يمنع المصري المرتبط بوطنه الذي يعتبر نفسه جزءاً من حاضر وماضي ومستقبل أمته من القيام بالتطبيع مهما كانت المبررات
اتصل بي زميلي النائب الشاب ضياء الدين داوود، ابن شقيق صديقنا القديم ضياء داوود، أحد رجالات عبد الناصر المتميزين. دخل في الموضوع مباشرة وقال لي إن النائب توفيق عكاشة استضاف سفير العدو الصهيوني في منزله. بل ودعاه لزيارة البرلمان.
لُمت نفسي وكثيراً ما ألومها. لأن متابعتي لما يجري في بلدي وقراءتي للصحف واستماعي للراديو وجلوسي أمام التليفزيون قل كثيراً. من قبل كان ينطبق عليَّ المثل القائل: كنت في الدار والآن أصبح يصف حالي مثل جديد: وأصبحت في النار.
وتوالت ردود الأفعال. كنا مجموعة داخل البرلمان لنا مواقفنا السابقة والحالية واللاحقة ضد أي تطبيع مع العدو الصهيوني. والقدامي من أمثال النائبين خالد يوسف ومصطفي بكري وكاتب هذه السطور قاومنا هذه العلاقة بكل أشكال المقاومة. سواء عبر لجنة الثقافة القومية لمقاومة التطبيع التي عملت بإطار حزب التجمع. أو بالكتابة أو بالحركة الدائمة أو بمواقف كل يوم.
رفض ما قام به النائب لا يكفي. فالمسألة أخطر من مجرد استقبال نائب سفير العدو الصهيوني في بيته بقريته. كان سفير الصهاينة مدركاً لما يتم عندما قال إن هذه الزيارة تتميز بكونها تتم لعضو في البرلمان. استغرب البرلمانيون الذين انتشروا بين الفضائيات ليقولوا إن العضو حر في سلوكه الشخصي خارج البرلمان، يفعل ما يشاء.
هذا كلام مغلوط ومردود عليه. فالنائب بمجرد حلف اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان يصبح ممثلاً للشعب المصري. وبالتالي فإن سلوكه وتصرفاته تحسب عليه ولا تنسب للبرلمان مهما كان ما يقوم به. ثم إن العدو الصهيوني اعتبر أن ما قام به النائب ربما كان رسالة من الدولة المصرية للكيان الصهيوني بالرغبة في استئناف التطبيع معهم.
لا يقل لي أحد أن بين الدولة المصرية والكيان الصهيوني اتفاقية سلام. لديَّ آلاف الأسباب التي تجعلني أرفض هذا الكلام. ولعل آخرها ما جري عندما وقف الإرهابي رئيس الكيان الإرهابي مغتصب فلسطين نيتانياهو ليعلن منذ أيام أنهم سيقدمون لأثيوبيا دعماً مالياً حتي تنتهي من إقامة سد النهضة.
وقبل هذا وبعده كثير. فلم يثبت أن الصهاينة لديهم أي استعداد لهذا السلام المستحيل بالنسبة لهم ولأيدلوجيتهم. موقفهم من مصر لم يتغير. ما زال علمهم يبدأ باللون الأزرق أي بالماء، وينتهي باللون الأزرق، أي بالماء. أيدلوجية من النيل إلي الفرات كمساحة لدولتهم. ولا يربط بينهم وبين مصر سوي الجواسيس الذين يلقي الأمن المصري القبض عليهم بشكل مستمر.
عن أشقائنا ورفاق دربنا الإخوة الفلسطينيين ما زالت قضيتهم تراوح مكانها. ولا قيمة لسلام مع مصر - حتي لو كان متحققاً - في ظل استمرار ممارسات العدو الصهيوني الذي يرفض الحق الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف. لا يمر يوم إلا ودماء الفلسطينيين تسيل. ولا تمضي لحظة إلا ومحاولات تهويد القدس مستمرة.
يمنع المصري المرتبط بوطنه الذي يعتبر نفسه جزءاً من حاضر وماضي ومستقبل أمته من القيام بالتطبيع مهما كانت المبررات، شهداء مصر الذين قدموا حياتهم في الصراع العربي الإسرائيلي عبر نصف قرن من الزمان وأعدادهم ضخمة وحكايات كل واحد منهم توجع القلب وتدمي الفؤاد.
ما جري جريمة في حق الوطن. ولا يمكن قبول ما قاله نائب أنه استضاف السفير الصهيوني ليس باعتباره نائباً. ولكن لكونه مؤلفاً لكتاب اهتم به الصهاينة وحصلوا علي نسخ منه من أجل دراسته وقراءته. فسيادته لم نعرف له تأليفاً من قبل. والموضوع أنه يدعي أنه ألف فيه لا علاقة له به. ثم إنه لم نسمع من قبل عن هذا الصالون الثقافي الموجود في بيته وفي قريته.
أرفض رفضاً قاطعاً وصف التصرف بأنه فردي. لكني في نفس الوقت لا أقبل أن يقول أحد أنه يمثل البرلمان في شيء. فهو لا يمثل إلا نفسه. لكن أصل المشكلة أنه الآن في موقع يجعله يدعي أنه يمثل الشعب المصري. ولذلك لا بد من وقفة تجاه هذا السلوك الانتحاري الذي لا يصدر إلا عن رغبة في الظهور. وجرياً وراء مانشيتات الصحف. وبحثاً عن اهتمام لا يعكس سوي حالة من الخواء والفراغ الداخلي.
كنت قد اتفقت مع ضياء الدين داوود علي صياغة بيان نوقع عليه. نحن الذين نحاول أن نؤسس ائتلافاً في البرلمان يحمل عنوان 25/30 وأن نوقع عليه ومن الأسماء التي تداولناها في الاتصال التليفوني النواب: خالد يوسف، أحمد سلام الشرقاوي، هيثم الحريري، أحمد طنطاوي، محمد عبد الغني، ومحمود بدر. وآخرون كثرٌ. وإن كنت لا أحب أن أكتب أي اسم إلا بعد التواصل مع صاحبه.
والبيان جاهز لمن يريد التوقيع عليه.