إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة

سؤال الكتابة القاتل

إبراهيم عبدالمجيد

الخميس، 08 يوليه 2021 - 06:31 م

 

كثيرًا ما سمعت فى شبابى أن تراكم الإبداع ليس مهما. المهم أن يكون ما تكتبه جديدا يستحق الاحتفاء. كنت أنظر حولى فأرى نجيب محفوظ أو فتحى غانم أو يوسف إدريس مثلا لا يتوقفون عن الإبداع. وعندما أعلن يحيى حقى توقفه كان قد تقدم فى العمر، وأراد أن يعيش ما تبقى فى سلام. حقا هناك بعض الكتاب فى الغرب لم ينشروا غير رواية أو اثنتين لكنهم عدد قليل جدا، ولابد من دراسة ما شغلهم عن الإبداع. لا يعنى حديثى أن التراكم للإبداع أفضل ولا هو دعوة للتقليل. فالزيادة والتقليل ليستا ملكا للكاتب. ملك شخوصه وما تأتى به من موضوعات، وملك الحظ فى الحياة. فمن يتسع وقته سيكتب غالبا أكثر.
فى كل الأحوال هناك أزمة للكاتب الموهوب بعد أن ينتهى من روايته، إذ يرى العالم حوله حقيقيا وقبيحا مهما كان فيه من إنجاز، فالمدينة الفاضلة حلم كل كاتب ولن يصل إليه أحد، ودائما يكون الانشغال بعمل جديد وقاية للكاتب من هذا الشعور. لقد عاد يدخل إلى الجمال. ورغم ذلك فتراكم الإبداع يمكن أن يسبب أزمة للكاتب أيضا حين ينتبه ويسأل نفسه هل صار العالم أفضل حقا؟ رغم أنى كنت أسمع مقولة ليس مهما أن تكتب الكثير، فقد تكتب رواية واحدة تغنيك عن الكتابة، لم أقتنع أبدا بها، وظللت اعتقد ألا أحد يعرف فيما كان قليلو الإنتاج منشغلين. كما أن قلة الإنتاج وكثرته ليستا قرارا من الكاتب كما قلت. يوم يقرر ذلك فأعرف أنه إما قد نضب معينه، أو داهمته متاعب صحية، أو لم يعد يرى لما كتب هو أو غيره معنى. هذا هو الفخ الأكثر بشاعة، ولا يكون نتيجة لما يكتب الكاتب، لكن نتيجة لما حوله. يستقر فى روح المبدع وهو لا يدرى انه ما دام قد أبدع فالعالم بجمال ابداعه. لا ينتبه إلى أن القبح حوله هو مصدر جمال الكتابة. وحين ينتهى ينتبه كما قلت إلى ذلك القبح. لقد كتب كثيرا عن غربة الإنسان فى العالم، فصار له عالم جميل مواز للعالم القبيح ويشغله عنه، لكنه حين ينتبه يرى نفسه غريبا بالفعل. هو، لا شخوصه التى صارت بين السطور لن تشكو لأحد. اكتشاف هذه الغربة كثيرا ما يفتك بالكاتب، فيمضى بعضهم كثيرا من وقته بين الحانات، ربما يساعده الخمر على الخروج مما حوله أو حتى الغُرز. قليلون من استطاعوا السيطرة على أرواحهم بعد الكتابة أو بينها. كتاب كثيرون انتحروا مع أول صدام مع ما حولهم، ولم يتذكروا أنهم عاشوا أجمل العوالم مع ما كتبوه، وأنهم يمكن أن يستمروا فيه وينجوا من عبث ما حولهم. دوستويفسكى كتب كثيرا جدا هو الفقير المريض بينما تولستوى كتب كثيرا جدا أيضا هو الكونت والأمير الغني. اختلف الاثنان فيما يكتبان، لكن الكتابة كانت لكل منهما قرين الحياة. كافكا لم ينشر الكثير من أعماله فى حياته، وإحساسه بعقم هذا العالم وعبثيته الموجود فى رواياته التى لم ينشرها، جعله يوصى صديقه ماكس برود بحرق أو إتلاف كل ما كتب، منشورا وغير منشور، لكن صديقه نشر أعماله. كيف يحافظ الكاتب على اتزانه فى الحياة وهو الأكثر حساسية من غيره، هو مصدر التراكم فى الكتابة. أما إذا منحه الله العمر أيضا، فستتراكم الكتابة. لن تكون هدفا ولا يمكن أن تكون، لكن ماذا يملك أن يفعل غيرها. المهم أن ينتبه ويعطيه الله القدرة على تجاهل السؤال القاتل، هل صار العالم أفضل؟

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة