صيف ساخن فى لبنان
صيف ساخن فى لبنان


جهود دولية لحل الأزمة اللبنانية

الأخبار

الإثنين، 12 يوليه 2021 - 07:57 م

 مروى حسن حسين

فى خطوة غير معتادة ووسط ضغوط دولية لإخراج لبنان من أزمة سياسية واقتصادية مضطربة، توجهت السفيرتان الأمريكية دوروثى شيا والفرنسية آن غريو إلى الرياض للتباحث مع المسئولين السعوديين حول الوضع اللبنانى.

تعوّل بعض الأوساط السياسية على أن تؤدى هذه المحادثات بنتائجها المرتقبة إلى تغيير فى أمزجة بعض المعنيين بالاستحقاق الحكومى الذين يترددون فى حسم الموقف، ويؤخّر ولادة الحكومة ويدفع الأزمة التى تعيشها البلاد على كل المستويات إلى مزيد من التعقيد.

يرى البعض ان الزيارة تهدف إلى ثلاث نقاط هى «البحث فى إمكان إعادة تنشيط الحركة السياسية للسعودية فى لبنان، والثانية البحث فى إمكان دفع السعودية لتقديم مساعدات مالية وإنسانية لعدد من المؤسسات بينها الجيش اللبنانى وبعض الجمعيات الأهلية، أما الثالثة فهى محاولة لفهم حقيقة الموقف السعودى من تشكيل الحكومة والحصول على موقف سعودى واضح فى هذا المجال، إما لدعم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريرى فى عملية التشكيل، أو لاختيار شخصية أخرى يتم التوافق حولها.

فى حين يرى آخرون ان تلك الزيارة تعد «خرقا فاضحا لسيادة لبنان»، وتدخلا علنيا فى شئونه الداخلية؛ ولمعاهدة فيينا التى تنظم علاقة عمل السفراء فى أى بلد. فسفر سفيرتى أمريكا وفرنسا فى لبنان يعتبر سابقة لا مثيل لها فى تاريخ العمل الدبلوماسى. إذ لا تحملان أى صفة رسمية فى السعودية لمعالجة شئون لبنان الداخلية وليتفقوا على فرض حكومة على الشعب اللبنانى خارج الأعراف والتقاليد المعمول بها منذ إعلان استقلال لبنان. واعتراف دولى بأن لبنان دولة فاشلة». وأن الطبقة السياسية اللبنانية قاصرة عن تأدية المطلوب منها تجاه البلد من جهة وأن رئيس الجمهورية ميشال عون لا يستطيع، من جهة أخرى التعاطى مع الخارج. أى مع الدول العربية التى اهتمت فى الماضى بمساعدة لبنان، على رأسها المملكة السعودية».

تأتى الزيارة فى الوقت الذى يعانى فيه اللبنانيون من نقص فى السلع الأساسية وارتفاع الأسعار فيما وصفه البنك الدولى بأنه أحد أسوأ الأزمات الاقتصادية فى العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.

فقد خسرت الليرة اللبنانية نحو 90 فى المائة من قيمتها منذ بداية العام الماضى، ولا تزال تواصل الانخفاض، فقد هبط سعر الصرف فى السوق السوداء إلى 17 ألف ليرة للدولار. وأصبحت المواد الغذائية باهظة التكاليف إلى حد يجعل العائلات غير قادرة على تحمل تكاليفه بعد الآن. وحذرت وكالة الأطفال التابعة للأمم المتحدة من أن ما يقرب من 80 فى المائة من العائلات لا تملك المواد الغذائية أو المال لشرائها، وفى أوساط الأسر السورية النازحة تبلغ هذه النسبة 99 فى المائة.

وتعد لبنان أعلى عدد من اللاجئين نسبة إلى عدد السكان على مستوى العالم، فهناك ما يقدر بنحو 1.5 مليون لاجئ سورى فى البلاد التى لا يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين، فضلاً عن عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين. لكن تكاليف المواد الغذائية ليست وحدها ما يبعث على اليأس. فالبلاد تعانى نقصاً شديداً فى الوقود والطاقة. وفى بيروت وأجزاء أخرى من البلاد، تحصل الأسر على ما لا يزيد على ساعة واحدة من الطاقة من الشبكة الرئيسية. كذلك، كما أن إمدادات الأدوية والأغذية المستوردة قليلة.

تتجذر الأزمة الاقتصادية فى عقود من سوء الإدارة والفساد المزمنين. وتفاقم الوضع مع وصول جائحة فيروس كورونا الذى أثر فى الشركات وخنق التحويلات المالية المطلوبة بشدة. ثم فى أغسطس انفجرت آلاف الأطنان من المتفجرات المخزنة فى شكل ردىء فى ميناء بيروت، فأسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص وتدمير قطاعات من العاصمة، الأمر الذى اضاف مزيداً من الضغوط.

وكانت شخصيات سياسية رفيعة المستوى، بما فى ذلك الرئيس، على علم بالمخزون الخطير، لكنها لم تفعل أى شىء حياله. ثم استقالت الحكومة بعد ذلك بفترة وجيزة، لكن الأحزاب الحاكمة لم تتمكن من الاتفاق على حكومة جديدة، وهكذا كانت البلاد خلال السنة الماضية بدون من يوجه دفتها أثناء سقوطها الحر.

بعيداً عن الأسباب الإنسانية بالغة الوضوح والمهمة، وعلى الرغم من أنه بلد صغير مضطرب مطل على البحر المتوسط، يشكل لبنان من غير شك محوراً للاستقرار فى المنطقة. فعلى مدى العقد الماضى كان بمثابة صمام أمان لسوريا المجاورة التى خربتها الحرب، فقد كان ملاذاً آمناً للاجئين، الذين يعيش أغلبهم الآن فى فقر مدقع وهم على الخطوط الأمامية فى مرمى أمام أزمة مجاعة تلوح فى الأفق.. والاقتصادان فى البلدين متشابكان على نحو لا ينفصم. فالملايين، إن لم يكن المليارات، من الدولارات من الأموال السورية مودعة وعالقة الآن فى مصارف لبنان التى كانت ذات يوم أكثر أمناً، والتى فرضت قيوداً مشددة إلى حد مخيف بسبب خشيتها من هروب رؤوس الأموال والأزمة الحادة للعملة الصعبة.

فلبنان، الذى خربته حرب أهلية مدمرة دامت 15 سنة بين عامى 1975 و1990، منقسم بشدة بين الجماعات الدينية (المدججة بالسلاح فى كثير من الأحيان)، والتى لا تشتعل التوترات بينها إلا حين تشتد مصاعب العيش، ما يثير مخاوف من اندلاع نزاع مدنى آخر. المشكلة الأصعب أن الأزمة الاقتصادية جعلت العنف يبدأ فى الانفجار حتى وإن كان بصورة متقطعة وأن الجيش اللبنانى يعانى من الأزمة الاقتصادية، ويعانى جنوده أيضاً من الجوع.. ومع ذلك يرى البعض أن الوقت لم ينفد بعد، والفرصة متاحة رغم ضيق الخيارات أمام الشعب الذى فقد الكثير من محفزات التغيير، وأن الانتخابات القادمة هى الفرصة الأخيرة المتاحة أمام قوى التغيير الحقيقية، إذا ما أرادت إخراج هذا الشعب من شرانق السياسيين وإنقاذ الوطن والدولة والمؤسسات وسيادة القانون وتعميم العدالة.

والسؤال الأكبر هنا ماذا ينبغى أن يفعل المجتمع الدولى؟ من الصعب بمكان الأجابة على السؤال. لأن الحلول ليست واضحة. ومع ذلك لا ينبغى للعالم أن يدير ظهره إلى لبنان. لأن كثيرا من الأمور على المحك.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة