جلال عارف
جلال عارف


فى الصميم

لهذا تستمر الحرب على ثورة يوليو ولهذا تفشل كل الحروب

جلال عارف

الجمعة، 16 يوليه 2021 - 07:50 م

يأتى عيد ثورة ٢٣ يوليو المجيدة هذا العام، ومصر تخوض معركة حياة ضد العدوان الإثيوبى على الحقوق التاريخية فى مياه النيل. وفى المعركة مازال رصيد مصر فى ظل ثورة يوليو وهى تدعم بكل قوة نضال شعوب إفريقيا من أجل التحرر يمثل رصيداً كبيرا لمصر رغم ما خصمته منه سنوات الابتعاد عن سياسات يوليو بعد رحيل عبدالناصر.
مازالت شعوب إفريقيا تذكر هذا الدور العظيم وتذكر كيف كانت القاهرة عاصمة حركات التحرر الإفريقية، وكيف كان دعمها هو السند الأكبر فى مواجهة ظروف صعبة. ومازال ذلك يمثل الرد الأكبر على أكاذيب أثيوبيا ومحاولتها المنحطة لزرع الفتنة بين شعوب افريقيا التى تعرف جيداً كيف كانت إثيوبيا سنداً للدول الاستعمارية ضد نضال الشعوب إفريقيا!!
ولم يكن هذا إلا وجهاً واحداً مما انجزته مصر على كل الأصعدة فى ظل ثورة يوليو. لقد أسقطت الثورة نظاما للحكم كان ينتظر النهاية المحتومة. لكن الثورة حافظت على ميراث عظيم لحركة وطنية ناضلت طويلا من أجل الاستقلال ومن أجل دولة تقوم على العدل والحرية، وتنهض بالعلم والعمل.
من أجل هذا استطاعت «يوليو» أن تملك مشروعها لبناء الدولة الحديثة انطلاقاً من ميراث الحركة الوطنية. وبدأت على الفور معركة التحرير والبناء فى الداخل، مع رؤية كاملة لموقع مصر فى قلب العالم العربى والإفريقى، محتفظاً بدوائره الإسلامية والمتوسطية ثم بدوره القيادى فى حركة العالم الثالث من أجل التنمية والتقدم واللحاق بالعصر.
والمهم أنها نسجت كل ذلك انطلاقاً من البناء الداخلى ومن أجل حمايته وتدعيمه. فلم يكن ممكناً أن تكون مصر حاضرة بهذه القوة فى عالمها العربى وفى قارتها الإفريقية وفى علاقاتها بالعالم وهى تحت الاحتلال البريطانى، وفى ظل نظام كان قبل الثورة راضياً بعجزه وفساده مادامت الطبقة الحاكمة تملك كل شىء فى مصر، ولا تترك لغالبية المصريين إلا الجهل والفقر والمرض. والوعود الرسمية بمكافحة الحفاء!!
وأظن هنا أن من حق الأجيال الجديدة التى تعرضت لأبشع عمليات تزييف التاريخ أن تعرف الحقائق. لم تكن مصر قبل يوليو هى هذه القصور الباذخة للبهوات والباشوات، أو الشوارع النظيفة التى لا يدخلها المصريون.. بل كانت هى الدولة التى مازال الاستعمار جاثماً على أرضها، ومازال النهب والاستغلال هو من يحكمها.
قبل يوليو.. كانت نسبة البطالة قد وصلت إلى ٤٦٪، وكانت الأمية تطال ٩٠٪ من شعب مصر، وكانت نسبة المعدمين تتجاوز ٨٠٪ وكان متوسط أجر العامل الزراعى ١٤ جنيها فى العام.. بينما كانت قيمة الاستثمار فى آخر ميزانية قبل الثورة هى.. صفر!!
هذا هو الواقع الذى انطلقت منه ثورة يوليو. وإذا كانت ملامح الطريق قد بدأت مع الاصلاح الزراعى بعد أقل من شهرين على الثورة، ومع حشد الجهود لإنهاء الاحتلال البريطانى الذى كان قد مضى سبعون عاما.. فإن الخطوات الأساسية بدأت بعد ٤ سنوات. خرج ثمانون ألفاً من جنود الاحتلال الذين كانوا يرابطون على طول قناة السويس، وبعد أسابيع كان استرداد القناة المنهوبة، ثم كان النصر على العدوان الثلاثى.. لتنطلق مصر متحررة من قيود الاحتلال والاستغلال لأول مرة منذ قرون.
وعلى مدى عشر سنوات حققت مصر أعلى معدلات التنمية فى تاريخها بنت السد العالى وأكثر من ألف مصنع. عوضت الفقراء عن سنوات الحرمان الطويلة. منحتهم التعليم والعلاج المجانيين، وفتحت الباب أمام أبنائهم ليكونوا فى المقدمة. واجهت حروبا لا تنتهى من الكثيرين الذين تزعجهم مصر القوية لكنها - حتى عندما نجحوا فى ٦٧ - لم تستسلم بل صمدت وقاومت حتى انتصرت فى أكتوبر العظيم. لم يذهب ما زرعته يوليو سدى. رغم الحصار كانت قواها الذاتية قادرة على توفير متطلبات الحياة واحتياجات النصر. بل إنها فى ظل حروب الاستنزاف حققت أعلى معدلات التنمية وأكملت بناء السد العالى وبدأت مشروعات ضخمة مثل مجمع الألمونيوم.
> > >
واليوم.. وبعد ما يقرب من سبعين عاماً مازالت الحرب مستمرة على يوليو، ومازال الثأر مطلوبا منها، ومازالت ذكرى عبدالناصر تؤرق الكثيرين من الذين يرون فى مصر القوية القادرة خطراً على مؤامراتهم ومخططاتهم المعادية.
لكن مصر تمضى فى طريقها، ودرس يوليو يبقى راسخاً فى الضمير الوطنى.
حين تمتلك مصر قرارها، وتحدد رؤيتها، وتنحاز للعدل والحرية، وتبنى دولتها الحديثة بالعلم والعمل والمساواة بين كل المواطنين.. فإن النصر أكيد رغم كل التحديات.
تحية لثورة يوليو العظيمة ولقائدها عبدالناصر. ولاعزاء لمن فشلوا فى اغتيال الثورة أو القائد. شعب مصر بكامله يعرف أنهم لا يقاتلون معارك الماضى بل معارك الحاضر والمستقبل سيظل هذا هو جوهر الصراع حتى نحسمه، ونحن قادرون على ذلك.. وهكذا تعلمنا ثورة يوليو.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة