ممدوح الصغير
ممدوح الصغير


آخر حرافيش مصر

ممدوح الصغير

الثلاثاء، 13 يوليه 2021 - 08:39 م

لا يعرفه البشر، فقط داخل حى الدرب الأحمر العتيق، بذكريات أهله المُتَّسعة على امتداد العصور، بين جنبات الحى الأثرى حكايات محفورةٌ على جدران الحوائط، فشلت عوامل التعرية والأمطار محوها، إذ على حوائط المنازل القديمة تكمن حكاية يحيى أبو رندا، اسمٌ مشهورٌ بين سكان الدرب الأحمر، مَنْ لا يعرفه شخصيًا، سمع عن شهامته التى يستفيد منها مَنْ لا يعرفه، فهو بمثابة القاضى العرفى الذى يقوم بحل كل النزاعات قبل وصولها لقسم الشرطة.

بسبب جهوده العُرفيَّة، ولُدت العلاقة الحسنة مع الشرطة، كانت علاقةً قائمةً على الودِّ والمحبَّة، فهو معاونٌ لهم؛ لحل كل الخصومات قبل أن تتعاظم وتظهر شرورها.

وأيضًا بسبب جهوده الخيريَّة لخدمة أهالى المنطقة، نال لقبًا غاليًا من عملاق الأدب العربى نجيب محفوظ، الذى وصفه بأنه اَخر حرافيش مصر، وهو اللقب الذى اعتبره وسامًا غاليًا؛ لأنه يصدر من أديب عيناه وقلمه مصنعان لفرز الرجال..

فى أيام زلزال 1992، تصدَّعت منازل الحى، وكان قرار الرئيس الراحل مبارك؛ بمنح المتضررين شققًا أعدَّتها الدولة لهم، تقدَّم   الصفوفَ، ورتَّب أوراقًا لمُتضررين، ونال المُستحق الشقة التى من حقه، ورفض أن ينسب الفضل لنفسه، وصرخ بصوتٍ عالٍ، اشكروا مصر؛ هى مَنْ قدَّمت لكم حقوقكم.

وتمر السنوات وتأتى أيام ثورة 25 يناير، وعندما عَرف بنوايا المُخرِّبين، صرخ فى شوارع الدرب الأحمر؛ قائلًا؛ مَنْ يُحبنى يأتى معى، وخرج بأكثر من 200 شخصٍ؛ لحماية مديرية أمن القاهرة، ورفض اقتراب أى شخصٍ منها، وصرخ مَنْ له رأىٌّ يذهب للتحرير، منشآت مصر خطٌ أحمر.. مواقفه فى حماية المنشآت الشرطية، أسهمت فى توطيد علاقته مع القيادات الشرطية، فهو ليس غريبًا عنهم، وبينهم علاقات ومواقف.

لا أعرف اَخر حرافيش مصر معرفةً شخصيةً، عرفت قصته، خلال وجودى على مقهى داخل الحى، سمعت حكايات تصنع منه أسطورةً، وأسعدنى أنه بعيدٌ عن عالم السياسة، ولا ينتوى الترشُّح فى أى انتخاباتٍ؛ رغم شعبيته الجارفة، وفى مواسم الانتخابات يختفى ويترك كل ناخبٍ، حسبما  يُريد، واكتفى بدور محامى البسطاء والمُتصدِّر للزواج من عروسٍ يتميةٍ، يكون  هو  ولى الأمر لها حتى تزف لعريسها.

وزادت سعادتى أكثر عندما عرفت أن آخر حرافيش مصر، جنوبىٌّ قَدم للقاهرة منذ سنوات طويلة، وبدأ من تحت الصفر؛ حتى صار واحدًا من مشاهير الحى، لا تسأل عن تعليمه؛ فهو خريج مدرسة الحياة، بل إنه من قريةٍ آمنةٍ يرفض أهلها العيب وتكره الحرام، ولذا لم أندهش بأنه صار القاضى العرفى للمنطقة، صار كبيرًا بسبب سلوكياته وعدله مع الجميع، ينصف مَنْ لا يعرفه، حتى  على حساب أقاربه..

يوم أن عَرف باللقب، الذى منحه له عملاق الأدب العربى؛ قال هو وسامٌ غالٍ سوف يتفاخر به أحفادى بعد سنواتٍ طويلة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة