تأملات فى المجتمع المصرى بعدسة الدناءة
تاريخ العصامية والجربعة
تأملات فى المجتمع المصرى بعدسة الدناءة
الإثنين، 12 يوليه 2021 - 11:57 ص
فى عام 2020 بدأ محمد نعيم فى كتابة سلسلة منشورات طويلة على موقع فيسبوك بعنوان تاريخ العصامية والجربعة، ولاقت هذه السلسلة، والتى حلّلت أنماطًا سلوكية فى المجتمع المصري، قبولًا كبيرًا، دفع الكاتب لاحقًا للعمل عليها وإعدادها للنشر فى كتاب سيصدر لاحقًا بنفس العنوان عن دار "المحروسة" للنشر: اتاريخ العصامية والجربعة: تأملات نقدية فى الاجتماع السياسى الحديث".
بعد مقدمة قصيرة يكتبها الكاتب بالعامية، مبررًا ذلك باستخدام حجة "لم لا؟"، ينتقل سريعًا إلى القرن التاسع عشر فى مصر، حيث كان الطين يغطى أجساد أجدادنا الفلاحين اإلا فى الأماكن التى ما تزال تحمل آثارًا واضحة لضربات كرباج المأمور أو عصا الخولىب، كما يقتبس الكاتب من عبد الله النديم. وكان بإمكان هذا ذ فى ظروف أخرى ذ أن يصبح مصدرًا للتباهى لدى الطبقة الوسطى، كونها صنعت نفسها بنفسها، وكونها استطاعت التخلص بنفسها من الفقر، فيما يُطلق عليه اسم االعصاميةب.
ولكن لأن الظروف مختلفة، فقد سادت الجربعة، ويقدم لها نعيم تعريفًا نستشفه على مدار صفحات الكتاب وهو اتباهى المرء بما لم يفعلهب، فعبر فصول طويلة يستعرض تباهى الناس بصفات غير أصيلة لديهم، بياض البشرة مثلًا، إتقان اللكنة الأمريكية مثلًا، ثراء الأجداد مثلًا، أو الحرص على اقتناء نيش فى البيت لا نقدّر محتوياته ولا نعرفها.
الـاجربوعب فى العربية هو نوع من القوارض يشبه الفأر، غير أن الكلمة تُستخدم فى مصر للإشارة إلى الحقارة أو الدناءة، ومن كتاب نعيم نفهم أولًا أن المقصود هو التباهى بما لم تفعله، ولكن ثمة وصفًا آخر يتردد فى ثنايا الكتاب يشير إلى "انتصار الهزيمة"، بمعنى التواؤم مع الانحطاط والسخرية من أى هدف نبيل مثلًا بدعوى الواقعية السياسية.
ومن هذا التعريف، وبعد أن غاص الكاتب فى القرن التاسع عشر، يتمكّن من الانتقال لما بعد 1952، أو الحقبة الناصرية، والتى صحيح أنه ساد فيها نوع مشرّف من التباهى بـ"العصامية"، غير أننا سرعان ما انتقلنا بعدها إلى حقب تالية، حيث الانبطاح يبرّر بمواءمات الواقع، والناس حريصة على استيراد مظاهر حياة لا تناسبها فقط بغرض التباهى الطبقي؛ فى مشهد شديد الطرافة يحكى الكاتب عن طوابير انتظار زجاجات السفن أب أول وصولها لمصر فى صيف 1974، وشربها شديدة السخونة، نظرًا لعدم توفُّر الثلاجات التى تُحفظ فيها.
من السبعينيات وحتى ثورة 2011، وبحسب الكاتب، عملت ثلاثة محركات أساسية داخل المجتمع المصري؛ الانفتاح الاقتصادى وهجرة العمالة المصرية للخليج وغزو أنماط الحياة المتأمركة، وكانت قوة الإسلام السياسى هى التى تضبط أضلاع هذا المثلث، أوالحبل السرى الذى يربط هذه الظواهر ببعض، حتى وصلنا لمشهد أصبح فيه االفقراء لهم الداعية المحرّض الشرس المتوعّد، والأغنياء لهم الداعية اللطيف البشوش المقبل على الحياة وزينتهاب، وإذا كان من سبب أساسى لمحاكمة الإسلاميين فى نظر الكاتب فهو اإهدار ثلاثة عقود فى الجدل السياسى العقيم منخفض السقف، جدل لم يرتق أبدًا للاشتباك مع مشكلات مصر المادية التى ظلت تتراكم وتتفاقم باضطراد.