بعيدة برقة على المرسال: دليل كاشف لشِعر الحُب عند نساء البدو
بعيدة برقة على المرسال: دليل كاشف لشِعر الحُب عند نساء البدو
الإثنين، 12 يوليه 2021 - 11:36 ص
تحكى ميرال الطحاوى أن مترجمًا ركب المواصلات، وتنقل من قرية إلى أخرى باحثًا عن البلدة التى تُسمى نجع العربان حتى يشاهد الصحراء المكتوب عنها فى روايتها التى يترجمها إلى الإنجليزية.
دافع الحكاية فضول المُترجم الذى أراد التعرّف على عالم رواية الطحاوى الأولى االخباء، لكنه حين وصل إلى موقف سيارات البلدة التى أراد اكتشافها، وقف حائرًا، فلم يجد أمامه ما قرأ عنه، بل رأى الطريق المؤدى إلى موقف السيارات ومن حوله الصحراء.
سأل المترجم بعض العابرين عن ميرال، لكنهم لم يجيبوا عن سؤاله (سيتضح فيما بعد أن العزوف عن الرد كان سببه الخجل، فعادة يسأل الأغراب عن بيوت البدو بأسماء رجالها). ثم بعد حيرة، أشار أحدهم إلى تلال رملية، فسار المترجم إلى هناك ووجد بيوتًا، وظل تائهًا بين أسوار تلك البيوت. لم يخرج أحد ليسأله، فظلّ ينادى على الكاتبة.
تحكى الطحاوى أنها سمعت تردد صدى صوت مترجمها، لكن لم تستجب، بل أقدمت على العكس، فأغلقت باب حجرتها عليها اخوفًا من الفضيحةب.. هكذا يعبّر تصرف ميرال عن علاقتها المعقدة بالعالم الذى تنتمى إليه وتكتب عنه، ويمكن فهم هذه التعقيدات ونحن نقرأ هذا الموقف الوارد فى كتابها الأحدث ابعيدة برقة على المرسالب، الصادر عن دار المحروسة.
لا نزال مع الحكاية، فهى تورد كيف تعاملت أمها مع نداء المترجم: حين سمعت والدة ميرال الطحاوى تردد اسم ابنتها على لسان هذا الغريب أطلت لصاحب النداء وسألته عن هويته، فقال إنه المترجم. دعت الأم الغريب إلى المضيفة، وهى غرفة ملاصقة للسور الخارجى للبيت، ثم أرسلت إليه الذكر الوحيد الموجود فى البيت، وقتها، شقيق ميرال الذى لم يبلغ عشر سنوات. وبعد المقابلة السريعة مع المترجم أخبر أمه وشقيقته أن الغريب لديه أسئلة حول الرواية، وهو ما استنكرته الأم لأن هذا الغريب وقف أمام بيوت القبيلة مرددًا اسم اميرالب دون أن يقرنه باسم والدها، كما تقتضى التقاليد والأصول، وهو الأمر الذى يصعب تفسيره لكل سيدات القبيلة اللاتى شهدن الموقف، لذا قالت لنجلتها اوالمترجم لازم يسألك أنتِ؟ ما يترجم زى ما هو عايز بعيد عنّاب.
وجدت الأم حلًا، أخبرت النساء اللاتى شهدن نداء الغريب كذبًا أن سبب قدومه هو دراسة تاريخ القبيلة.. هكذا تحمس العديد من أبناء القبيلة لشرح وتفسير ما غاب عن فهم المترجم، كأنهم صاروا أدلاء للغريب لفهم عالم االخباء دون دراية منهم بطبيعة هذه المهمة.
الحكاية السابقة هى أنسب مقدمة للكلام عن ابعيدة برقة على المرسالب، فهو لم يُكتب كدراسة أكاديمية، بل هو عمل غير مصنف، لا هو رواية أو دراسة، بل هو كتاب دليل، مثل الأدلاء الذين تطوعوا لمساعدة المترجم، لكن خلافًا لهم، فإن الكاتبة تعلم مهمتها جيدًا، فهى تصنع ضفيرة تدلنا على شِعر الحب عند نساء البدو، ومصادره وبيئته، وتصورات الكاتبة عنه، فهى تفترض أنه من إبداع النساء المعزولات عن الحياة العامة فى دورهن، فكأن الشعر يمثّل خروجهن أو مشاركتهن فى المجال العام. وصوتهن الذى يردده الجميع.
كما تحمل هذه التوليفة درة، تتمثل فى مختارات من شِعر البدويات العاطفي، وهذه المختارات لا تغفل شرح المفردات التى قد تستغلق على أى غريب عن هذا المجتمع وتراثه.
لكل ما سبق، يمكن اعتبار ابعيدة برقة على المرسال دليل كاشف لهذا العالم الشفاهي، قدمته كاتبة تعيّ تمامًا موقعها داخل هذه البنية، وأهمية تقديم شِعرها دون إخلال بالخلفية الثقافية والاجتماعية والتاريخية، حتى لا يكون الفهم ناقصًا.