زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رٌكن الحواديت

حكاية رجل لا يحب البحر

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 09 يوليه 2021 - 09:02 م

أنا رجلٌ لا يحب البحر، وأيأس جدا من التفتيش عن شاطئه الآخر، وليس لديّ فضولٌ لمعرفة أسرار محاره، ويحزننى غرقاه، الذين حولتهم أحلام الهجرة إلى وجبةٍ طازجةٍ لأسماكٍ لا تعرف الرحمة.
لم يُغضبنى النيل أبدًا، بل كان ملاذًا آمنا لغسل خطايا لن تُكتب فى صحائفنا، وهبتها لنا منامات المراهقة، أما الأشجارُ التى على حوافه.. فكانت تقذفنا بفاكهةٍ طازجة، وتتعاطف معنا الأسماك.. حتى نقبضها باليد فى بِرَكِه المكتنزة بالخير.
كان النيل رءوفًا حين تعلمتُ العوم فيه، ولكن ذلك لم يُنجنى من الغرق فى قصص عشقٍ خائبةٍ.
كنت أجلسُ على شاطئه، ولا أجرؤ على قذف موجه الهادئ ولو بنواة البلح، حتى لا أزعج وجه محبوبةٍ ارتسمَ على الماء.
قبل كورونا.. وعلى حافة نيل القاهرة.. كنت أجلس بأفكارى، وأتلصص على رُعب الأسماك من صورة الإنسان، وحذرها من أساليب خداعه.
وأشهدُ انتفاضتها تمسكًا بالبقاء، وهى تتقلب على الشط وبفمها سنارة، تؤكد أنه لا فرار من قدر سطّر لحظة نهاية.. كما أن طقوس الفناء.. لا تمنع أبدا التعبير عن  حب الحياة.
هناك فى الجنوب للشمس سطوة على النيل حتى فى عزم الشتاء، فيشتعل من خيوطها موقد يطهو وجهه النهار، ويتصاعد بخار تشقه عزيمة مراكب صغيرة، على ظهورها وجوه سمراء، ترمى الشباك، ربما يصادفها الحظ فى اصطياد غد أفضل.
 ودائما على جوانب النهر العظيم، تلفتنى نعومة أوراق الورد، وهى تتظاهر بالحب وسط خشونة طباع الجنوبيين.
هناك.. وعلى حافة النيل بقريتى فى الأقصر ما زلت أُبلل كثيرًا من الذكريات برائحة الشط، الذى دوما أحن إليه.
وأذكر محبوبة فرقت بيننا الظروف قبل سنين بعيدة،  تلك البنت.. قالت لي: أرى فى سمارِك قرابةً وطيدةً بطمى النهر العظيم. ولذا.. ولأسبابٍ كثيرة.. مهما طال الزمان أو بَعُدَ المكان..سأظل متيمًا بهذا النهر، ولن أقايضه ولو بألف ألف بحر. 
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة