صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


هدفه المال واللايكات بصرف النظر عن المحتوى

«اليوتيوبر».. مهنة البحث عن التريند!

وائل ثابت- محمد وهدان- محمد العراقي

الإثنين، 12 يوليه 2021 - 09:03 م

 

16 عاما فقط مرت على ظهور النافذة الحمراء فى الفضاء الإلكتروني، إلا أن التغيرات التى أحدثها الـ»يوتيوب» أكبر من سنوات عمره القليلة، خاصة بعد تفوقه على التليفزيون فى أعداد المتابعين، ما جعل الشركات والمؤسسات تنتبه إلى خطورته وتستغله تجاريا من خلال الإعلانات التى لا تشترط محتوى بعينه ولكن نسبة مشاهدة عالية،  ليتحول المشاهد العادى إلى صانع محتوى «يوتيوبر».. النشاط المسلى تحول إلى مهنة يشغلها العالم والجاهل على حد سواء، ويكسب منها المجتهد والكسول، يلمع فيها صاحب الفضيلة والداعى إلى الرذيلة.. مهنة لا ترفض من يتقدم إليها ولا تحتاج إلى مسوغات تعين، فقط كاميرا موبايل وكان الله بالسر عليما.. وفى طريقهم للحصول على الثروة حطم غالبية اليوتيوبرز  تقاليد المجتمع، وقاموا بتنحية الأخلاق جانبا، وقتلوا المبادئ وأهدروا القيم، لتتحول المهنة إلى نقمة ليس فقط على من يمارسها ولكن أيضا على من يتابعها.. استطاع اليوتيوبر تشكيكنا فى المثل الشهير « من جد وجد ومن زرع حصد» .. بعد أن رفع شعار» من هزل وصل ومن يلهو يجنى الثراء»، وسرعان ما انتشرت العدوى بين  الناس لتصبح المهنة حلم الكبير والصغير من أجل الوصول إلى الشهرة والأموال دون عناء.

خبراء: تصدير سفهاء «السوشيال ميديا» على أنهم نجوم يدمر قيم المجتمع

ضربة البداية جاءت عام 2005، مع انطلاق موقع «يوتيوب» ومحتواه اللامتناهي، وأصبح لمجموعة من الشباب قنواتهم التى يقدمون من خلالها ما يريديون: نصائح، نكات، معلومات، بهدف إثبات الذات، وجذب المزيد من المتابعين والمعجبين، أما اليوم فقد بات مشاهير «اليوتيوبر» ينافسون نجوم الفن والرياضة، ليس فى الشهرة فقط ولكن أيضا فى جنى الأموال.

انقسم «اليوتيوبرز» إلى فريقين أحدهما يحرص على تقديم محتوى مفيد ومتخصص، والفريق الثانى مهتم بتكوين أكبر عدد من المتابعين من أجل الحصول على الربح السريع وفى سبيل ذلك فهو مستعد لتقديم أى محتوى مهما كان مخالفا للتقاليد والأخلاق.
«الأخبار» استمعت إلى أسرار تلك المهنة من أصحابها وجلست مع الخبراء من أجل تحليل الظاهرة واقتراح الحلول لمشاكلها الكارثية.
 دخل مادى جيد.

 

منذ عام دخل «مدحت كوته» عالم اليوتيوب، لكنه الآن عمله الأساسي، يقول مدحت إن العمل من خلال الإنترنت بات طبيعيا خاصة فى الشركات الكبرى والتى بدأت تعى أهمية العمل عن بعد، ولكن مازال عدد الذين يعتمدون بشكل أساسى على العمل «كيوتيوبر» أو صانعى محتوى لليوتيوب أقل بكثير عن آخرين يعملون من خلال الإنترنت للشركات. 

وأشار إلى حالة التشبع فى اليوتيوب نتيجة دخول الآلاف بهدف صنع محتوى وتحقيق ربح ما ساهم فى تراجع العائد للعديد من اليوتيوبر، بخلاف العوائق التى وضعها الموقع لتفادى بعض المحتوى غير الجيد.

وأكد أن اليوتيوب وفر له دخلا ماديا جيدا خاصة فى البداية، وقال إنه يقدم محتوى تثقيفيا عن أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا فى مجال التليفونات المحمولة والأجهزة الإلكترونية والتعامل مع الأجهزة الجديدة والمقارنات وغيرها.
وحذر من دخول عالم اليوتيوب بهدف تحقيق ربح سريع، واصفا الأمر بأنه «محض خيال»، قائلا إن المسألة فى حاجة إلى عمل مستمر ويومى قد يصل إلى عام حتى يحصل على دخل مرضٍ.

 

«هناك أشخاص يقدمون محتوى غريبا وبعضهم يلقى رواجا سريعا لبعض الوقت ولكنه يتراجع « يقول مدحت، ويضيف:هناك عدد من قدامى اليوتيوبرز والذين لديهم ملايين المتابعين و مستمرون فى عملهم اليومى فهم يحصلون على مبالغ كبيرة بشكل مستمر ولديهم جمهور، بخلاف من يحاول أن يبدأ من الصفر فسوف يعانى كثيرا من أجل الوصول، مؤكدا أن القناة لا بد أن تتخطى الـ 100 متابع حتى يتمكن صاحبها من جنى عائد شهرى مرضٍ.

نقاط القوة والضعف


أنس رضوان، أنشأ قناته منذ أشهر على موقع اليوتيوب، يقدم من خلالها محتوى يتعلق  بإنشاء مقارنات بين الأجهزة الإلكترونية التى تنتجها الشركات العالمية، بهدف تعريف المستخدمين بنقاط القوة والضعف لكل منتج، وتعزيز قدرة متابعيه على اختيار المناسب.. ينشئ أنس مقطعا أسبوعيا لمساعدة الراغبين فى شراء الأجهزة وتعلم الجديد فى عالم التصميم، باعتباره  مشرفا على أحد الجروبات الشهيرة على مواقع التواصل الاجتماعى خاصة بالتصميم والإبداع.


 لا يأمل «أنس» أن تكون قناته على اليوتيوب مجرد طريقة لكسب المال ويقول :» من الصعب أن أعتمد عليها بشكل كامل ولكن هدفى الأساسى مساعدة الآخرين» ؛ موضحا أنه من الصعب أن يعتمد شخص على الدخل من اليوتيوب مع بداية إنشاء القناة ولكن عليه الانتظار أكثر من سنه أو اثنتين حتى يحصل على عدد كبير من المتابعين والمشاهدين.

 

كارثة «التوك توك»
يعتبر د. رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، النت  ثروة قوميه أساء البعض استخدامها خاصة فى ظل وجود « اليوتيوبرز» الذين استطاعوا تحقيق دخل كبير دون عناء لتصبح مهنة من لا مهنة له.

وحذر من أن استمرار هذا الشخصيات فى جمع الأموال بسهولة ويسر سيتسبب فى كارثة، تتشابه مع كارثة التوك توك التى أدت إلى نزوح الحرفيين وأصحاب المهن المختلفة والطبقة المتوسطة لقيادة هذه المركبات نتيجة المكسب السريع.

 

يقترح عبده الإسراع بوضع حد لهذه المشكلة بتبنى الدولة حمله قومية يشارك فيها الإعلام مع وزارتى الشباب والثقافة لإعادة الذوق العام، وتهميش أدوار مثل هؤلاء الأشخاص وإبراز النماذج الناجحة فى المهن والحرف الأخرى من أجل استعادة القدوة.

ويرى د. حسن حماد، عميد كلية الآداب الأسبق بجامعة الزقازيق، أهمية التعامل مع الأمر لأن منعه صعب فى ظل وجود السوشيال ميديا بتأثيرها الكبير واللامحدود بشقيه  الإيجابى والسلبى فى حين نجح الكثيرون فى استغلال الجانب  السلبى فقط.

 

والحل كما يقول حماد هو  استغلال الشق الإيجابى من هذا الفضاء الإلكترونى الواسع بوضع استراتيجية متكاملة لتحويل كل ما هو سلبى به إلى إيجابى عن طريق السعى الى صناعة رموز فى كافة المجالات تظهر أهمية العمل وقيمة أن تصبح صاحب هوية وأن تكون ناجحا فى عملك الذى تبرع فيه.
ويشير إلى أهمية استغلال المؤسسات الثقافية كالمسارح والفنون وجعلها بوصلة جديدة للمواطنين وأن يكون العمل بالتزامن مع تطوير المؤسسات الثقافية فى كافة مجالاتها بداية من الإيمان بالموهبة وصولا إلى التطوير الحقيقى للتعليم انتهاء بتطوير الخطاب الدينى بشرط أن تكون هذه العملية متزامنة فى التوقيت وتوائم الطبيعة الإنسانية وهدفها الرئيسى الارتقاء بالإنسان.

 

يضيف حماد: يجب تطوير الخطاب الدرامى الحالى فلا يعقل أن تستمر مهازل الدراما من إبراز أعمال تحتوى على مشاهد عنيفة ووجود مشاهد تستهدف إبراز الغرائز لأن كل هذا يساهم فى تطور الشق السلبى فقط وأن نكثر من الأعمال التى بداتا لدوله فى بثها مؤخرا التى تنمى الانتماء الوطنى وتهدف لنشر الأخلاق..ويناشد عميد كليه الآداب الأسبق الأعلام بالانتباه لمحتواه وعدم تصدير السفهاء من مشاهير السوشيال ميديا على أنهم مشاهير ونجوم حتى لا يعتقد أبناؤنا أن مثل هؤلاء من الممكن أن يصبحوا قدوة يقتدون بها.

 

 

صناعة القدوة
ويوضح د. محمد عوض، المستشار الإعلامى لرئيس جامعة الزقازيق وأستاذ الإعلام بكلية الآداب، أن استمرار ظاهره «اليوتيوبر» ستتسبب فى مشكلة كبيرة على المدى البعيد خاصة مع استمرار الترويج لها ما يؤدى إلى كارثة تؤثر على العقيدة المجتمعية وتدمر الهوية.
وحذر من ظهور حاله انفصام بين طبقات المجتمع وصراع بين الأجيال بحيث يرى الصغير أن نصائح من هم أكبر منها لا تواكب العصر وأن البحث عن الثراء السريع مهما كانت وسيلته هو الصحيح.

 

 

ويضيف عوض أنه لابد من الإسراع فى وضع تشريعات تضبط عمل هذه الوسائل حتى لا تستمر الظاهرة فى بث الفوضى وأيضا أن تتكاتف المؤسسات الإعلامية والنقابات المهنية المختلفة لتقوم بدورها فى المشاركة فى وضع استراتيجية تعيد العقيدة المجتمعية القويمة لسابق عهدها.
ويؤكد عوض أن الإعلام سيحمل على عاتقه المسئولية الكبرى فى هذه الاستراتيجية لأنه المؤثر الأول فى صناعة القدوة وذلك عن طريق صناعة دراما واعية بصورة مكبرة لا التى تعرض هذه الأيام وأن يكون أيضا هناك أولويات للإعلام هى نشر الفضيلة وإعادة الخلق العام وأهمية العمل والإنتاجية لا الاستسهال والسعى للثراء السريع حتى وإن كان ذلك على حساب الأخلاق.

 

التثقيف التوعوى
وتشير د. ساميه خضر، أستاذة علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس، إلى أن المشكلة تكمن فى تنمية الفكر المادى على حساب ما هو معنوى ومن هنا أصبح «اليوتيوبر» مجال يمكن ان تمتهنه لانه يوفر المال بسهوله بأسهل الوسائل حتى وان كانت هذه الوسيلة تحطم وتنتهك القيم وتقوم على أنقاضها..وتقول: علينا أن ننتبه لخطورة استمرار الظاهرة عن طريق تضامن كافة مؤسسات الدولة بشكل أو بآخر والعمل على وضع خطة عمل تتناسب مع الواقع هدفها بالأساس إنقاذ الشباب والذى يمثل أكثر من 60 % من المجتمع بشرط أن تكون هذه الخطة قائمه على التثقيف التوعوى وعلينا أن نعلم أن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء الماديات وكسب الأموال.

 

الحل ثقافى
ويؤكد د.جمال فرويز، استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبية العسكرية، أن ما يسمى بمهنه اليوتيوبر هى ظاهرة جديدة غرضها الأساسى تدمير هوية المجتمع العامل وتحويله إلى مجتمع يستسهل كل شيء ولا يعمل ولا يجد ومن هنا فإن هذه الظاهرة تمثل بداية للضياع.
ويشير إلى أن الأمر لا يقتصر عند هذا الحد بل إننا أصبحنا نجد فى أيامنا الحالية بضاعة رخيصة من هؤلاء نتاج حرب تنافسية شرسة بينهم أُهملت فيها القيم بغرض جمع المشاهدات لتكسب الأموال.

 

والأصعب كما يقول فرويز أننا إذا لم ننتبه لخطورة استمرار هذه الظاهرة بتلك الطريقة فإننا سنكون أمام كارثة تستهدف الأطفال والذين تأثروا بهذه الظاهرة مما يجعلنا أمام فوضى وشيكة سيصعب احتواؤها خاصة أن هذه الظاهرة تؤدى الى إهمال فى كافة مناحى الحياة سواء كانت أخلاقية أو سلوكيه أو اجتماعية..ويرى فرويز أن الحل ثقافى بحت وذلك عن طريق إعادة الترابط الأسرى والسرعة فى إدراك بوادر الكارثةعن طريق برامج للترابط الأسرى تقوم بها مؤسسات الدولة بوزاراتها المختلفة بالتنسيق مع المؤسسات الدينية على أن تعمل هذه البرامج فى تناغم لتكمل بعضها البعض.

 

رأى الدين 

وحول حكم الأرباح من خلال نشر فيديوهات على موقع يوتيوب، قالت دار الإفتاء: «هذا جائز طالما كنت مراعيا للضوابط القانونية مع هذه الشركة أو الهيئة التى تتعامل معها»؛ وأضافت الدار أن عدم مراعاة القيم والعادات المجتمعية فى هذه المهنة لايجوز..وأضافت فى بيانها: « لا يجوز مثل هذا الأمر، لما فيه من كشف للعورات فيحرم مشاهدة أو صنع مثل هذه الفيديوهات، التى تتنافى مع الحياء الذى دعا إليه الدين الحنيف ، وما تربى عليه مجتمعنا من قيم فاضلة»، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : « إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» ويقول صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضعٌ وستون شُعْبة، والحياء شُعْبة من الإيمان.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة