الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى


مشروعية التوبة في خواطر الإمام الشعراوي

ضياء أبوالصفا

الخميس، 15 يوليه 2021 - 06:27 م

يقول الحق فى الآية 16 من سورة القصص: «قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» يُعلمنا موسى عليه السلام أن الإنسان ساعة يقترف الذنب، ويعتقد أنه أذنب لا يكابر، إنما ينبغى عليه أنْ يعترف بذنبه وظلمه لنفسه، ثم يبادر بالتوبة والاستغفار «قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي» يعنى: يا ربّ حكْمك هو الحقّ، وأنا الظالم المعترف بظلمه.


ومن هنا كان الفَرْق بين معصية آدم عليه السلام ومعصية إبليس: آدم عصى واعترف بذنبه وأقرَّ به، فقال «رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا»- الأعراف، فقبل الله منه وغفر له. أما إبليس فعلَّل عدم سجوده: «أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً»-الإسراء، وقال :»أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» فردَّ الحكم على الله.


لذلك نقول لمن يُفتى بغير ما شرع الله فيُحلِّل الحرام لسبب ما، نقول له: احذر أنْ ترَّد على الله حكمه؛ لأنك إنْ فعلتَ فأنت كإبليس حين ردَّ على الله حُكمه، لكن أفْتِ بالحكم الصحيح، ثم تعلَّل بأن الظروف لا تساعد على تطبيقه، فعلى الأقل تحتفظ بإيمانك، والمعصية تمحوها التوبة والاستغفار، أما الكفر فلا حيلةَ معه.
فلما استغفر موسى ربه غفر له «إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم» يُعرف الذنب، ثم يغفره رحمة بنا؛ لأن الإنسان حين تصيبه غفلة فيقع فى المعصية إذا لم يجد باباً للتوبة وللرجوع يئس وفقد الأمل، وتمادى فى معصيته ونسميه (فاقد) عنده سُعار للجريمة، ولا مانع لديه من ارتكاب كل الذنوب.


إذن: فمشروعية التوبة الاستغفار تعطى المؤمن أملاً فى أنه لن يُطرَدَ من رحمة الله، لأن رحمة الله واسعة تسَع كل ذنوبه مهما كثُرتْ.


لذلك يقول تعالى فى مشروعية التوبة «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا»- التوبة، معنى: شرع لهم التوبة، وحثَّهم عليها ليتوبوا بالفعل فيقبل منهم. ثم يقول الحق سبحانه: «قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ»..

قوله: «بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ» يعنى: بالمغفرة وعذرتنى وتُبْت عليَّ «فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ» أى: عهد الله عليَّ ألاَّ أكون مُعيناً للمجرمين.


ثم يقول الحق سبحانه:  «فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ» أى: بعد أن قتل موسى القبطيَّ صار خائفاً منهم «يَتَرَقَّبُ».


ينظر فى وجوه الناس، يرقب انفعالاتهم نحوه، فربما جاءوا ليأخذوه، كما يقولون: يكاد المريب أنْ يقول: خذونى، فلو جلس قوم فى مكان، ثم فاجأهم رجال الشرطة تراهم مطمئنين لا يخافون من شيء، أما المجرم فيفر هارباً. ومن ذلك ما يقوله أهل الريف: (اللى على راسه بطحة يحسس عليها).


وهو على هذه الحال من الخوف والترقُّب إذ بالإسرائيلى الذى استغاث به بالأمس «يَسْتَصْرِخُهُ» استصرخ يعنى: صرخ، ونادى على مَنْ يُخلّصه، وهو انفعال للاستنجاد للخلاص من مأزق، ومن ذلك قوله تعالى حكاية عن إبليس «ما أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ»- (إبراهيم).. وسبق أن تكلَّمنا فى همزة الإزالة نقول: صرخ فلان يعنى استنجد بأحد فأصرخه يعنى: أزال سبب صراخه، فمعنى الآية: أنا لا أزيل صراخكم، ولا أنتم تزيلون صراخى.


عندها قال موسى عليه السلام لصاحبه الذى أوقعه فى هذه الورطة بالأمس «إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ» تريد أنْ تُغويَنى بأنْ أفعل كما فعلت بالأمس، وما كان موسى عليه السلام ليقع فى نفس الخطأ الذى وقع فيه، فلا يُلْدَغ المؤمن من جُحْر مرتين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة