عندما يتشابه ما تكتبه مع الواقع يكون رديئا ولاحاجة للقارئ به فما حاجته أن يشتري كتابا ليري ما يراه حوله. لكن حين يتشابه أحد مع ماتكتبه فهذا يعني أن هذا الشخص خرج عن الواقع وصار اقرب إلي الخيال !

عندما تكتب رواية أو مسرحية أو قصة أو ترسم لوحة أو تقيم تمثالا هل تري شيئا غير الفن أمامك ؟ هل تخرج شخصيات الرواية لتمشي أمامك وتقول كلامها وترغمك علي استماعه أم تظل صورة متخيلة بين الأوراق حين تنتهي من قراءتها تري حولك بشرا آخرين يختلفون في كلامهم وحركاتهم ؟ طبعا سيرد قليلو الثقافة في معني الفن ويقولون ولكنك تأخذ من الواقع فكيف لا تكون واقعيا ؟ والرد هو أن الفنان يأخذ من الواقع أحيانا ومن خبراته وقراءاته دائما لكن لايمكن أن يتشابه أحد ممن يكتبهم مع أحد ممن حوله. يمكن العكس أن يتشابه أحد ممن حوله مع أحد ممن يكتبهم والفارق كبير. عندما يتشابه ما تكتبه مع الواقع يكون رديئا ولاحاجة للقارئ به فما حاجته أن يشتري كتابا ليري ما يراه حوله. لكن حين يتشابه أحد مع ماتكتبه فهذا يعني أن هذا الشخص خرج عن الواقع وصار اقرب إلي الخيال ! أعطيكم مثالا. عندما تقول إحدي شخصيات نجيب محفوظ عن البرلمان إنه «البار... لمان» فقد يأتي زمن يري فيه الناس البرلمان مثل «البار... لمان» ويترحمون علي نجيب محفوظ الذي رأي البارلمان مثل «البار... لمان» ويكون الخطأ علي البرلمان الذي صار «بار... لمان» ولا يحاسب محفوظ بالعيب في البرلمان !. وهكذا.. باختصار الفن خيال قد يشبهه الواقع يوما لكنه لايشبه الواقع من الأساس. لذلك نقول محاكمة الخيال فشخصيات الرواية ومنها طبعا شخصيات رواية الشاب أحمد ناجي شخصيات يضمها كتاب لاتخرج منه إلي الشارع تنشر أفكارها لكن تذهب إليها بنفسك وتقرأها وإذا أعجبتك تنبسط وإذا لم تعجبك لا تقرأها مرة ثانية ويكون لك الحق أن تقول إنها رديئة تماما كأي ناقد. كيف تنسي ان من حقك عدم العودة لقراءة ما لايعجبك وحث الناس أيضا علي عدم قراءته وهو حق أكبر كثيرا من حق الكاتب الذي ليس من حقه أبدا أن يفرض عليك أي كتاب لتقرأه. كذلك الذين يقولون في هجومهم علي الرواية هل ترضي لأمك أو أختك أن تقرأها وهل يمكن أن تقرأها لأمك أو أختك ؟. هؤلاء ينسون الحقيقة الوحيدة أن القراءة فعل حرية وإذا قرأتها أمك أو أختك فستقرأها سواء أردت لها ذلك أم لا وليس من حقك أن تفرض عليها حتي قراءة رواية جيدة لكن يمكن أن ترشح رواية جيدة وقد تراها أمك أو أختك رديئة فيما بعد ! والذين يقولون ان شخصيات الرواية تعبر عن الكاتب لا يعرفون أن الكاتب مسكين خاضع لشخصياته يرسمها كما ينبغي بمعني أن يصل صدقه الفني إلي غايته فتتحدث الشخصيات بلغاتها. القاضي قاضي والصايع صايع ولايمكن أن يتحدثا بلغة واحدة وإذا فعل الكاتب ذلك فهو فاشل. والرواية محفل شخصيات فكيف نحاسب الكاتب علي حديث شخصيات جانحة أو مريضة أو حتي سافلة ولا نكافئه علي حديث شخصيات أخري طيبة في نفس العمل ؟ ما أدهشني أكثر هو حديث تردد أن النيابة اعتبرت حديث البطل بضمير المتكلم اعترافات الكاتب نفسه فكيف لايعرفون أن هذه طريقة من أساليب السرد هي الأصعب لأنها لا تعطي الكاتب الفرصة للدخول في نفسية الشخصيات الأخري ومن ثم يبذل مجهودا مضاعفا لكي يرسم الشخصيات الأخري. الكاتب الذي يروي ليس هو الراوي لكن الراوي هنا هو الذي يكتب والكاتب مسكين جدا يخضع له للراوي وعلماء النفس يعرفون ذلك. ذات مرة كان الكاتب الشهير بلزاك يكتب مشهد قتل في رواية له وسمع طرقات علي الباب ففتحه وصرخ في القادم : والله لم أقتل أحدا ! أيها الناس ارحمونا. محاكمة أحمد ناجي محاكمة للخيال والواقع مليان بمن يستحقون المحاكمة ولا أحد هنا رغم أنه ليس خيالا.