علاقة قوية تجمع آبى أحمد وآسياسى أفورقى
علاقة قوية تجمع آبى أحمد وآسياسى أفورقى


اختزال الحياة السياسية فى حزب واحد دمّر تعدد القوميات

«إثيوبيا بلا تيجراي».. شبح الانفصال يطارد آبي أحمد!

الأخبار

الأربعاء، 07 يوليه 2021 - 06:50 م

- «وقف إطلاق النار».. مناورة آبي «الكاذبة»

- جبهة تحرير الإقليم: «مستعدون للخيار العسكرى»!

- تراجع شعبية آبي وشرعيته «على المحك»

 - نزاعات أهلية جديدة تحلق في سماء إثيوبيا

- د. فليفل: آبي أحمد حول بلاده إلى «جثمان دولة»

- أستاذ التاريخ الأفريقي: إثيوبيا في طريق التفكك  

كتب/ محمد ناصر فرغل

مذابح لآلاف المدنيين واغتصاب النساء وإعدام المسنين وعزل المعارضين؛ فظائع من بين جرائم كبرى ارتكبها حائز جائزة «نوبل» للسلام رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد رسم بها خريطة جديدة لبلاده تنفصل عنها أهم أقاليمها؛ لتصبح «إثيوبيا بلا تيجراى»!


خريطة الحرب في تيجراي

حرب انتقامية يشنها أحمد ضد قومية سبقته لرأس السُلطة لمدة 27 عامًا قبل أن يتولاها فى أبريل2018؛ بدأ باستهداف رموزها وإزاحتهم من المناصب العليا واستخدامهم كـ«كبش فداء» فى كل المشكلات التى تواجه البلاد، الأمر الذى تبعه انفصال «جبهة تحرير شعب تيجراى» عن ائتلافه الحاكم برفضهم الاندماج فى الحزب الموحد الجديد «الازدهار» الذى أسسه فى ديسمبر 2019.

القوميات الثلاث الكبار

104 ملايين نسمة يشكلون 90 مجموعة عرقية تنتشر فى كل الأراضى الإثيوبية، تتحدث 100 لهجة تحت 4 لغات رئيسية (السامية والكوشية والأومية والنيلية) تمثل جميعها قوميات عديدة أبرزها الثلاث الكبار (أورومو/ أمهرة/ تيجراى).

المظالم لم تقتصر على قومية «تيجراى» فقط (والتى تمثل 6.1% من السكان بشمال إثيوبيا)؛ بل امتدت لـ«أورومو» التى ينتمى إليها رئيس الوزراء الحاكم (34% من السكان بوسط البلاد) لتشمل اعتقالات واغتيالات وتجميد التنظيمات السياسية الخاصة بها. كذلك الحال لقومية الـ«أمهرة»؛ التى دعّم إقليمها (27% من السكان) محاولة انقلابية بقيادة لواء سابق فى الجيش - تبدأ من ولاية «أمهرة» ضد آبى خلال يوليو 2019 - قُتل فيها رئيس الولاية (الحليف لرئيس الوزراء) ومستشاره ورئيس أركان الجيش؛ ليظهر بعدها أحمد على شاشة التلفزيون بالزى العسكرى يتوعد الجميع!

الحرب على «تيجراى»

بين عنف عرقى ضد القوميات الثلاث وسخط قادة الجيش الذى تمثل فيه قومية «تيجراى» ما يقرب من نصف قواته؛ اندلعت النزاعات الإثنية على يد حائز «نوبل» للسلام، وعظم شأنها مع إعلان أحمد الحرب على تيجراى فى نوفمبر 2020، بما نتج عنها نزوح 2 مليون مواطن إلى الداخل الإثيوبى ودول الجوار فى مخيمات وملاجئ تحت إدارة الأمم المتحدة، ومجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين من سكان الإقليم بين قتلى ومذبوحين برصاص وسكاكين جنود الجيش الاتحادى وميليشياته، إضافة إلى مأساة إنسانية يعيشها 4 ملايين من أبناء الـ«تيجراى» فى حاجة لمساعدات غذائية من أصل 5.5 مليون إجمالى عددهم!

اغتصاب ممهنج
«يُستخدم الاغتصاب على نحو ممنهج لإرهاب النساء والفتيات والتنكيل بهن».. تصريح صادم فاجأ به مسئول المساعدات بالأمم المتحدة المنتهية ولايته مارك لوكوك خلال اجتماع أممى شدد فيه على أنه «ينبغى ألا يُفاجأ أحد بأن يرى تكرارًا لمجاعة 1984 المدمرة إذا لم يتوقف العنف فى تيجراى ولم تنسحب القوات الإريترية، الجنود يسخدمون التجويع سلاحاً فى الحرب إلى جانب احتجاز النازحين وضربهم».

التصريح الصادم أكد صحة صور وفيديوهات مُسربة سبق تداولها على صفحات التواصل الاجتماعى، تسببت فى فرار عائلات الـ«تيجراى» من الإقليم للجبال فى محاولة لحماية عِرض نسائهم وبناتهم من الاغتصاب الممنهج على أيدى قوات آبى أحمد أو ميليشياته. شهادات مروعة نقلتها وكالات الأنباء العالمية مُفصلة وموثقة فى مارس الماضى؛ إيجازها فيما صرح به أحد أطباء أمراض النساء فى مستشفى «أديجرات» بإقليم «تيجراى»: «إن أعداد المرضى الوافدين تفوق قدرتنا على إنهاء كل حالات الحمل هذه»!

نساء تعرضن للاغتصاب لأيام متواصلة، وفتيات تلقين رصاصات بالأيدى والأرجل دفاعًا عن العِرض والشرف، ورجالهن عاجزين أمام الميليشيات المسلحة.. فظائع من بين كبرى الجرائم فى ظل حرب انتقامية يقودها «حائز نوبل للسلام» ضد إقليم فى نطاق حدود بلاده!

«مُزحة كاذبة»

بقرار خادع لم تخف حقيقته على مجلس الأمن الدولى؛ أعلن آبى أحمد مطلع الأسبوع الماضى وقف إطلاق النار من جانب جيشه الاتحادى حتى سبتمبر المقبل داخل مدينة «ميكيلى» عاصمة إقليم «تيجراى» لأسباب ادعاها حائز «نوبل» للسلام «إنسانية»؛ بعد دعوات دولية آخرها لأمريكا وبريطانيا وإيرلندا بإدانة العنف العرقى المستمر منذ تنصيبه رئيسًا للوزراء والمتزايدة وتيرته الأشهر الثمانية الأخيرة (نوفمبر 2020/ تاريخ بدء العملية العسكرية فى تيجراى).

من ناحية أولى؛ يعكس القرار فشل أحمد فى الاحتفاظ بإقليم «تيجراى» وإن كان يسعى لتصوير الأمر على أنه سعى للسلام فى المنطقة. ومن ناحية أخرى، يمثل القرار مناورة يتمكن بها من إعادة ترتيب أوراقه وتعزيز قوته العسكرية بهدف شن هجوم محتمل مجددًا ضد قوات جبهة تحرير الإقليم؛ خاصة بعد انسحاب القوات الإريترية من معظم المناطق فى «تيجراى»، وهى الشريك الأساسى له خلال الحرب على الإقليم!

وإدراكًا منها لحالة التخبط التى يمر بها رئيس الوزراء؛ أعلنت «جبهة التحرير» شروطًا قوية لقبول وقف إطلاق النار بشكل «مبدئى» بعد أن وصفت إعلانه بـ»المُزحة الكاذبة». تتمثل الشروط فى محاسبة آبى أحمد عن جرائم الأشهر الثمانية بحق الشعب الإثيوبى إلى جانب الإريترى أسياس أفورقى لمشاركة جيش بلاد الأخير فى تلك المجازر. وتشكيل هيئة من الأمم المتحدة للتحقيق فى تلك الجرائم التى نُفذت خلال الصراع. إضافة إلى اشتراط عودة حكومة الـ«تيجراى» وضمان عودة النازحين.

جولة جديدة من الحرب

الحرب بين جيش آبى أحمد مع الميليشيات الداعمة له من جانب وبين جبهة تحرير تيجراى على الجانب الآخر؛ أضفت نتائج أهمها تفوق الأخيرة العسكرى على الأرض واستنزاف قوات الأولى؛ خاصة وأن الحرب تدور على 8 جبهات منفصلة فى البلاد، لاسيما أنها اعتمدت بشكل رئيسى على قوات أجنبية وميليشيات من قومية «أمهرة». الأمر الذى يدفع آبى أحمد الفترة القليلة المقبلة بسرعة التدخل لملاحقة قادة «تحرير تيجراى» فى محاولة جديدة منه لتفتيت الجبهة؛ مما يعنى أن ثمة حربًا جديدة قد تندلع فى المنطقة خاصة مع استعداد الجبهة وفقًا لإعلان قائدها: «نبحث عن حل سياسى. لكن إذا لم يكن أمامنا خيارًا آخر؛ فسوف يكون الخيار التالى: محاولة حل الأمر عسكريًا»!

شبح حرب أخرى يسطع فى سماء إثيوبيا إذ عزمت الجبهة على مواجهة عسكرية مع إقليم «أمهرة» على خلفية تورط ميليشياته فى الحرب على «تيجراى»؛ الفرضية التى دعمها إعلان قادة الجبهة نيتهم التدخل العسكرى فى إقليم «أمهرة» وإريتريا «لملاحقة قوات العدو» حسب وصفها، لا سيما أن الجزء الغربى من إقليم «تيجراى» والمحاذى للسودان يخضع لسيطرة مسئولين من قومية «أمهرة» منذ شهور.

شبح الانفصال

مع النجاح الذى حققته «جبهة تيجراى» فى 12 يومًا فقط من بدء معركتها للسيطرة على مدينة «ميكيلى» عاصمة الإقليم، الأمر الذى فشلت فيه قوات آبى أحمد - على مدار 8 أشهر كاملة فى الإقليم - ما دفعها للفرار من المدينة وسط احتفالات سكانه بهزيمة الجيش الاتحادى وميليشياته؛ تراجعت شعبية رئيس الوزراء وصارت شرعيته على المحك - حتى برغم فوز حزبه (الازدهار) المتوقع بشكل مريح فى الانتخابات الأخيرة.

وفى الوقت الذى يفكر خلاله آبى أحمد فى سيناريو حرب جديدة يشنها على إقليم «تيجراى» منفردًا بعد أن يفقد حليفه الرئيسى فى المنطقة أسياس أفورقى بسبب الضغوط الدولية؛ فإن فكرة «حق تقرير المصير» للإقليم ستطرح بقوة تمهيدًا للانفصال عن الدولة الإثيوبية فى سبيل تحقيق حلم «دولة تيجراى الكبرى» الذى يراودها منذ سبعينيات القرن الماضى.

إثيوبيا.. «جثمان دولة»!
يقول د. السيد فليفل أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر وعميد كلية الدراسات الأفريقية السابق إن الحرب التى شنها آبى أحمد على إقليم «تيجراى» هى حرب عقابية بعد أن استخدم الإقليم حقه الدستورى فى تقرير المصير والاستقلال بحكم ذاتى فى سبتمبر وأكتوبر 2020، أتبعها إعلان بدء العملية العسكرية فى الإقليم والزج بكل قاداته فى السجون.

ويؤكد أستاذ التاريخ أن النتيجة التى لحقت بقواته والميليشيات الداعمة له نتيجة الحرب كانت بين أسر ما يزيد على 8 آلاف جندى، وقتل آلاف آخرين، إضافة إلى الانسحاب المخزى من الإقليم. ويشدد فليفل على أن الصراعات التى افتعلها آبى أحمد منذ توليه السلطة حولت بلاده إلى «جثمان دولة».

ويضيف فليفل أن جائزة «نوبل» للسلام التى حصل عليها آبى أحمد فقدت معناها؛ خاصة أنه أوصل بلاده إلى البدء فى طريق التفكك حتى إن احتفظت بشكلها الفيدرالى.

وقال عميد كلية الدراسات الأفريقية السابق إن أحمد فشل بجدارة فى التعامل مع تعدد القوميات داخل إثيوبيا؛ بل إنه يمارس العنف ضد الـ«تيجراى» بعد أن منعهم من ممارسة حقهم الدستورى فى تقرير المصير. ويؤكد فليفل أن كل تلك الصراعات التى تسبب فيها وخلفها آبى أحمد من سياساته وضعت فكرة الانفصال كأولى الأطروحات التى تتمسك بها كل القوميات الإثيوبية نتيجة تعرضها للتطهير العرقى والعنف المستمر؛ بما يشير إلى تفكك كامل للدولة الإثيوبية فى أسرع وقت.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة