كنا نظن أن نظام مبارك المستبد وراء انتشار الظواهر السلبية مثل الأحقاد والضغائن والخناقات لأتفه الأسباب والتحرش والنفاق.... الخ، في مجتمعنا. لكن للأسف استمرت هذه الظواهر بعد ثورة 25 يناير التي أسقطت مبارك، ولا أبالغ إذا قلت إنه قد أضيف إليها أشكال أخري مثل التحول والبلطجة والبجاحة والكذب والنميمة. واختفت وسط كل هذا، القيم النبيلة التي عاشها جيلي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، خاصة الشعور بالرضا والقناعة والتزام الأدب والاحترام في التعامل مع الآخرين، والالتزام الديني الحقيقي وليس الشكلي، والإخلاص في العمل، واحترام حقوق الجار، والصدق في القول، واحترام الكبير والعطف علي الصغير، ومشاركة الأقارب والأصدقاء في السراء والضراء.
ماذا جري لنا ؟ هل انتشر في مصر المحروسة وباء نفسي ؟ وباتت شوارعنا وأماكن العمل والتنزه، مصحة نفسية بلا أطباء أو أسوار ؟
فيه حاجة غلط. فمصر التي عشتها في طفولتي وصدر شبابي، ليست هي التي نعاني فيها حاليا. الزميل ينهش في سيرة زميله، ويدعي عليه ما ليس فيه. والجار لا يطيق جاره، ويرد عليه السلام مرغما. البيوت المصرية التي كانت واحات للحب والوئام، تحولت إلي كنتونات يعيش فيها كل فرد مع نفسه.
أين أساتذة علم النفس والاجتماع ؟ أين رجال الدين وأهل الحكمة ورموز العدل والاستقامة ؟ أين القدوة الصالحة ؟
الأمر جد خطير. فقد أصبح الشارع المصري وأماكن العمل والتسوق والتنزه، أشبه بساحات معارك، وحلبات صراع. انتشرت المظاهر الشكلية الطيبة مثل الحجاب واللحي وارتياد المساجد، لكن للأسف خربت البواطن والأخلاق. العلاج بات ملحا، قبل أن يستفحل الداء ويصبح الشفاء مستحيلا.