ليس لهذه الحملة أي معني ولا فائدة وما قلته عن التعليم والعدل قائم. طبعا لن أتحدث عن الإعلام وما نسمعه من اتهامات والفاظ لا تليق إلا بالشوارع والبارات الرديئة مما ينسف أي حديث عن الأخلاق.
هل يمكن لحملة في الشوارع أو في الميديا - إذاعة وتليفزيونا - أن تساهم في تطور الاخلاق عند شعب من الشعوب؟ كي نجيب عن ذلك يجب أن نعرف أولا كيف يمكن أن تنمو الأخلاق عند البشر.
الإنسان يولد في بيت ويعيش في مجتمع له مظاهر كثيرة علي رأسها العلم والعدل والمساواة. وقديما قال الشاعر: بالعلم والمال يبني الناس ملكهم ، لم يُبنَ ملك علي جهل وإقلال.
العلم هو أول ما يواجه الانسان في بيته صغيرا وفي المدرسة منذ سنه المبكرة. فلننظر إلي حالة العلم في مصر الآن ومنذ أكثر من أربعين سنة. لن أعيد عليكم ما جري في المدارس من قلة أعدادها وازدحامها بالطلاب حتي صار العلم خارجها في البيوت دروسا أو في الفصول الخاصة أو فصول التقوية. وليس لدينا دراسة حقيقية عن عدد المتسربين من التعليم الذين لا شك تفوقوا علي أي عصر من العصور السابقة. حال المدارس الآن يتلخص في كلمة واحدة هي الهروب منها والعلم يتلخص في حالة واحدة هي الحفظ والتلقين. والمدارس لا تكون لها صلة بالأخلاق إلا إذا عادت مراكز ثقافية للفنون والآداب والقراءة والرياضة إلي جوار العلم وهذا كله بابه سهل لمن يريد من رجال الحكم وهو بناء مدارس كافية بحيث لا تكون الفصول مترعة بمن فيها والنظر في ماضي التعليم العام في مصر حتي ستينيات القرن الماضي ليعرفوا كيف كانت المدارس.
بعد العلم ومعه نأتي إلي العدل. والنظر في مقياس العدل في بلادنا الآن يصدم اي شخص يعمل بالسياسة أو لا يعمل بالسياسة فعدد المتهمين في قضايا سياسية تفوق علي كل عصر وكلهم تقريبا من الشباب والقصّر حتي صار الحبس الاحتياطي عامين وأكثر يتسع لأي شخص حتي لو ارتدي تي شيرت عليه شعار جميل مثل وطن بلا تعذيب كما هو في حالة الطفل الذي دخل مرحلة الشباب محمود محمد. كما نسمع ونقرأ عن عشرات الحالات من الاختفاء القسري يظهر بعضها من حسني الحظ في السجون وغيرهم في مشرحة زينهم.
وبعيدا عن السجون والاعتقالات فالرائج الآن أن علي الشعب أن يتحمل مهمة المشروعات الجديدة في الوقت الذي انخفضت فيه الضريبة من حدها الاقصي الذي استقر بعد ثورة يناير وهو ثلاثون في المائة إلي اثنين وعشرين ونصف في المائة كما تم الغاء الخمسة في المائة التي جعلها بعض رجال الأعمال قانونا يتم بمقتضاه دفع هذه النسبة في هيئة مشروعات لمدة ثلاث سنوات لكن الدولة لا تريد أن يفعل أحد المشروعات غيرها فألغتها وهي التي تقيم المشروع أبو عشرة قروش بمائة قرش. أي أن الدولة انحازت إلي الاغنياء وراحت تفتش في جيوب الفقراء. حتي حين وافق الأغنياء علي الضريبة الزائدة قالت لهم شكرا، الشعب الجائع يتحمل الجوع أكثر. فكيف تكون الأخلاق في بلد ظالم بهذا الشكل؟!
ثم نسمع أن من سيقوم بالحملة للاخلاق اسماء كل همها أن يتحول الشعب إلي الطاعة للحاكم ولا يكون له رأي ومن بينهم الداعية عمرو خالد الذي افسد عقول الملايين باحاديث تافهة. لقد عرفت قبل أن أكتب هذا المقال أنه تم استبعاده لكن بعيدا عن ذلك ليس لهذه الحملة أي معني ولا فائدة وما قلته عن التعليم والعدل قائم. طبعا لن أتحدث عن الإعلام وما نسمعه من اتهامات والفاظ لا تليق إلا بالشوارع والبارات الرديئة مما ينسف أي حديث عن الأخلاق.
الأخلاق ليست كلاما مرسلا ولا حملات توعية. الاخلاق فعل يقوم به الكبير أولا ليتعلمه أو يقتنع به الصغير. وحينما نري نظاما يري أن سبب فساده وعجزه هو الشعب فلا أظن أن أخلاقا يمكن أن تقوم مهما صدّر النظام للشعب من الفاظ حلوة.