مكتبات المبدعين الراحلين تهِبهم حياة أخرى
مكتبات المبدعين الراحلين تهِبهم حياة أخرى
الإثنين، 12 يوليه 2021 - 12:47 م
يرحل المبدعون ويبقى إبداعهم، فيكتب لهم البقاء. وفى سبيل إبداعهم يبذلون قدرًا كبيرًا من أوقاتهم بين الكتب، يرافقونها وينهلون منها ويختزنون ما بها من معرفة إلى أن يحين وقتها، لكن ذ ربما ذ لم يفكر أحد منهم أن تلك الرِفقة قد تهِبهم حياة أخرى بعد الرحيل، وتحكى سيرة مغايرة لهم إذا قُرِئت بتمعن وبفكر مختلف، وهو ما فعله الكاتب الصحفى طارق الطاهر فى كتابه اخزائن الأسرار.. جولة فى مكتبات المبدعينب الصادر مؤخرًا عن دار منشورات الربيع.
يتضمن الكتاب جولة فى مكتبات ثمانية من المبدعين الراحلين، كل منهم فى فصل يحمل اسمه وصفة استخلصها الطاهر من مكتبته، وهى: اشادى عبد السلام.. جذور الموهبةب، اسمير فريد.. شاعر السينما، امحمد كامل القليوبى.. الخطابات سيدة الموقف، افاروق عبد القادر.. التأريخ للموت، انور الشريف.. الفنان الناقد، اصبرى موسى.. صاحب تجربة استثنائية، اثروت عكاشة.. الكنز، واإحسان عبد القدوس.. متحف فى منزل.
تعامل الطاهر مع المكتبات باعتبارها مجموعة حيوات تعيد استنساخ أرواح أصحابها، فتستمد وجودها من علاقة حميمة جمعت بين لمساتهم وأوراقها ذات يوم بعيد، لا مجرد كائنات صماء قابعة على أرفف خشبية، أو أوراق تتبدل ألوانها بفعل تأثيرات الزمن دون أن تشعر لأنها جامدة، إذ وجد بصمة يدهم عبر ملاحظات مدوّنة على صفحات الكتب، وكتابات سطرتها أقلامهم فى أوراق متناثرة، وخطابات متبادلة، كشفت عن جوانب أخرى فى شخصياتهم لا يعلم عنها الكثيرون شيئًا.ت
فى مكتبة المخرج شادى نجد انعكاسًا لرؤاه وفلسفته السينمائية التى تهدف لسينما تفيد الناس وتعلمهم.. لكن بفن، وقد بدأ فى تكوينها عندما أصيب بمرض أقعده الفراش لمدة عامين، فلم يجد سوى الكتاب، الذى اصطحبه بعد ذلك، فى كل مراحل حياته. فى حين كشفت مكتبة الفنان نور الشريف عن الجانب النقدى لديه، إذ تجاوز تعامله مع الكتب مرحلة القارئ العادى، وأخذ يسجّل رؤاه على الأعمال التى يقرؤها، ويميل منذ اللحظة الأولى إلى االتوثيقب، فيكتب تاريخ ومكان بدء قراءة هذا الكتاب أو ذاك، وتاريخ الانتهاء منه ومكانه، كما أن المكتبة تكشف بتنوع محتوياتها، مدى عمق ثقافة الشريف.ت
أما مكتبة الناقد سمير فريد فقد شبهها الطاهر بسينماتيك الدولة لما تتضمنه من أرشيف دقيق لتاريخ الأفلام، كما أنها مرآة كاشفة لطريقة تفكيره وحبه للتوثيق، ويمكن اعتبارها بمثابة قراءة فى اجذور التكوينب، فهى تحوى مئات الكتب فى مختلف المجالات، مما يكشف عن سر اتكوينهب الفريد، الذى يظهر دائمًا فى كل مؤلفاته أو مقالاته، كما تكشف عن جانب غير معروف عنه، وهو علاقته بالشعر كتابة ونقدًا، واسمه المستعار اكامل توفيقب الذى وقع به مقالاته فى جريدة االأهالىب عام 1978.
وتكملها مكتبة المبدع صبرى موسى التى تعكس شخصيته وثقافته الرفيعة ودوره المؤثر فى إثراء السينما المصرية، إذ ظل طوال عمره يحتفظ بالسيناريو الذى أعده عن رائعة يحيى حقى ادماء وطينب التى حولها للفيلم الشهير االبوسطجىب، وتشكل فى جوهرها الرحلة الحقيقية له فى هذه الحياة ارحلة الفن والأدب والإبداعب.
بينما تمثل مكتبة المخرج د.كامل القليوبى انعكاسًا لعلاقاته ومشوار حياته ومعاركه وآرائه ورؤيته، ليس فقط للسينما، بل ذ أيضًا ذ لمجمل الحياة المصرية بكل تعقيداتها وتشابكاتها، فقد كان يحتفظ بكل قصاصة يكتبها، حتى تلك التى كتبها نيابة عن الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودى، فلا توجد كبيرة ولا صغيرة فى حياته، إلا واحتفظ بها وأرشفها: رسائل، مقالات، دراسات جامعية، كتب عائلته التى ورثها من جده، وكذلك صوره فى مراحله المختلفة، فضلًا عن أمهات كتب التاريخ المصرى، فى كل حقبه.
ومن وسط التراب الذى كساها فى قصر ثقافة روض الفرج، ظهرت مكتبة الناقد فاروق عبد القادر متضمنة ما يقرب من 5909 ما بين كتب وموسوعات ومعاجم ودوريات، حرص على جمع معظمها من احر مالهب، ويعكس جزء كبير منها مكانته وسط الأجيال المختلفة، التى كانت تسعى إلى أن يقرأها عبد القادر، رغم أن بعضهم وقتها، لم يكن قد تعرف عليه بشكل شخصى، فمكتبته لا يمكن أن تُقرأ بعيدًا عن علاقاته بالوسط الثقافي، الذى كان يقدر قيمته، باعتباره ناقدًا حقيقيًا، صاحب بصمة على أجيال المبدعين.
وتشهد مكتبة المثقف الكبير د.ثروت عكاشة على تكوينه الرفيع، وأدواره المهمة فى مسيرة الحياة المصرية، وهو ما عبّر عنه المثقفون من مختلف الأجيال بكلماتهم التى دونوها على مؤلفاتهم، وأهدوها له. بينما يتعدى إحسان عبد القدوس فكرة المكتبة إلى البيت الكامل الذى يمثل متحفًا بما يضمه من لوحات لكبار الفنانين وتماثيل وقطع فنية من عصور مختلفة، بعضها تم استقدامه من خارج مصر، فضلًا عن مكتبته ومكتبه، اللذين جمع فيهما بين تكريم االسلطة فى عهودها الثلاثة: جمال عبد الناصر، محمد أنور السادات، وحسنى مبارك، وبين تكريم المثقفين والمبدعين من مختلف الأجيال والاتجاهات.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة