د. كرمة سامى
د. كرمة سامى


محنة الترجمة

أخبار الأدب

الإثنين، 12 يوليه 2021 - 02:05 م

 

مازالت‭ ‬صناعة‭ ‬الترجمة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والبلاد‭ ‬العربية‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬تأخر‭ ‬وقصور‭ ‬شديدة،‭ ‬وعاجزة‭ ‬عن‭ ‬نقل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعارف،‭ ‬والآداب‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬العربية‭.‬

فى‭ ‬حوار‭ ‬مهم‭ ‬وكاشف‭ ‬للدكتورة‭ ‬كرمة‭ ‬سامى‭ ‬مدير‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة‭ ‬مع‭ ‬جريدة‭ ‬أخبار‭ ‬الأدب‭ ‬تقول‭ ‬اأعرف‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬المترجم‭ ‬عزيز،‭ ‬وأخشى‭ ‬أن‭ ‬نكتشف‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نمتلك‭ ‬صفا‭ ‬ثانيا‭. ‬لو‭ ‬لدى‭ ‬دفعة‭ ‬قوامها‭ ‬مائتى‭ ‬طالب‭ ‬وخرج‭ ‬منهم‭ ‬خمسة‭ ‬مترجمين‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬نجحنا‭. ‬المترجم‭ ‬مشروع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تفرغ،‭ ‬وإعداده‭ ‬يستغرق‭ ‬وقتا‭ ‬وجهدا‭ ‬كبيرين،‭ ‬لأن‭ ‬الترجمة‭ ‬عمل‭ ‬راق‭ ‬يحتاج‭ ‬صياغة‭ ‬وتفكير‭ ‬ومعرفة‭ ‬وسياق‭ ‬ثقافي‭.‬ب

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أعود‭ ‬لافتراض‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬مقاومة‭ ‬عشق‭ ‬الترجمة‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬حظاً‭ ‬من‭ ‬أسفار‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬موسوعية‭ ‬وموهبة‭ ‬فطرية‭ ‬أهلته‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مترجما‭ ‬جيدا،‭ ‬وفى‭ ‬الحقيقة‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬أشخاص‭ ‬مؤهلون‭ ‬وموهوبون‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الصعوبات‭ ‬السابقة،‭ ‬ولكن‭ ‬يبرز‭ ‬هنا‭ ‬السؤال‭ ‬الأصعب‭ ‬والأكثر‭ ‬تعقيدا‭.. ‬ماذا‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يفعل؟‭.‬

شجعتنى‭ ‬الصراحة‭ ‬التى‭ ‬اتسم‭ ‬بها‭ ‬حوار‭ ‬الدكتورة‭ ‬كرمة‭ ‬سامى‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬ندرة‭ ‬المترجمين‭ ‬وأهم‭ ‬المصاعب‭ ‬التى‭ ‬تواجه‭ ‬عملية‭ ‬الترجمة‭ ‬التى‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أسميها‭ ‬صناعة‭ ‬الترجمة،‭ ‬كى‭ ‬نضع‭ ‬أيدينا‭ ‬على‭ ‬مواضع‭ ‬الخلل‭ ‬والقصور‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬يوما‭ ‬أن‭ ‬ننهض‭ ‬بها‭ ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬إجابة‭ ‬للسؤال‭ ‬الهام‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬نبدأ؟

بداية‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أوضح‭ ‬أننى‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬متقفا‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬ذهبت‭ ‬إليه‭ ‬الدكتورة‭ ‬كرمة‭ ‬سامى‭ ‬فى‭ ‬ندرة‭ ‬المترجمين‭ ‬إلا‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬أحيل‭ ‬ذلك‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬المترجم‭ ‬الكفء‭ ‬بل‭ ‬لعزوفه‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬بالترجمة،‭ ‬ولإيضاح‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نستعرض‭ ‬سويا‭ ‬رحلة‭ ‬طلبة‭ ‬اللغات‭ ‬وهم‭ ‬عماد‭ ‬عملية‭ ‬الترجمة‭ ‬بعد‭ ‬تخرجهم،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬مناهج‭ ‬الدراسة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬لايزال‭ ‬بها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصور‭ ‬وخاصة‭ ‬تركيزها‭ ‬على‭ ‬نوعية‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الترجمات‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬وافتقاد‭ ‬معظم‭ ‬جامعاتنا‭ ‬إلى‭ ‬الوسائط‭ ‬الحديثة‭ ‬لتعلم‭ ‬الترجمة‭ ‬ثم‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬التعلم‭ ‬أو‭ ‬تركيز‭ ‬تعلمُها‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬آدابها‭ ‬القديمة‭ ‬وإهمال‭ ‬نصوصها‭ ‬الحديثة‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬افتراض‭ ‬واضعى‭ ‬مناهجها‭ ‬أن‭ ‬الطلاب‭ ‬قد‭ ‬ألموا‭ ‬بقواعد‭ ‬الإملاء‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬فى‭ ‬مراحل‭ ‬دراسية‭ ‬سابقة‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬نظرى‭ ‬بحت،‭ ‬فالواقع‭ ‬أثبت‭ ‬أن‭ ‬الإلمام‭ ‬الجيد‭ ‬بقواعد‭ ‬الإملاء‭ ‬فى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬يظل‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬تحديات‭ ‬احتراف‭ ‬الترجمة‭ ‬لاحقا‭.‬

ومع‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬دعونا‭ ‬نفترض‭ ‬أنه‭ ‬وبمجهود‭ ‬شخصى‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الطلاب‭ ‬لن‭ ‬تخلو‭ ‬دفعة‭ ‬دراسية‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬افترضت‭ ‬مديرة‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة‭ ‬أنها‭ ‬ستدور‭ ‬حول‭ ‬نسبة‭ ‬اثنين‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬فى‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دفعة،‭ ‬أى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬دفعة‭ ‬قوامها‭ ‬ماتئى‭ ‬طالب‭ ‬سيكون‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬مترجمين‭ ‬سنويا‭. ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬يُفهم‭ ‬من‭ ‬حديثها‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬نسبة‭ ‬قليلة‭ ‬ولكنى‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬أرى‭ ‬أنها‭ ‬نسبة‭ ‬جيدة‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬والمتنامى‭ ‬من‭ ‬كليات‭ ‬اللغات‭ ‬التى‭ ‬انتشرت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬مؤخرا‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬الجامعات‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬الخاصة‭. ‬بمعنى‭ ‬أكثر‭ ‬تبسيطا‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬افترضنا‭ ‬وجود‭ ‬عشرين‭ ‬كلية‭ ‬لغات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مصر‭ ‬فقط‭ ‬وحصلنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دفعة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬فسيكون‭ ‬لدينا‭ ‬سنويا‭ ‬مائة‭ ‬مترجم‭ ‬وهى‭ ‬نسبة‭ ‬ممتازة‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فعلا؟

تستوعب‭ ‬مجالات‭ ‬التدريس‭ ‬والسياحة‭ ‬الجزء‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬خريجى‭ ‬اللغات‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬شركات‭ ‬خدمة‭ ‬العملاء‭ ‬أو‭ ‬الكول‭ ‬سنتر‭ ‬مؤخرا‭. ‬تمتاز‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬بعدم‭ ‬اشتراطها‭ ‬وجود‭ ‬خبرة‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أعمال‭ ‬سريعة‭ ‬الدخل‭ ‬فبمجرد‭ ‬حصول‭ ‬الخريج‭ ‬على‭ ‬إحداها‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬راتب‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬الأول‭ ‬وهذا‭ ‬بلا‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬مطلب‭ ‬مشروع‭ ‬لكل‭ ‬الخريجين‭ ‬والسعى‭ ‬إليه‭ ‬أمر‭ ‬محمود‭ ‬بالطبع‭.‬

‭ ‬ولكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬العمل‭ ‬بالترجمة‭ ‬فعليه‭ ‬مبدئيا‭ ‬التدريب‭ ‬الشاق‭ ‬بشكل‭ ‬شخصى‭ ‬وطلب‭ ‬المساعدة‭ ‬من‭ ‬محترفى‭ ‬الترجمة‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أى‭ ‬مؤسسة‭ ‬تهتم‭ ‬برعاية‭ ‬المترجمين‭ ‬أو‭ ‬تدريبهم،‭ ‬ثم‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬بالفتات‭ ‬الذى‭ ‬تجود‭ ‬به‭ ‬عليه‭ ‬مكاتب‭ ‬الترجمة‭ ‬التى‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تستغل‭ ‬كونه‭ ‬حديث‭ ‬التخرج‭ ‬ودون‭ ‬خبرة‭ ‬وفى‭ ‬الغالب‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬مقابل‭ ‬مادى‭ ‬لأولى‭ ‬تجاربه‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬مقابل‭ ‬التعلم،‭ ‬وحتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬يستطيع‭ ‬الصمود‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬أخرى‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬اكتسب‭ ‬فيها‭ ‬قدرا‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬الخبرة،‭ ‬يظل‭ ‬العائد‭ ‬المادى‭ ‬من‭ ‬الترجمة‭ ‬زهيداً‭ ‬للغاية‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬كمصدر‭ ‬وحيد‭ ‬للدخل،‭ ‬بل‭ ‬ليس‭ ‬كافيا‭ ‬لإقناع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬للقبول‭ ‬به‭ ‬زوجا‭ ‬لإحدى‭ ‬بناتهم‭. ‬

مما‭ ‬سبق‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬مؤسسة‭ ‬ترعى‭ ‬المترجمين‭ ‬عموما‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تقدم‭ ‬تدريبا‭ ‬لمبتدئيهم،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬المردود‭ ‬المادى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬يستطيعون‭ ‬الصمود‭ ‬بضعة‭ ‬سنوات‭ ‬أخرى،‭ ‬كلها‭ ‬أسباب‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬هجر‭ ‬مهنة‭ ‬الترجمة‭ ‬مبكرا‭. ‬تجدر‭ ‬الملاحظة‭ ‬أننى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬أتحدث‭ ‬عمن‭ ‬أرادوا‭ ‬العمل‭ ‬بشكل‭ ‬حر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مكاتب‭ ‬الترجمة‭ ‬المنتشرة‭ ‬والتى‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬المواد‭ ‬التى‭ ‬تتطلب‭ ‬ترجمتها‭ ‬عن‭ ‬شهادات‭ ‬الميلاد‭ ‬والزواج‭ ‬والطلاق‭ ‬ليقدمها‭ ‬أصحابها‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭ ‬للسفارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬طلبا‭ ‬لـتأشيرات‭ ‬السفر‭ ‬والتى‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬خبرات‭ ‬كبيرة‭ ‬للمترجمين‭. ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬انتشار‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬والإنترنت‭ ‬حديثا‭ ‬سهل‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬إيجاد‭ ‬عمل‭ ‬للمترجمين‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬أوطانهم‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬الأسعار‭ ‬أكثر‭ ‬عدلا‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬ولكن‭ ‬تظل‭ ‬محدودية‭ ‬الفرص‭ ‬هى‭ ‬أكبر‭ ‬العوائق‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬الاستمرار‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭.‬

د‭. ‬جابر‭ ‬عصفور

أما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬عملية‭ ‬الترجمة‭ ‬كعملية‭ ‬نقل‭ ‬للمعرفة،‭ ‬فالأمر‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬ومأساوية‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬حوار‭ ‬الدكتورة‭ ‬كرمة‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأن‭ ‬الترجمة‭ ‬عمل‭ ‬راق‭ ‬يحتاج‭ ‬صياغة‭ ‬وتفكير‭ ‬ومعرفة‭ ‬وسياق‭ ‬ثقافي،‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬إجادة‭ ‬اللغة‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬السياق‭ ‬الثقافى‭ ‬للنص‭ ‬المترجم‭ ‬منه‭ ‬والمترجم‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يتطلب‭ ‬قراءات‭ ‬متصلة‭ ‬وأسفار‭ ‬كثيرة‭ ‬إذا‭ ‬أمكن‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يستطيعه‭ ‬غالبية‭ ‬المترجمين‭ ‬دون‭ ‬رعاية‭ ‬مؤسسية‭.‬

ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬أعود‭ ‬لافتراض‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬مقاومة‭ ‬عشق‭ ‬الترجمة‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬حظاً‭ ‬من‭ ‬أسفار‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬موسوعية‭ ‬وموهبة‭ ‬فطرية‭ ‬أهلته‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مترجما‭ ‬جيدا،‭ ‬وفى‭ ‬الحقيقة‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬أشخاص‭ ‬مؤهلون‭ ‬وموهوبون‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الصعوبات‭ ‬السابقة،‭ ‬ولكن‭ ‬يبرز‭ ‬هنا‭ ‬السؤال‭ ‬الأصعب‭ ‬والأكثر‭ ‬تعقيدا‭.. ‬ماذا‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يفعل؟

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬المترجم‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الثقافة،‭ ‬تبرز‭ ‬معضلة‭ ‬أخرى‭ ‬كبيرة‭ ‬وهى‭ ‬النص‭ ‬الجيد‭ ‬الذى‭ ‬يستحق‭ ‬الترجمة‭ ‬وكيفية‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬ثم‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يترجم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وهى‭ ‬أمور‭ ‬صعبة‭ ‬ومعقدة‭ ‬وتفوق‭ ‬قدرة‭ ‬شباب‭ ‬المترجمين‭ ‬لأنها‭ ‬كما‭ ‬أوضحت‭ ‬مسبقا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬مؤسسي‭. ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬أفترض‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬استطاع‭ ‬بشكل‭ ‬فردى‭ ‬أو‭ ‬بمساعدة‭ ‬ما‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات‭ ‬ولكنه‭ ‬يفاجأ‭ ‬بمشكلة‭ ‬حقوق‭ ‬المؤلف‭ ‬ودور‭ ‬النشر‭ ‬والتى‭ ‬تعتبر‭ ‬أكبر‭ ‬وأعقد‭ ‬المشكلات‭ ‬التى‭ ‬تواجه‭ ‬المترجمين‭ ‬عموما‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬أمام‭ ‬المترجم‭ ‬سوى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬لتتولى‭ ‬هى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الترجمة‭. ‬

للتغلب‭ ‬على‭ ‬مشكلة‭ ‬الحقوق‭ ‬يلجأ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬الجدد‭ ‬لترجمة‭ ‬نصوص‭ ‬قديمة‭ ‬تكون‭ ‬حقوقها‭ ‬قد‭ ‬سقطت‭ ‬بالتقادم‭ ‬وأصبحت‭ ‬ملكية‭ ‬عامة‭ ‬والتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬خمسين‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬كاتبها،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬قد‭ ‬تزيد‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬مثل‭ ‬إسبانيا‭ ‬التى‭ ‬تصل‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬80‭ ‬سنة‭. ‬هنا‭ ‬تبرز‭ ‬بعض‭ ‬المعضلات‭ ‬منها‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نص‭ ‬جيد‭ ‬لأن‭ ‬النصوص‭ ‬الجيدة‭ ‬والمشهورة‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تُرجمت‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭. ‬المشكلة‭ ‬الثانية‭ ‬هى‭ ‬كيفية‭  ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬فى‭ ‬حال‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬ترجمته‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وصلاحيته‭ ‬للترجمة،‭ ‬وفى‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نسخة‭ ‬بصيغة‭ ‬PDF‭ ‬متاحة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إمكانية‭ ‬شرائها‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬مثل‭ ‬أمازون‭ ‬فلربما‭ ‬توجب‭ ‬على‭ ‬المترجم‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬الموضوع‭ ‬برمته‭. ‬ثم‭ ‬تأتى‭ ‬مشكلة‭ ‬صعوبة‭ ‬اللغة،‭ ‬فترجمة‭ ‬نص‭ ‬مر‭ ‬عليه‭ ‬ثمانون‭ ‬عاما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمترجم‭ ‬مبتدئ‭ ‬يظل‭ ‬أمر‭ ‬شاقا‭ ‬لما‭ ‬ينطوى‭ ‬عليه‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬تقادم‭ ‬استخدام‭ ‬بعض‭ ‬المفردات‭ ‬والصيغ‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهذا‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لعاشقى‭ ‬الترجمة‭ ‬يظل‭ ‬أيسر‭ ‬المشاكل‭.‬

توجد‭ ‬بمصر‭ ‬الآن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬الخاصة‭ ‬التى‭ ‬تعنى‭ ‬بالترجمة‭ ‬ولديها‭ ‬متخصصين‭ ‬يقومون‭ ‬بإنهاء‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬المقابل‭ ‬يبخسون‭ ‬المترجم‭ ‬حقه‭ ‬بل‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬المترجم‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬عائد‭ ‬مادى‭ ‬خاصة‭ ‬أصحاب‭ ‬التجارب‭ ‬الأولى‭ ‬والذين‭ ‬فقط‭ ‬يكتفون‭ ‬بتلك‭ ‬المتعة‭ ‬السحرية‭ ‬التى‭ ‬يشعرون‭ ‬بها‭ ‬عندما‭ ‬يرون‭ ‬أسمائهم‭ ‬كمترجمين‭ ‬مطبوعة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬المترجم‭. ‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الذى‭ ‬تمارسه‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬الخاصة‭ ‬يهرع‭ ‬المترجمون‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬التى‭ ‬تعنى‭ ‬بالترجمة‭ ‬مثل‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة‭ ‬وسلسلة‭ ‬الجوائز‭ ‬التى‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭. ‬

أُنشئ‭ ‬المركز‭ ‬القومى‭ ‬للترجمة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬2006‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المفكر‭ ‬الكبير‭ ‬الدكتور‭ ‬جابر‭ ‬عصفور‭ ‬أى‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عاما،‭ ‬فكم‭ ‬كتابا‭ ‬ترجم‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المدة؟‭ ‬

بالبحث‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬تُرجمت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المركز‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬2468‭ ‬كتاب‭ ‬أى‭ ‬165‭ ‬كتاب‭ ‬سنويا‭ ‬وهى‭ ‬نسبة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬مطلقا‭ ‬بالنظر‭ ‬لميزانية‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والتى‭ ‬تنفق‭ ‬فى‭ ‬معظمها‭ ‬على‭ ‬الأجور‭ ‬والمرتبات‭. ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بسلسلة‭ ‬الجوائز،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬السلسلة‭ ‬قد‭ ‬أنجزت‭ ‬ترجمة‭ ‬200‭ ‬عمل‭ ‬وهى‭ ‬أيضا‭ ‬نسبة‭ ‬جيدة‭ ‬جدا‭ ‬خاصة‭ ‬وأنها‭ ‬أعمال‭ ‬حاصلة‭ ‬على‭ ‬جوائز‭ ‬عالمية‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬أنها‭ ‬أعمال‭ ‬ذات‭ ‬جودة‭ ‬أدبية‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭. ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تقديم‭ ‬الشكر‭ ‬للدكتورة‭ ‬سهير‭ ‬المصادفة‭ ‬التى‭ ‬تُرجمت‭ ‬غالبية‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬ترأسها‭ ‬للسلسلة‭.‬

تكمن‭ ‬الصعوبة‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬المختصة‭ ‬بالترجمة‭ ‬فى‭ ‬عدة‭ ‬أمور‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نوجزها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

*‭ ‬صعوبة‭ ‬وصول‭ ‬المترجمين‭ ‬الجدد‭ ‬إليها،‭ ‬فقنوات‭ ‬التواصل‭ ‬محدودة‭ ‬للغاية‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬مؤخرا‭ ‬بدأنا‭ ‬نلمس‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬أتاحته‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

*‬يشعر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬الشباب‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬أصبحت‭ ‬نوادى‭ ‬شبه‭ ‬مغلقة‭ ‬على‭ ‬أسماء‭ ‬بعينها‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الحقل‭ ‬الجامعى‭ ‬أو‭ ‬خارجه‭ ‬والذين‭ ‬نشعر‭ ‬بعد‭ ‬قراءة‭ ‬أعمالهم‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬أفضل‭ ‬الاختيارات‭.‬

* ‬اقتصار‭ ‬الترجمات‭ ‬على‭ ‬موضوعات‭ ‬بعينها‭ ‬وعدم‭ ‬التنوع‭ ‬فى‭ ‬الاختيارات‭ ‬وأبرز‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬كم‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬تُرجمت‭ ‬عن‭ ‬الموريسكيين‭ ‬وطرد‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬إسبانيا‭ ‬عموما‭. ‬

*الروتين‭ ‬الحكومى‭ ‬الذى‭ ‬يتسبب‭ ‬فى‭ ‬تأخير‭ ‬عمليات‭ ‬الطباعة‭ ‬والنشر‭.‬

*ضعف‭ ‬العائد‭ ‬المادى‭ ‬وبالتالى‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬حافزا‭ ‬للمترجم‭  ‬للاستمرار‭ ‬لاحقا‭.‬

يتبقى‭ ‬أمران‭ ‬هامان‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أنهى‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬إيجاد‭ ‬آلية‭ ‬للربط‭ ‬بين‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الترجمة‭ ‬ففى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬وبعد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬يصلح‭ ‬للترجمة‭ ‬يكتشف‭ ‬المترجم‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬قد‭ ‬تُرجم‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬ويأتى‭ ‬ذلك‭ ‬بالمصادفة‭ ‬البحتة‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬أرشيف‭ ‬للأعمال‭ ‬المترجمة‭ ‬إلىالعربية،‭ ‬وأرشح‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬للقيام‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭.‬

الأمر‭ ‬الأخير‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬إليه‭ ‬الأديب‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬مقالاته‭ ‬البديعة‭ ‬فى‭ ‬اأخبار‭ ‬الأدبب‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بترجمة‭ ‬الأدب‭ ‬المصرى‭ ‬والعربى‭ ‬عموما‭ ‬إلى‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى،‭ ‬فالعالم‭ ‬يعرف‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬ماضينا‭ ‬وواقعنا‭ ‬السياسى‭ ‬المأزووم‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬يجهل‭ ‬كم‭ ‬الإبداع‭ ‬الثقافى‭ ‬المتفجر‭ ‬بالعربية‭ ‬والذى‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬الجوائز‭ ‬التى‭ ‬تلتزم‭ ‬بترجمة‭ ‬الأعمال‭ ‬الفائزة‭ ‬إلى‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العدد‭ ‬لايزال‭ ‬قليل‭ ‬جدا‭.  ‬

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة