا لا يعنى أن تضمى قضيبى بقدميك الباردتين.ب، الأمر الذى يستخرج منها الرد الحاد:
عليك أن تنتبه لقدمَيّ.
يجب أن تتخيلهما فى المرة القادمة،
حين تلتقى بفاتنة فى الخامسة عشرة.
فكثيرة تلك الأماكن
التى مرت بها هاتين القدمين.
يقول جون للشاعرة: زيمكن للجميع الكتابة عن الألم بأعينٍ مغمضة.س، فتُعَرِض به جلوك، بعينين مفتوحتين:ت
أريد أمرين:
أن أطلب اللحوم من لوبيلز،
وأن أقيم حفلًا.
أنت تكره الحفلات.
تكره أى مجموعة تزيد على أربعة.
لو أنا من أكرهها
سأقصد الطابق العلوي.
كما أنى أدعو فقط من يمكنهم الطهي.
طهاة مهرة، وكل عشاقى القدامى.
وربما أيضًا عشيقاتك السابقات،
إلا.. مستعرضى العُري.
لو كنتُ مكانك،
سأبدأ بطلب اللحوم.
يجب أن أقول، إنى آسف لانفصالهما. يعجبنى هذا الرجل.
تتجلى براعة جلوك فى مثل هذه السطور كوجه آخر لميلها إلى الألفاظ الفخمة. تملك جلوك أذناً حساسة لما هو مألوف، تلتقط ما قد يصدم شاعرًا أقل أهمية فيعتبره لا يستحق الانتباه؛ اسم ملعب كرة القدم، أو نِكاتاً بين زوجين. غالبًا، نتغاضى عما هو ماثلٌ للعيان، ونركز على التفاصيل الأصغر فى الصورة زيتطلب الأمر عبقرية كى تنسى هذه الأشياء، [...] الحياة غريبةٌ جدًا، مشبَعةٌ بالأحلام، بغض النظر عن شكل نهايتها.س. هذا صحيح حتى إنه قد يدفع جلوك لنسيان أن الشعر يجب أن يكون مكتوبًا بجودة بطاقة معايدة هولمارك على الأقل:
يمكننى الجزم أن جمال الشمس،
عند غروبها فى الشتاء،ت
لا يضاهى،
ذكراها تدوم طويلًا.
حين تكتب هكذا، فهى حتى لا تتركك للإحباط، بل فى الحقيقة، تربكك فحسب. زماذا؟س صِحتُ فى وجه الصفحة.ت
لكن هناك ما هو بديعٌ فى هذا الإخلاص لما هو مألوف، وقد تكون قراءة ذلك الغثاء حول جمال غروب الشمس الشتوى ثمنًا زهيدًا تدفعه للتعرف على رؤية جلوك فى أنقى صورها. فى أعمالها الأخيرة، خاصة أفيرنو وحياة قروية، تبنت صيغة حوار تعارض بنجاح انجذابها إلى خلاصة الحكمة: زبدأ الجليد يتساقط، كسا سطح الأرض بالكامل. هذا مستحيلٌ بالطبعس. إنها تعرف الأشياء البسيطة التى يجب الانتباه إليها، كما تعرف كيف تنتبه إليها: زيصير عمود الإنارة محطة للحافلات.س فى الفجر؛ جارةٌ تنادى كلبها. زالكلب مهذب، يرفع رأسه حين تنادي،س، لكنه مشغول بالنبش فى الحديقة، زمحاولًا معرفة مصير الزهور الميتة.س. لو أننا محظوظون، سنتلقى قصيدة تترك هذه الأشياء على حالها، غير مُثقلة بالوعظ المميت:
يصحو طفلٌ فى غرفةٍ مظلمة،
صارخًا بلغة لا يفهمها أحد؛
أريد استعادة بطتى،
أريد بطتى.
لا توجد أى بطة.
لكن الكلب، المخملى الأبيض، المحشو،
قابع هناك بجواره فى السرير.
سنوات وسنوات، هكذا يمر الزمن.
كأنه حُلم.
لكن البطة؛
لا يعرف أحد ماذا حدث لها.
قراءة هذه المجموعة بأكملها أمر مُرهق، لكنها مُنَقِية (أسلوبها مُعْدٍ كما ترى)، كالمشاركة فى ماراثون أفلام روبرت بريسون. يحب النقاد استخدام استعارات كالمِبضَع لوصف أثر القصائد (يعرف الجميع أن والد جلوك شارك فى ابتكار سكين اكس - اكتو). جلوك تَبضَعُ، ثم تُسْلِم الروح؛ إنها تجرح وتطعن نفسها وقراءها، والكلمات التى تضطر لاستخدامها رغم ارتيابها فيها، والخيال الذى تزدريه رغم اعتمادها عليه. مِبضَعٌ يبتر ليشفى. فى قصيدة حديثة، تحلم جلوك بـ:
قيثارة،
تنغرس أوتارها عميقًا فى راحتى.
فى الحلم،
تجرحُ وتُقَطب الجرح فى آن.
سأل أستاذها ستانلى كونيتز ذات مرة اكيف يتصالح القلب مع مأدبة خسائره؟ب، لكن صديق كونيتز المقرب ثيودور روثكى الذى يُشبهه جلوك، على الأقل روحيًا، كتب:
أعرف نقاء اليأس الخالص،
حيث يَعلَق ظلى على جدار ناضح بالرطوبة.
هل ذلك المكان بين الصخور كهف،
أم ممشىً متعرج؟
ليس لديَّ سوى الحافة.
أعمال جلوك كلها حواف، بعضها مُصقَل، هذا صحيح. لكن أكثرها دهاءً، حيث تكمُن المعاني، تتسبب فى أشد الألم. إذا أردت التعرف على الشعر الأمريكى فى الخمسين سنة الأخيرة، فأنت بحاجة إلى قراءة هذه القصائد.