جنرالات المقاهى!
جنرالات المقاهى!


«أبو العريف» تحول لخبير فى كل شىء

جنرالات المقاهى!

آخر ساعة

الأحد، 18 يوليه 2021 - 11:36 ص

هانئ مباشر

لمــــاذا كــــثر "الفتــــي" و"الفتـايين" و"جــــــنرالات المقـــــاهي" مـــدعــــو العلـــم والمعـــرفة ببواطن الأمـور فى مجتمعنا؟! ولماذا نجد أن من يفترض أنهم متعلمون يرددون كلام هؤلاء "الفتايين"؟ وهل أسهمت السوشيال ميديا والإعلام فى انتشار تلك الظاهرة.. وكيف نواجهها ونعالجها؟

من المنطقى أن يصلح كثيرون لأن يكونوا خبراء فى كرة القدم أو الفن ويتحدثون فى تشكيل الفرق وطرق اللعب أو تمثيل هذا الفنان أو أداء تلك الفنانة، وهو أمر قد يجرى تقبُله باعتبار أن الأمر لا يخرج عن إطار ترفيهى وسلوك تشجيعي، لكن الكارثة أن معظمنا أصبح خبيراً استراتيجياً فى كل الأمور، وأصبحنا نفتى فى كل القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية حتى تلك التى تمس الأمن القوى والعلاقات مع الدول.

والأكثر غرابة أن هناك صفحات على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك" تحظى بمتابعة واهتمام عشرات الآلاف من المتابعين على الرغم من أنها مجهولة النسب أو تحمل أسماء لشخصيات وهمية أو أن أصحابها لا يظهرون ولا يتفاعلون إلا إلكترونياً ولا يظهرون بصورتهم الحقيقية أو يتواجدون فى مناسبات عامة أو خاصة أو مجرد شخصيات عادية وظيفياً وتعليمياً، ويفتون فى كل شيء.

وخلال الأيام الماضية، وجدنا من ينصبون أنفسهم كخبراء وعالمين ببواطن الأمور ويضعون سيناريوهات الفترة المقبلة للتعامل مع ملف سد النهضة ونهر النيل، بل ووصل الحال إلى الحديث عن معرفتهم بالخطط العسكرية لضرب السد بل ومعرفتهم بأنواع التسليح المختلفة.

"أبو العريف"، لقب يطلقه الناس على الشخص الذى يدعى أنه عالم بكل الأمور وبواطنها وبشكل لا يستطيع الآخرون معرفتها، ولا يعترف أنه يجهل أو لا يعرف فى بعض أمور الكون، ويصر على الحديث فى كل شيء ويقدم التفسيرات والتأويلات دون معرفة حقيقية، هذه الشخصية أياً كان اسمها أو وضعها هى أحد مساوئ وسائل التواصل الاجتماعى، والتى جعلتنا أمام سيول من الفتى و"الهري" المستمر عن قصد وبدون قصد.

 

الدكتـــور فتحى الشـــــرقاوى، أســـــتاذ علـــم النفس السياسي، ونائب رئيس جامعة عين شمس الأسبق، يقول: هذا النمط من أنماط الشخصية يطلق عليه مدعو المعرفة، وبلغة أهل البلد "الفتاى الهراى اللى طول النهار بيفتى فى اللى يعرفه واللى مايعرفوش".

ومن خصائص هذه الشخصية الطلاقة والمــــرونـــة اللفظيـــــة الهــــــائلــــة، والجــــاذبيـة الشخصية أثناء الحديث، وعدم القدرة على الإنصات للآخرين، ويقدم موضوعاته بشكل سطحى يفتقر للعمق والتفصيل، والإحساس بالفوقية لأنه يعتقد أنه يفهم ويعلم ما لا يفهمه الآخرون، وعادة ما يجد أبو العريف نفسه مع الشخص ذى الفقر المعلوماتى والثقافة الهشة وأصحاب الانفعالات الفجة بعيدة عن العقلانية لأنهم يصدقون كل ما يقوله أبو العريف أو جنرالات المقاهي، وهذه الشخصيات المضطربة فى حاجة إلى علاج نفسي.

ولقد لعبت "السوشيال ميديا" وتحديداً "فيسبوك" دوراً كبيراً فى تضخيم هذه النوعية من الشخصيات، لأنها لا تجد من يرد عليها، ويصحح لها الأفكار والمفاهيم، فيعتقد صاحب هذه الشخصية أنه الأصوب والأذكى، مما يجعله يشعر بالفوقية و"تورم الأنا" أيضا.

ويتابع: السبيل الوحيد لوقف هذه الشخصيات عن "الفتى والهري" هو وجود شخص متخصص يعلم دقائق وتفاصيل الموضوع الذى يفتى فيه "الهراي"، وحبذا لو أن هذا المتخصص يجيد فن إدارة الحوار، ففى هذه اللحظة يبدأ "الفتاي" فى الظهور بمظهر الضعيف غير العالم ببواطن الأمور كما كان يريد إيهام الآخرين. لذلك نصيحتى عندما تجد من يتحدث بمعلومات وآراء غير صحيحة لا تتبع معه أسلوب تركه فى حاله، بل رد عليه وبقوة لأن أمثال هذه الشخصيات تؤثر بالسلب على قطاعات أخرى عديدة  خاصة من الأميين والبسطاء، مع إحراجه بشياكة بعيدا عن أساليب العنف اللفظى وكشف مدى زيف أفكاره وعدم صحتها، وعدم السماح لمثل هذه الشخصيات بالتواجد فى الإعلام بكافة روافده، ولو تطلب الأمر وجودهم حينئذ يتطلب وجود متخصص للرد عليه لكشف كذبه، مع الاستمرار فى سياسة المكاشفة والمصارحة مع الرأى العام من قبل الجهات المسئولة وعرض الحقائق أولاً بأول ووأد الشائعات مع عدم منح أى فرصة لانتشارها أو تفاقمها.

ويؤكد أن هناك مسئولية تقع على الجميع وعلى نهج "مبدأ الوقاية خير من العلاج"، وأعنى أن يلم كل شخص بعمله وتنفيذ ما هو مكلف به ويراعى ما له وعليه فى كل تفاصيل حياته، وبعدها يمكنه أن يفتى فى أى أمر آخر فى حدود علمه ومعرفته فقط من منطلق "من قال لا أعرف فقد أفتى".

مهدى محمد حسين القصاص، أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب المنصورة، فيقول إن شخصية أبو العريف موجودة بيننا، يبنى علاقته الاجتماعية على دعائم معرفته الزائفة بكل الأمور والقضايا، فإذا تحدثت عن السياسة تجده رئيس حزب سياسى مخضرما، وإذا كنت تعانى المرض ستجده الدكتور مجدى يعقوب شخصيا، وإذا سألت فى الشأن العسكرى سيسارع فى تقمص شخصية جنرال خاض كل المعارك ويضع الخطط القتالية ويتحدث فى كل أنواع التسليح والأسلحة.. إلخ.

وهذا النوع يمكن أن يدخل تحت فئة مروجى الإشاعات، فلا يختلف ما يقوله أو يكتبه إن لم يستند على مصدر معتبر أو بيانات موثقة عما يروِّج له كشائعة والتى نعرفها على أنها مجرد خبر أو مجموعة من الأخبار الزائفة تنتشر وتتداول على العامة؛ ولا تستند لمصدر، وتنتشر بين الناس حول مواقع التواصل الاجتماعي.

والشائعات قد تكون اقتصادية وسياسية واجتماعية، وقد تكون من داخل أو خارج المجتمع، أو اتهامية، وقد تكون استطلاعية أو إسقاطية أو تبريرية أو خوف أو كراهية وهدفها خلق حالة من عدم الثقة والتنبؤ وجذب الانتباه والميل إلى تصديق الشائعات، والانحياز العاطفى والحالة الانفعالية للشخص، كما أن هناك سمات شخصية لمروجى الشائعات، وهى أنه لا يتمتع بضمير حى وليس لديه رقيب على أفعاله، وغير ملتزم فى الغالب بأوامر الدين ومندفع وسطحى وجاهل وعديم الثقافة وسلبى ويتميز فى سمة الضبط الانفعالى بحسب قولها، وللأسف تأثير مثل هذه الشخصية فيما مضى كان فى حدود داوئر معارفها سواء أسرتها أو عملها أو محل إقامتها.

لكن منذ يناير 2011، وخلال سنوات الفوضى وسقوط عدد من المؤسسات ومع التوسع فى استخدام شبكات الإنترنت وظهور مواقع التواصل الا جتماعى وتوفير الأجهزة وأدوات بثها بأسعار لا تذكر انتشرت أنماط كثيرة من السلوكيات، وصحيح أن تلك الوسائل لعبت دوراً إيجابياً من جانب، لكنها من جانب آخر لعبت دوراً سلبياً بلا شك، ومن بين تلك السلبيات خلق رأى عام غير حقيقى وبلا وعى فى أحيان كثيرة، لأن هناك معلومات وأخبارا وأفكارا خاطئة، سواء بحسن نية أو سوء نية تنتشر بشكل واسع، ومع زيادة الضغوطات اندفع قطاع واسع من المصريين إلى حالة جماعية من الهوس المجتمعى بهذه المواقع التى كانت أيضا ساحة خصبة لانتشار شخصية "أبو العريف" وبدرجات متباينة مما ساهم تباعا فى انتشار الشائعات، ووفق بيانات فإن موقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك" هى المنصة الأكثر متابعة فى مصر، وبعدها يأتى "إنستجرام" و"تويتر" فى معدل الشائعات وإتاحة المعلومات بصورة علمية هى أهم آليات الرد على الشائعات.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة