وللحق.. أنني وكثيرين غيري لا نتوقع من هذا البرلمان أن يفعل ذلك ولكننا نتمني أن يُخلف سوء ظننا به ويفاجئنا بأنه يدافع عن مصالح الشعب حقاً.

الذين لا يعرفون الشعب المصري ولم يقرأوا تاريخه جيداً يتصورون أن ثورة يناير فشلت أو ماتت.. ولكن الثورات تتعثر ولا تموت وخاصة إذا كانت دواعي إنفجارها لاتزال قائمة ومستميتة في مقاومة التغيير، وهو ما تؤكده تجارب الثورات الكُبري في العالم.. وثورة يناير ليست إستثناءً ولكنها «نبضة نمو مُجهَضَة لم تبلغ مداها بعد» علي حد وصف الدكتور محمد المهدي إستاذ الطب النفسي.. صحيح أنها لم تحقق أياً من أهدافها الكُبري إلا أن نبض الثورة مازال يسري في شرايين المجتمع ووجدان الشعب كتيار تحتي غير منظور رغم كل المحاولات التي تجري علي السطح - من جانب عناصر الثورة المضادة التي يقودها نظام مبارك معتمداً علي إعلامه ودولته العميقة ، لتشويهها وشيطنتها.. ويمكنني هنا أن أردد بضمير وطني مستريح تحذير الشاعر القديم «أري تحت الرمادِ وميضَ نارِ.. ويوشكُ أن يكون له ضِرامُ».. ولا أراني مبالغاً عندما أقول إن الممارسات والتجاوزات الأمنية والعدوان علي حرية الرأي والتعبير بلغت حداً يُشكل خطراً علي النظام الحالي المحاصر بالفعل بأخطار داخلية وخارجية لا قِبَلَ لأحدٍ بها.. وعلي كل المُخلِصين لهذا الوطن الإنتباه جيداً إلي أن تغوّل دولة الأمن وتفاقم قمعها هو الذي أسقط نظام مبارك إذ بدأت الثورة عليه في ذكري عيد الشرطة، وفي ذلك ألف رسالة ومعني ومغزي لمَن ألقي السمع وهو شهيد.
والمُحزن إلي حد الفجيعة أن الدولة الأمنية مصابة بالعمي الحيسي إذ أنها في خضم محاولاتها الحثيثة لإعادة الأمور إلي ما كانت عليه قبل ثورة يناير، تتجاهل حقائق واضحة كنور الشمس.. وتنسي أن الشعب تغير وكسر حاجز الخوف وباتت عيونه مفتوحة ومترصدة وكاشفة لكل التجاوزات.. وصار من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يُفلتَ لصٌ بما سرق أو ينجوَ مجرم من العقاب العادل، إن لم يكن اليوم فغداً.. وربما لا أتجاوز كثيراً إن قلتُ إنه حتي البرلمان الجديد الذي يري الكثيرون أنه لا يعبر عن الثورة وأن أجهزة أمنية شاركت في تشكيله من وراء ستار، يثبت بتركيبته الحالية أن تغييراً ما قد حدث في المجتمع تمثل في دخول هذا العدد الكبير من الشباب والمرأة والمسيحيين عبر الإنتخابات الحرة المباشرة ولأول مرة منذ عشرات السنين.. وهذا بالقطع واحد من الإنجازات الإيجابية للثورة.. بل إنني لا أستبعد أن يفاجئنا كثير من أعضاء هذا البرلمان وبفعل الضغوط الشعبية المباشرة في دوائرهم بالتصدي للأجندة الإقتصادية الكارثية للحكومة والتي تتبني نفس سياسات نظام مبارك القائمة علي الإقتراض من الخارج والإذعان لشروط وإملاءات المُقرِضين.. فنواب الصعيد مثلاً لا يمكنهم السكوت علي إستمرار تهميش الإقليم وإفقاره وتدهور الخدمات الرئيسية وفشل المحافظين في إنقاذ محاصيل القطن والقمح وقصب السكر الذي توشك صناعته علي الإنهيار تماماً.. ونواب بحري والعاصمة سيفقدون شعبيتهم ومصداقيتهم لو سمحوا بانهيار صناعة الحديد والصلب والنسيج وغيرها وتركوا آلاف المصانع مغلقة.. والبرلمان بأسره سيرتكب جريمة لا تغتفر إذا سمح بالمصالحة مع لصوص المال العام من عصابة مبارك لأن ذلك يبعث رسالة لكل مَن يسرق أو يفكر في السرقة أن يفعل ما يحلو له لأن «الدولة تضمن له المصالحة ورد الإعتبار»!!.. وواجب ممثلي الشعب صاحب السلطة الأعلي الإصرار علي تطبيق الحد الأقصي للدخول ومحاربة الغلاء والفساد وتعزيز دور الجهاز المركزي للمحاسبات في الرقابة علي كل وزارات ومؤسسات الدولة بلا إستثناء..
وللحق.. أنني وكثيرين غيري لا نتوقع من هذا البرلمان أن يفعل ذلك ولكننا نتمني أن يُخلف سوء ظننا به ويفاجئنا بأنه يدافع عن مصالح الشعب حقاً.