صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


رفعت الجلسة | العجز

جودت عيد

الخميس، 15 يوليه 2021 - 08:31 م

 

فى ليلة وضحاها القى والدى يمين الطلاق على أمى ، رماها فى جنح الليل وبحوزتها أربعة أطفال لا يتجاوز عمرهم ما بين الخامسة وحتى العاشرة ، دفعهم الى المجهول ، وكأنهم أغنام أراد أن يتخلص منها بعد ان أصابها مرض لعين.

كنت اتفهم ما فعله أبى، باعتبارى الابن الأكبر، وأدرك قساوة ما ارتكبه، فقد كان فظا غليظا عندما طردنا من المنزل ، أعرفه جيدا هو لا يحب المسئولية، ويبحث دائما عن نفسه وإشباع غرائزه.


تزوج أبى فى اليوم الثانى ، ولم يكلف نفسه بالسؤال عنا ، لجأت والدتى الى أهلها الفقراء ، لم تجد سوى كفوف العجز وقلة الحيلة مثلنا.


استأجرنا بيتا قديما فى قريتنا باحد مراكز محافظة البحيرة ، كان يخشاه الكثيرون ، بسبب قصص الجن والرعب التى سكنت كل جدرانه ، لكن فى ذلك الوقت لم يتملكنا الخوف ، كنا نبحث عن مأوى لأجسادنا شبه العارية لحمايتها من بطش الدنيا.


بعد أيام من المعاناة ..أدركت أن والدتى أصبحت عاجزة أمام الفقر وقلة الحيلة التى حاصرتنا ، لم يكن هناك بديل ، امسكت بفأسى، وألقيت بجسدى فى سيارات القرية التى تذهب للعمل فى المزارع الكبرى..

مرت ثلاثة اعوام والوضع تحسن قليلا ، كبر اشقائى، واصبحوا قادرين على العمل معى ، وبدأت والدتى فى ترتيب حياتنا ، وادخار جزء من أموالنا للمستقبل.


ورغم أننا لا نقرأ ولا نكتب بسبب جهل والدى الذى رفض ادخالنا التعليم ، إلا ان والدتى كانت تدرك الواقع جيدا ، مبلغا من المال كان كافيا لجعلها تحلم معنا بالمستقبل القريب.


لم يمهلنا القدر كثيرا ، سقط جسدى من مكان مرتفع خلال عملى ، اصطدمت قدماى بحجر ضخم ، صرخت ، وبعدها فقدت الوعى ، ساعات واخبرنى الاطباء ان قدمى علاجها البتر، وهذا متروك لى.


لم تكن تشغلنى تلك القدم ، بترها قادم لا محالة، رغم بصيص الأمل الذى منحنى اياه احد الاطباء بعد ان عرضت عليه حالتى ، لكن ما كان يهمنى اشقائى، ووالدتي، الذين أصبحوا بلا عائل ، بعد ان اصبحت عاجزا حتى عن الحركة، فليس هناك مال للعلاج ، وعمل للانفاق على احتياجات اسرتى.


هل تعلم يا سيدى انه فى هذه اللحظة التى ابعث لك بتسجيل صوتى عن حالتى .. اجلس على السرير فى بيتنا الريفى المتواضع عاجزا ويجلس امامى وخلفى اشقائى ، الكل يشفق عليا، وانا اشفق على هذه الاجساد الصغيرة من العمل، وعلى هذه الام من البكاء ، لكن لا حول لى ولا قوة ، فهذا قدرى وانا راضٍ به.


اقولها بصراحة .. لست متسولا ولا امارسه رغم الظروف الصعبة التى تعيشها اسرتى ، لكن ما أردت إلقاء الضوء عليه ، حالة التجاهل الكبيرة التى اراها من المسئولين تجاه حالتى ، فكلما تقدمت لطلب المساعدة من المؤسسات لا يستمع الى أحد ، حتى الجهة التى كانت سببا فى إصابتى ، تركتنى اعانى ، وتجاهلت كل مطالبتى وحقوقى فى التعويض.


ليس هذا فقط ، بل ان ما يدعون انهم يساعدون المرأة ويبحثون عن حقها ليس لهم ظهور فى قريتنا. .

هنا يا سيدى فى هذا النجع الذى نعيش فيه ليس من حق الأم ان تقاضى الاب بعد الانفصال او تطالب بحقوقها ، يكفى فقط عشرات الجنيهات يلقيها ذلك الزوج شهريا للزوجة لإسكاتها بقية عمرها ، فثقافة القانون مختفية فى الريف، ويطغى العرف على كل معاملاتنا.


نهاية .. هناك مأساة تعيشها اسرتى ، أنفقت والدتى كل ما ادخرته على علاجى ، لكن دون جدوى واصبحنا لا حول لنا ولا قوة.


رسالتى تحمل استغاثة لكل من يعلم ان الفقر وقلة الحيلة قاتل ، وكل من يدرك ان انقاذ اسرة من الهلاك واجب دينى وانسانى.


وأملى فى محامٍ يتطوع للبحث عن حقوقنا نحن الصغار من أبينا الذى تخلى عنا فى يوم كنا فى أشد الحاجة إليه .. ومن الجهة التى تركتني، ورفضت تعويضي.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة