تمثال ابراهيم باشا
تمثال ابراهيم باشا


سر اعتراض الأستانة على قاعدة تمثال «نابليون الشرق»

إيهاب الحضري

الأحد، 11 يوليه 2021 - 07:32 م

قد يصيب الغرور الإنسان بعد أن يشعر بتميزه، لكن حسبما أشار الجبرتي حدث ذلك مع إبراهيم باشا مُبكرا، صحيح أنه كان قد حقّق بعض الانتصارات، غير أنها لا تُقارن بما سيصل له فى السنوات التالية. عموما تجاوز الرجل مأساة وفاة ابنه الطفل بسرعة، وعقب مرور أعوام واصل إنجازاته، وساهم بقوة فى تحقيق أحلام والده محمد علي، الذي استقر فى حُكم مصر وانطلقت طموحاته التوسعية. لم تكن هذه الطموحات ستتحقق غالبا، لولا صلابة ابنه إبراهيم، الذي خاض المعارك المتتالية، وحقق انتصارات عديدة على جيوش العثمانيين، مما دعا الدول الكبرى وقتها للتدخل، بهدف وقف مؤسس الأسرة العلوية عند حده.

وفى مايو 1840 استضافت إحدى قرى لبنان اجتماعا سريا، ضم ممثلي عدد من الدول، تمكّنوا من تصنيع الثورة فى الشام ضد محمد علي، وبعدها بشهور تم الضغط عليه لقبول اتفاق لندن، والتخلي على الأراضي التي سيطر عليها.

مقدمة مُختصرة تُشبه أحد دروس التاريخ، لكنها تُوضح قوة إبراهيم باشا التي هدّدت السلطنة العثمانية وأفقدتها توازنها، وجعلتْ أربع إمبراطوريات كبرى على رأسها بريطانيا، تتدخل للوقوف فى وجه محمد علي، ويعود الابن إلى مصر وقد أدى دوره بنجاح عسكري، أجهضته السياسة وتردد والده! وتمضي الأيام ويتولى حكم مصر، لأن والده أصبح عاجزا لأسباب صحية، لكن القدر لم يمنحه سوى شهور فقط فى المنصب، ومات بالسل فى نوفمبر 1848، ووالده لايزال على قيد الحياة.

رغم انشغاله فى الحروب إلا أن زيجات إبراهيم باشا تعددت، وترك أبناء من أمهات مختلفات، أشهرهم إسماعيل الذي تولى الحكم عقب وفاة عمه سعيد، وقرّر إسماعيل تخليد ذكرى والده بالتمثال الشهير، القائم حتى الآن بميدان الأوبرا، وعلى مدار عقود أطلق عليه المصريون البسطاء اسم «أبو اصبع»، استنادا إلى حركة يده وإصبعه الشهيرة!

فى سبعينيات القرن التاسع عشر، طلب الخديو من الفنان الفرنسي كوردييه نحت تمثال لأبيه، لكن الفنان الفرنسي لم يكتف بالتمثال، بل رأى أن يُزيّن قاعدته بلوحتين غير عاديتين، تُوثّق كل منهما لانتصار كبير أحرج فىه إبراهيم باشا الدولة العثمانية، مما جعل الأستانة تعترض بشدة، واستجاب إسماعيل وقرّر عدم تثبيت اللوحتين، فاصطحبهما كوردييه لبلاده واحتفظ بهما فى بيته واختفىا بعد ذلك، حيث أكد حفىده بعد مائة عام أنه بحث عنهما فى منزل جده ولم يجدهما. كان ذلك عام 1948 عندما قررت الحكومة المصرية إحياء ذكرى رحيل إبراهيم باشا، لهذا كلّفت فنانين مصريين وقتها بإعداد مستنسخين منهما.

هل اختار الفنان الفرنسي المعركتين لأنهما من أهم معارك إبراهيم باشا؟ أم فعل ذلك نكاية فى الدولة العثمانية؟ الثابت أن انتصارات الباشا تعددت فى السودان والجزيرة العربية والشام، خلال معاركه التي كان من نصيب العثمانيين هزائم عديدة بها، وهو ما قد يوحي بأن كوردييه كان حسن النية، يهدف لتمجيد إبراهيم وليس تذكير الدولة العثمانية بهزائمها. احتمال مطروح لكن كوْن الفنان فرنسيا يجعله يتراجع، لأن بلاده كانت تبدو على عكس الدول الكُبرى مؤيدة لطموحات محمد علي، أو على الأقل لم تتدخل لوقفه، لدرجة أن ملكها وجه الدعوة لإبراهيم باشا كي يزور باريس، عندما علم بوجوده فى إيطاليا للعلاج، ومع وصول القائد المصري القوي فوجئ باستقبال حاشد فى باريس، وشبّهه الفرنسيون بالإسكندر وقيصر ونابليون، وتم تكريمه عند قوس النصر، ومنذ ذلك الحين أطلق عليه المؤرخون لقب نابليون الشرق.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة