أقراص الغلة السامة
أقراص الغلة السامة


«فوسفيد الألومنيوم».. القاتل الصامت يحصد أرواح الشباب بالشرقية

محمد الجريتلي

الإثنين، 26 يوليه 2021 - 02:14 م

◄ جثث ضحايا «الفوسفين» لا يوجد بها علامات إلا شفاه زرقاء وجسد بارد
◄ أستاذ الوراثة بطب بيطري الزقازيق: الغاز يسبب تلف كل أجهزة الجسم .. وانخفاض ضغط  الدم وارتفاع السكر .. والفشل الكلوي
◄ مدير مستشفى الأحرار التعليمي بالزقازيق: الامتناع عن إعطاء المريض المياه .. وغسيل المعدة ببيكربونات الصوديوم وزيت البرافين 


الأقراص فيها سم قاتل، هكذا تحولت حبوب حفظ الغلال خلال الفترة الماضية  إلى قاتل صامت يحصد عشرات الأرواح بعد أن تسببت في إنهاء حياة عدة أشخاص قرروا التخلص من حياتهم باستخدام هذه الأقراص، التي تُباع على حد قول عدد كبير من المواطنين دون رقابة فى محال بيع المبيدات الزراعية، حتى وصل الأمر إلى حد بيعها فى محال البقالة بوابة " أخبار اليوم "  ترصد فى هذا الملف حكايات من دفتر المأساة من داخل عدة مناطق فى محافظة الشرقية..


سام ومميت
القاتل الصامت أو السم القاتل أو الغاز المميت، كلها مسميات تدل على عنوان واحد لأخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان أقراص  فوسفيد الألمينيوم (ALUMINIUM PHOSPHIDE)، أو الغاز الناتج عنها (الفوسفين)، سام ومميت وقاتل، وقد تم رصد عدد وفيات كثيرة ناتجة عن تسمم البشر والحيوانات إثر تعرضهم له، كما سجلت محافظة الشرقية العديد من حالات التسمم والوفيات بسبب استعمال "فوسفيد الألمينيوم" كمبيد للحشرات؛ للجهل بطريقة استخدامه أو كيفية تجنب أضراره والوقاية منه، فهو مثالي للقضاء على الحشرات، بجميع أنواعها ومراحل نموها، دون التأثير على حيوية النباتات أو بذورها، وهذا ما يؤدي إلى استخدامه في الأغراض الزراعية.

المشكلة الأكير.. أنه لا يوجد أي مضاد للتسمم أو ترياق لهذا الغاز، الأمر الذي يجعله أكثر خطورة من بقية المبيدات الحشرية، المصرح باستخدامها، حيث أنه يفترس ضحاياه بصمت، وتم حظر غاز (الفوسفين) بداية التسعينات في أمريكا، وتصنيفه كغاز سام، وفقاً لإدارة الصحة والأمان الأمريكية، المسؤولة عن الصحة في مجال العمل.

 

رأي الأطباء
يجمع الأطباء على أن جثة ضحايا (الفوسفين)، فإنه يكون من الصعب، التكهن بالمتسبب، لذلك فهو أشبه بالقاتل الصامت الذى لا يترك علامات أو دلائل على وجوده سوى شفاه زرقاء وجسد بارد، الأمر الذي يترك الأطباء في حيرة من أمره، وتكثر عندها الإستنتاجات والبحث عن الدلائل والقرائن لمثل هذه الحالات.

حالات انتحار
شهدت محافظة الشرقية العديد من حالات الموت بالحبة القاتلة، رصدت «بوابة أخبار اليوم» العديد من حالات الوفاة بالحبة القاتلة، حيث تخلص شاب  يدعى "أ ع"، 20 عاما بمركز الإبراهيمية من حياته، إثر تناوله حبوب الغلة السامة بسبب مروره بحالة نفسية سيئة لرفض أسرته عودته إلى خطيبته السابقة.

وتبين من التحريات أن المتوفى كان مرتبطا بإحدى الفتيات وجرى عقد القران، وقبل الزفاف توجه إلى الكوافير لاصطحاب عروسه إلا أنه لم يجدها.

وتبين له أن عروسه غادرت لعدم رغبتها في إتمام الزواج ما دفعه لتطليقها، وبعد فترة خطب الشاب فتاة أخرى، ولكنه رغب في العودة إلى الأولى، وهو الأمر الذي رفضه أهله، ما دفعه لتناول حبوب الغلال ووفاته.

 

وقد شهدت مدينة أبوكبير إنتحار تاجر أقمشة  عقب تناوله حبوب حفظ الغلة السامة لمروره بأزمة مالية في أبوكبير، وقد تلقى مركز شرطة أبوكبير اخطارا من مستشفى المركزي، باستقبال "محمود أمين" 38 عاما، يعمل في مجال الأقمشة مقيم بقرية بني عياض جثة هامدة إثر تناوله 2 قرص من حبوب حفظ الغلة، وأفادت أسرته بأنه أقدم على الانتحار لمروره بأزمة مالية بسبب الديون.

وقد شهد مركز ومدينة ابو كبير حادث مفجع بدأ بسقوط طالبة بالصف الثانى الإعدادى  مغشيًا عليها  قبل أن يجدها الأهالى ويتصل أحدهم على والدها والذى حضر مسرعًا إلى المكان ليحملها إلى مستشفى أبوكبير العام  لكن هناك تأكد وفاتها متأثرةً بتناولها نصف حبة من تلك التى تستخدم فى حفظ الغلال.

 

المشاهد الأخيرة وأقوال الأهالى دلتَ على أن أخر مشاهد للمتوفية "بسنت إيهاب محمود" الطالبة بالصف الثالث الإعدادى كانت رفقة 2 من زميلاتها بالصف الدراسى.

ساعات قليلة كانت كفيلة بتفجير المفاجأة الأولى والمصائب تباعًا إذ فوجىء أهالى الطفلتين " إيمان محمد عبدالله"" و"شاهندة محمد محمد" بهما تشكوان من آلام شديدة قبل أن يتم نقلهن إلى مستشفى "الزقازيق" الجامعى وهناك تأكدت الإصابة بنفس أعراض صديقتهم الأولى وتناولهن جميعًا حبة حفظ غلال.
نحو 10 ساعات فقط هى المدة التي قضتها "إيمان" بالمستشفى قبل أن تفارق الحياة فيما ساءت حالة صديقتها الأخيرة "شاهندة" وجرى نقلها إلى وحدة العناية المركزة بالمستشفى بعدما توقفت جميع أجهزة جسدها عن العمل تأثرًا بربع الحبة التى تناولتها والتي تسببت كذلك فى توقف تام للنبض لديها لتفارق الحياة هي الأخرى.

 

وكشفت التحريات بأن الفتيات كن يعانين من حالة نفسية سيئة خلال الآونه الأخيرة وأنهن رددن كلمات عن رغبتهن في الموت وبغضهن للحياة، وذلك بسبب انفصال والد ووالدة احداهن ومعاناتها بسبب مشكلاتهن، فيما اشتكت الآخريات من سوء معاملة أسرهن لهن، فضلا عن استيائهن من المشكلات التي تنشب بين آبائهن وأمهاتهن، ولكنها لم تآبه لهذا وظنت أنهن يمزحن أو حالة عابرة وستمر، إلا أن فوجئن بالأولى تسقط مغشيا عليها وبعدها صديقاتها وأفصحت الثالثه أنهن قمن بشراء حبات الغلال واقتسموها وكان النصيب الأكبر للحالة الأولى سويا.

وأضافت التحقيقات أن الصديقة الرابعة للفتيات والتي تم استدعاؤها في وقت لاحق أقرت أمام المباحث قائلة: الضحية الأولى وتدعى"بسنت" هي من أحضرت أقراص الغلال السامة ووضعتها في أكواب المياه قبل تناولها معا قائلة: "مكنوش عاوزين ينتحروا خالص والموضوع كان هزار وعاوزين يشوفوا أهاليهم هيعملوا إيه بس" وتم تحرير المحضر رقم 1726 اداري أبو كبير  لسنة 2020.

 

رخيصة الثمن
قالت إيمان السيد العربى أستاذ الوراثة بكلية الطب البيطرى بجامعة الزقازيق بأن الحبة السامة هي حبوب تستعمل للحفاظ علي الغلال من السوس و يتم الحصول عليها من أي منفذ بيع مبيدات، و هي  رخيصة الثمن، حيث أن القرص الواحد ثمنه أقل من خمس جنيهات والقرص الواحد يكفي لقتل شخصين بالغين.

 

وأضافت العربى بأن خطورة حبة الغلة تكون في إطلاقها غاز الفوسفين الشديد السمية ففور دخولها معدة متعاطيها تتفاعل مع المياه وعصارة المعدة مطلقة غاز الفوسفين و هذه الحالة من التسمم توجد أعراض سريرية واضحة لها، ويصعب التكهن بالمسبب إذا أخبر المريض الطبيب بأنه تناول الحبة السامة، ويسبب هذا الغاز تلف كل أجهزة الجسم و انخفاض ضغط  الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم و انهيار القلب و ضيق التنفس و الفشل الكلوي. 

 

وأشارت العربى بأن هذا الفشل الشديد في أجهزة الجسم يتم بصورة سريعة جدا، وإنقاذ المريض لابد من عمل غسيل المعدة قبل مرور ساعتين من التعاطي لهذه الحبة السامة، وذلك باستخدام بيكربونات الصوديوم و زيت البرافين وعدم تناول الماء الذي  يشكل خطرا كبيرا ، لأنه يزيد من شدة تفاعل الحبة السامة في الجسم. 


وأوضحت العربى بأن الشخص الذي يتناول الحبة السامة يشعر بآلام رهيبة، بالرغم من أنها تقتل في صمت، وذلك لأن غاز الفوسفين عندما ينتج يكون مصحوبا بحرارة شديدة تؤدي إلي انفجار في المعدة و حسب اتجاه الغاز يبدأ تدمير الأجهزة واحد تلو الآخر.

 

وأكدت أستاذ الوراثة بأن خطورة غاز الفوسفين تكمن  بأنه لا يوجد له علاج أو ترياق مضاد له، و بالتالي تصل حالات الوفاة لأكثر من ٩٠ %، وللتقليل من نسبة التدمير في الأجهزة  وإعطاء أمل للحياة لمتناول هذه الحبة السامة فمن الضروري إعطاء متناولها زيت البرافين أو زيت جوز الهند في الحال قبل نقلهم إلي المستشفي، حتي يغلف الحبة و يمنع تفاعلها مع حمض المعدة، كما أنه  يبطن غشاء المعدة، فيحميه جزئيا من الحرارة الناتجة من غاز الفوسفين.


لا يوجد علاج
وأضاف الدكتور العراقى مدير مستشفى الأحرار التعليمى أن خطورة "حبة الغلة" تكمن في إطلاقها غاز الفوسفين شديد السمية وهو غاز لا يوجد علاج أو ترياق مضاد له، مؤكدا أن 500 مجم من هذا المركب كفيل بقتل انسان في حين أن علبة الأقراص التي يتم تدوالها بالسوق مدون عليها أن القرص الواحد ينتج 1 جم من غاز الفوسفين "فوسفيد النيتروجين".

 

وقال العراقى بإن حبوب الغلة تتفاعل فور دخولها معدة المريض مع المياه وعصارة المعدة وتنتج بالجسم غاز الفوسفين شديد السمية ولا توجد أعراض سريرية واضحة لهذا الغاز، ولذلك يصعب التكهن بالمتسبب فور مشاهدة المريض إلا في حالة إخبار المريض أو أحد أفراد أسرته بتناول "حبة الغلة" يتم التعامل مع الأعراض التي تظهر على المريض بخلاف إجراء تحاليل معملية، مثل صورة الدم وتحليل الغازات في الدم لاكتشاف نوعية الغاز الموجود بالجسم وأشعة على الصدر وبعض الحالات تحتاج لأشعة مقطعية وخلال مدة الكشف قد يتسبب التأخير في تدهور حالة المريض، حيث يتسبب الغاز في توقف أجهزة الجسم تباعا لذلك يتم التعامل فورا مع الأعراض الظاهرة مباشرة، ولذلك يسمى الأطباء حبوب الغلة وغاز الفوسفين بـ"القاتل الصامت"، لأنه يقتل المريض دون أن يعلن عن نفسه بشكل ظاهر.

 

وكشف مدير مستشفى الأحرار التعليمى بالزقازيق عن أن من الأخطاء الشائعة في التعامل مع التسمم بحبة الغلة هو إعطاء المريض المياه قائلا: "أخطر شىء هو إعطاء المريض مياه لأنه يساعد على سرعة التفاعل وإطلاق الغاز السام ولذلك ننصح بعدم إعطاء المريض أي نقطة مياه، ولا يتم عمل غسيل المعدة التقليدى، ولكن يتم عمل غسيل المعدة ببيكربونات الصوديوم وزيت البرافين حيث ينشىء وسطا يمنع التفاعل أو يمنع انتشار الغاز بأنحاء الجسم".

 

انخفاض ضغط الدم وخفقان القلب
 وأضاف قائلا: "يتسبب غاز الفوسفين في تلف في كل أجهزة الجسم ويسبب انخفاض ضغط الدم بالصدمة وخفقان بالقلب وارتفاع في السكر والصدمة الحرارية وانهيار القلب والأوعية الدموية وضيق التنفس الحاد والفشل الكلوى وغيرها من الأعراض الحادة".

 

 ونصح بضرورة نقل المريض سريعا إلى المستشفى فور تناول "حبة الغلة" وسؤال استشارى سموم عن خطة غسيل المعدة ومنع تناول المياه وقال: "يمكن إنقاذ المريض خلال ساعتين من تناول القرص ولكن بشرط عدم تناول الماء".

 

تجريم تداول أقراص "حبة الغلال"
ومن جانبة أعلن الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية عن تجريم تداول أقراص"فوسفيد الألومنيوم" والمعروفة بـ"حبة الغلال" أو "الحبة القاتلة"، المستخدمة في مجال المبيدات الزراعية، والسماح فقط باستخدامها بمعرفة الشركات المختصة للقيام بعملية تبخير مخازن الغلال والصوامع، وذلك تحت إشراف وزارة التموين.

 

وأكد على ضرورة الإعلان الرسمي عن الشركات التي تقوم بتلك الأعمال حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين، بعد تزايد حالات الإنتحار بسبب تناولها أو عن طريق الخطأ.

 

أكد محافظ الشرقية على تشكيل لجان عمل مشتركة بالتنسيق بين مديريتي الصحة والزراعة للتفتيش على صوامع القطاع الخاص، للتأكد من عدم استخدامها للمبيدات بشكل عشوائي والتنبيه بعدم التعامل مع هذه المبيدات إلا من خلال الشركات المتخصصة في تبخير مخازن الغلال والصوامع للحفاظ على الأقماح من التلف، مؤكداً على التشميع الفورى في حالة عدم الإلتزام بذلك.

 

كلف المحافظ وكيل وزارة الزراعة تشديد الرقابة على محال الإتجار بالمبيدات والمخصبات الزراعية، للتأكد من عدم تواجد أقراص "فوسفيد الألمونيوم والماغنسيوم" بطريقة غير رسمية واتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفين.

 

توعية المواطنين
طالب المحافظ، ضرورة توعية المواطنين بخطورة الأقراص وعدم تداولها وكذلك دخولها للمنازل تفادياً لتناول الأطفال لها دون وعي أو إدراك، ما يعرض حياتهم للخطر.

 

كما وجه المحافظ وكيل وزارة الزراعة بتنفيذ برنامج تدريبي لتوعية مهندسي مكافحة الآفات والمشرفين الزراعيين على كيفية التطبيق الأمثل لهذه المبيدات والإشراف على إستخدامها لدى المزارعين لتحقيق الإستفادة منها.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة