تأملات فى حدائق نازلى مدكور
تأملات فى حدائق نازلى مدكور
الإثنين، 26 يوليه 2021 - 12:28 م
كتبت :منى عبدالكريم
هل تمردت الطبيعة لتستعيد مكانتها؟ سؤال طرحته ألوان السماء الصافية، وزرقة البحر وأزهار الورد المبهجة خلال فترات العزلة التى فرضها كورونا علينا جميعا، فلم يسبق أن رأينا الطبيعة التى بذلك الانتعاش وكأنها تنفست الصعداء واستعادت عافيتها بينما يحبس الإنسان أنفاسه.
فى معرض الفنانة نازلى مدكور الذى استضافته منذ فترة غير بعيدة قاعة بيكاسو بالزمالك، تجددت كثير من تلك الأسئلة بينما اختارت الفنانة أن تكون الزهور هى بطلة المعرض الذى استغرقها بالكامل خلال فترة العزلة التى تسبب فيها كورونا.
منابع الإلهام عند مدكور لا تتوقف عند تعلقها بالطبيعة وتأملها لذاتها واستماعها لصوتها الداخلى فحسب، إذ لا يمكن إغفال ثقافتها الواسعة وقراءاتها المستمرة فى الآداب والفنون والفلسفة والنقد، واطلاعها على كل ما يحدث فى عالم الفن حتى فيما يتعلق بأعمال التركيب والفيديو أرت، كل تلك العوامل التى تتضافر معا لتخرج فى أعمالها الفنية
لم تكن تلك هى المرة الأولى التى تحتل فيها الزهور بطولة لوحات نازلى مدكور فقد كانت هى كذلك بطلة معرضها السابق حدائق خاصة، لكن المختلف تلك المرة هو حالة التأمل التى فرضتها كورونا والتى انعكست فى اختيار اسم المعرض اتأملات، أو اانعكاسات كدلالة إضافية يحملها اسم المعرض بالإنجليزية، إذ يأتى المعرض كحالة تأملية فى ذات الفنانة وفى محيطها فى ظل ما يحدث.
ورغم أن الفنان غالبا ما يعيش فى حالة عزلة مؤتنسا بفنه لكن الأمر كان مختلفا تلك المرة إذ تقول مدكور ابلا شك أعطتنا فترة كورونا مزيدا من الوقت، لكن الحقيقة أن ذلك جاء مع تركيز أقل، فقد كان العمل بكل لوحة يستغرق وقتا أطول، لقد انشغلنا جميعا بأسئلة أربكتنا تلك الحالة من الارتباك اتضحت فى كلمتها للمعرض التى قالت فيها ا لأكثر من عام ونحن جميعا نحاول أن نستجلى أبعاد حياة اعادية جديدة غير واضحة المعالم، ونقيم الحداد على ازمن سابقب، تصورنا ثباته، فلقد واجهنا- وما زلنا نواجه- وضعا غرائبيا مرتبكا، يدفعنا للبحث عن مكان آمن نلجأ إليه فى أعماق أفكارنا وخيالنا، حيث يختلط الماضى والحاضر والمستقبل فى مساحة ضبابية غامضة .. وقد اتجهت فى أعمال معرضى - المغلفة بهمهة قلقة ذ إلى البحث عن المعنى من خلال التأمل والاستبطان، وذلك لإعادة تقييم وتصور العالم الداخلى فراحت لوحاتى تستمع إلى همسات من الماضى وتستقبل ومضات من مستقبل غير معلوم فى دأب ومثابرة.
وتأتى اللوحات التى تم عرضها من خلال معرض اتأملات كحلقة جديدة فى سلسلة الأعمال التى تستعير بعض عناصرها من الورود والنباتات والتى بدأتها مدكور منذ حوالى عشر سنوات. لكن ارتباط نازلى بالطبيعة كان موجوداً منذ بداية مشوارها الفني، إذ كانت الطبيعة حاضرة بقوة وبواقعية فى مسطحها التتشكيلى منذ الثمانينات، لكن بأسلوب مختلف.
ولا تشبه زهور نازلى أى زهور، فقد تحررت من الواقع وقفزت فوق حواجز التصنيف، لتتحول بين يديها للغة متمردة تفرض سطوتها على المسطح إقداما وانسحابا لتقول عنها االزهور بالنسبة لى وسيط لنقل المشاعر بما تحمله من ليونة وخشونة، بأوراقها الجميلة وبأشواكها، بتلك الرومانسية والحالات الدرامية التى تفرضها، ولذا أستعين بها كوسيط للتعبير عن أفكارى ومشاعرىب، ولا ترسم نازلى زهورا بعينها، إنما تعيد إنتاج تلك المشاهد المختزنة فى ذاكرتها البصرية والوجدانية، لتقدمها بأسلوبها الفنى الذى ينجى منحى التجريدية ويجمع بين عدة مدارس فنية كالتعبيرية والتأثيرية.
وقد تمكنت الفنانة نازلى مدكور من ترجمة حالة الصراع الداخلى على المسطح ببراعة اتضحت فى حالات التباين فى العمل الواحد ملمسا ولونا، إضافة لذلك فقد اعتمدت الفنانة على إثراء مسطحها بطبقات عدة تغذى بعضها البعض تكشف فى بعضها عما تحمله الطبقات الغائرة وتطمس فى بعضها أجزاء كثيرة تعيش فى الباطن.
وتعتبر كل لوحة مغامرة تخوضها الفنانة دون نتائج محددة مسبقا، حيث تقول انظرا لأننى أقدم على اللوحة بدون أى تجهيز أو تخطيطات مسبقة وحيث إننى أسعى إلى أن تنبع اللوحة بشكل يكاد يكون عضوى من سطح القماش و أن يكون لها كيانها المستقل فإننى أسعد أثناء عملى بعنصرى المفاجأة والاكتشاف وبالإثارة الناتجة عن غير المعلوم وعن عدم معرفة نهاية الطريق.
والحقيقة أن منابع الإلهام عند مدكور لا تتوقف عند تعلقها بالطبيعة وتأملها لذاتها واستماعها لصوتها الداخلى فحسب، إذ لا يمكن إغفال ثقافتها الواسعة وقراءاتها المستمرة فى الآداب والفنون والفلسفة والنقد، واطلاعها على كل ما يحدث فى عالم الفن حتى فيما يتعلق بأعمال التركيب والفيديو أرت، كل تلك العوامل التى تتضافر معا لتخرج فى أعمالها الفنية.
المصدر : أخبار الادب