نهر النيل المقدس عند أجدادنا المصريين 
نهر النيل المقدس عند أجدادنا المصريين 


نهر النيل المقدس عند أجدادنا المصريين 

أخبار الأدب

الإثنين، 26 يوليه 2021 - 02:52 م

 كتب : ‬حسين‭ ‬عبد‭ ‬البصير

كان‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬مقدسًا‭ ‬للغاية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭. ‬وكان‭ ‬النهر‭ ‬محميًا‭ ‬بشكل‭ ‬عظيم‭ ‬وكافٍ‭ ‬وبكل‭ ‬السبل‭ ‬والوسائل‭ ‬من‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬ومن‭ ‬الأرباب‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬حمايته‭. ‬وحرص‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬النهر‭ ‬وصيانته‭ ‬والإفادة‭ ‬من‭ ‬مياهه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬السدود‭ ‬وشق‭ ‬القنوات‭ ‬والترع‭ ‬والمصاريف‭ ‬واستخدام‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة،‭ ‬مثل‭ ‬السقاية‭ ‬والشادوف‭ ‬والطنبور‭ ‬غيرهما،‭ ‬للإفادة‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬النهر‭ ‬الخالد‭ ‬وترشيدها‭ ‬واستهلاكها‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الأمثل‭. ‬وكان‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬يقسم‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬الموتى‭: ‬اأنا‭ ‬لم‭ ‬ألوث‭ ‬ماء‭ ‬النهر؛‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬المكانة‭ ‬العظيمة‭ ‬والحماية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يكنها‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬فى‭ ‬ووجدانه‭ ‬وضميره‭ ‬ومخيلته‭ ‬لشريان‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬الخالد‭.‬

ولقد‭ ‬صوّر‭ ‬الفكر‭ ‬الدينى‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬أن‭ ‬روحًا‭ ‬تكمن‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬العظيم،‭ ‬تدفع‭ ‬مياه‭ ‬الفيضان‭ ‬حاملة‭ ‬الخصب،‭  ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬أنشودة‭ ‬النيل‭:‬

اتحية‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬حعبي،‭ ‬اخرج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬واحضر‭ ‬لتهب‭ ‬مصر‭ ‬الحياة،‭ ‬إنك‭ ‬تخفى‭ ‬مجيئك‭ ‬فى‭ ‬الظلمات،‭ ‬وتغطى‭ ‬أمواهك‭ ‬البساتين،‭ ‬أنت‭ ‬واهب‭ ‬الحياة‭ ‬لكل‭ ‬ظمآن،‭ ‬عندئذ‭ ‬ارتفعت‭ ‬أصوات‭ ‬الأرض‭ ‬مهللة،‭ ‬البطون‭ ‬فرحة‭ ‬وسعيدة،‭ ‬والزهور‭ ‬تهتز‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬والأسنان‭ ‬تمضغب‭.‬

وتعددت‭ ‬المظاهر‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭. ‬وكان‭ ‬يمثل‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الآلهة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة،‭ ‬والتى‭ ‬مثلت‭ ‬الحياة‭ ‬المصرية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬حيوية‭ ‬وتفاعل‭ ‬وتناغم‭. ‬لقد‭ ‬أدرك‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬أهمية‭ ‬النيل‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬العصور،‭ ‬فاجتهدوا‭ ‬فى‭ ‬ابتكار‭ ‬طرق‭ ‬للإفادة‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬النهر‭ ‬وتنظيم‭ ‬الرى‭ ‬وحفر‭ ‬الترع‭ ‬لزراعة‭ ‬أكبر‭ ‬مساحة‭ ‬ممكنة‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الوادي؛‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬النيل‭ ‬كان‭ ‬الأساس‭ ‬الذى‭ ‬اعتمدت‭ ‬عليه‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭. ‬وكان‭ ‬الإله‭ ‬حعبى‭ ‬هو‭ ‬إله‭ ‬النيل‭ ‬عند‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭. ‬واعتبروه‭ ‬جالب‭ ‬السعادة‭. ‬وأطلق‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬فى‭ ‬اللغة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬صفة‭ ‬اإيترو‭ ‬عاب‭ ‬بمعنى‭ ‬االنهر‭ ‬العظيمب‭. ‬وتشير‭ ‬الأصول‭ ‬اللغوية‭ ‬لكلمة‭ ‬النيل،‭ ‬انيلوسب،‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬يوناني‭.‬ت

ولاحظ‭ ‬المصريون‭ ‬فيضان‭ ‬النيل‭ ‬وانحساره‭ ‬فى‭ ‬أوقات‭ ‬مناسبة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يمكن‭ ‬إفادة‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬منها؛‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يفيض‭ ‬فى‭ ‬الصيف‭ ‬والأرض‭ ‬فى‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الماء،‭ ‬يغمرها‭ ‬ويجدد‭ ‬حياتها،‭ ‬وكان‭ ‬ينحسر‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬يناسب‭ ‬الزراعة،‭ ‬فتُبذر‭ ‬الحبوب،‭ ‬فكانت‭ ‬بداية‭ ‬اهتداء‭ ‬المصريين‭ ‬لفكرة‭ ‬التقويم‭. ‬وارتبطت‭ ‬حياة‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬وأقدارهم‭ ‬بنهر‭ ‬النيل‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭. ‬وقاموا‭ ‬بتمجيد‭ ‬النيل؛‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬إله‭ ‬الخصب‭ ‬والنماء‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يمنع‭ ‬عنهم‭ ‬القحط‭ ‬والجدب‭. ‬وكانوا‭ ‬يذهبون‭ ‬إلى‭ ‬المعابد‭ ‬كى‭ ‬يقدموا‭ ‬القرابين‭ ‬إن‭ ‬تأخر‭ ‬الفيضان‭ ‬عن‭ ‬موعده‭ ‬السنوي‭. ‬وكان‭ ‬قدماء‭ ‬المصريين‭ ‬يحترمون‭ ‬النيل‭ ‬احترامًا‭ ‬كبيرًا‭. ‬وذكروا‭ ‬أن‭ ‬النيل‭ ‬مولود‭ ‬من‭ ‬الإله‭ ‬رع؛‭ ‬أى‭ ‬أنه‭ ‬ابن‭ ‬أعظم‭ ‬الآلهة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة،‭ ‬ويقترب‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬مما‭ ‬وجدناه‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬البرديات‭ ‬التى‭ ‬تقول‭: ‬اإنك‭ ‬أيها‭ ‬الراحل‭ ‬فى‭ ‬مقام‭ ‬الخلود،‭ ‬سيفيض‭ ‬عليك‭ ‬النيل‭ ‬فى‭ ‬مضجعك‭ ‬الأخير‭ ‬أثرًا‭ ‬من‭ ‬بركاته؛‭ ‬لأن‭ ‬ماءَه‭ ‬آتٍ‭ ‬من‭ ‬أسوان‭.‬س‭ ‬وكانوا‭ ‬يسمون‭ ‬النهرسإيتِ‭ ‬نتروس‭ ‬أى‭ ‬اأبى‭ ‬الآلهةس‭. ‬وقال‭ ‬هيرودوت‭: ‬اإن‭ ‬النيل‭ ‬تُعرف‭ ‬بدايته‭ ‬بعد‭ ‬سفر‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬برًّا‭ ‬أو‭ ‬بحرًا،‭ ‬وهى‭ ‬المدة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يستغرقها‭ ‬المسافر‭ ‬فى‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬أسوانب‭.‬ت

وكان‭ ‬قدماء‭ ‬المصريين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬النيل‭ ‬الذى‭ ‬تروى‭ ‬منه‭ ‬أقاليم‭ ‬الصعيد‭ ‬نيلًا‭ ‬خاصًّا‭. ‬وأطلقوا‭ ‬عليه‭ ‬احعبى‭ ‬رسيت،‭ ‬أى‭ ‬احعبى‭ ‬الجنوبي،‭ ‬والنيل‭ ‬الخاص‭ ‬بالدلتا‭ ‬دعوه‭ ‬احعبى‭ ‬محيتس،‭ ‬أى‭ ‬احعبى‭ ‬الشمالي‭. ‬وكانوا‭ ‬يصورون‭ ‬النيل‭ ‬الدلتاوى‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬رجل‭ ‬فى‭ ‬قمة‭ ‬الشباب،‭ ‬ضخم‭ ‬الجسم،‭ ‬ثقيل‭ ‬الكتفين،‭ ‬كبير‭ ‬الثديين،‭ ‬يرتدى‭ ‬رداءً‭ ‬عليه‭ ‬ثمار‭ ‬النيل‭ ‬فى‭ ‬الصعيد‭ ‬ولونها‭ ‬أزرق،‭ ‬وكانوا‭ ‬يرسمون‭ ‬تمثال‭ ‬النيل‭ ‬الصعيدى‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬رجل‭ ‬يرتدى‭ ‬رداءً‭ ‬فوقه‭ ‬ثمار‭ ‬النيل‭ ‬الممثلة‭ ‬الدلتا،‭ ‬ولونها‭ ‬أحمر‭.‬تت

وكان‭ ‬قدماء‭ ‬المصريين‭ ‬يتغنون‭ ‬بهذه‭ ‬الأنشودة‭ ‬على‭ ‬أوضاع‭ ‬الآلات‭ ‬الموسيقية‭. ‬وكانوا‭ ‬يلقبون‭ ‬الإله‭ ‬المقدس‭ ‬حعبى‭ ‬بإله‭ ‬الخصب‭ ‬والأب‭ ‬المربي‭. ‬وتم‭ ‬تصوير‭ ‬حعبى‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬إنسان‭ ‬يحمل‭ ‬فوق‭ ‬رأسه‭ ‬نباتات‭ ‬مائية،‭ ‬ويظهر‭ ‬جسده‭ ‬معالم‭ ‬الجنس‭ ‬الذكرى‭ ‬والأنثوى‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬فتظهر‭ ‬ملامح‭ ‬الذكورة‭ ‬فى‭ ‬عضلات‭ ‬أرجله‭ ‬وذراعيه،‭ ‬وتظهر‭ ‬ملامح‭ ‬الأنوثة‭ ‬فى‭ ‬الصدر‭ ‬والبطن،‭ ‬وهى‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬تخصيبها‭ ‬بمياه‭ ‬الفيضان؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬سيد‭ ‬النهر،‭ ‬الذى‭ ‬يجلب‭ ‬النماء،‭ ‬وسيد‭ ‬أسماك‭ ‬وطيور‭ ‬المستنقعات‭ ‬مما‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬منح‭ ‬المصريين‭ ‬هذه‭ ‬المخلوقات‭ ‬مع‭ ‬النيل‭ ‬نفسه،‭ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬صُور‭ ‬فى‭ ‬المعابد‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬القرابين‭ ‬كتقدمات‭ ‬للأرباب،‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬أرباب‭ ‬الخصوبة‭ ‬الآخرين‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬التقدمات‭ ‬للمعابد‭ ‬كهبة‭ ‬وإمدادات‭ ‬لأصحاب‭ ‬المعابد‭. ‬وكانت‭ ‬تماثيل‭ ‬حعبى‭ ‬تظهره‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬مائدة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬القرابين‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬تماثيل‭ ‬النيل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مختلف‭ ‬اللون؛‭ ‬فبعضها‭ ‬أحمر،‭ ‬وبعضها‭ ‬أزرق‭ ‬يحمل‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬البردى‭ ‬واللوتس،‭ ‬رمزا‭ ‬الدلتا‭ ‬والصعيد‭. ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬المناظر‭ ‬مصور‭ ‬على‭ ‬جدارن‭ ‬معبد‭ ‬سيتى‭ ‬الأول‭ ‬بأبيدوس‭ ‬ومعبدى‭ ‬أدفو‭ ‬ودندرة‭.‬

وظهر‭ ‬حعبى‭ ‬على‭ ‬كرسى‭ ‬العرش‭ ‬وهو‭ ‬يقوم‭ ‬بربط‭ ‬زهرة‭ ‬اللوتس‭ ‬ونبات‭ ‬البردى‭ ‬كرمز‭ ‬لوحدة‭ ‬البلاد،‭ ‬ويرمز‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬فى‭ ‬توحيد‭ ‬الجزء‭ ‬الشمالى‭ ‬والجنوبى‭ ‬للبلاد‭. ‬وكان‭ ‬حعبى‭ ‬يعيش‭ ‬فى‭ ‬الكهف‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يخرج‭ ‬منه‭ ‬فيضان‭ ‬النيل،‭ ‬وكانوا‭ ‬يصورونه‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬شخص‭ ‬بدين‭ ‬منبعج‭ ‬البطن‭ ‬ذى‭ ‬ثديين‭ ‬متدليين‭ ‬ولونوه‭ ‬بلون‭ ‬أخضر‭ ‬وأزرق،‭ ‬أى‭ ‬بلون‭ ‬مياه‭ ‬الفيضان‭ ‬وكان‭ ‬عارى‭ ‬الجسم‭ ‬طويل‭ ‬الشعر‭. ‬وكان‭ ‬حعبى‭ ‬يُعبد‭ ‬عادةً‭ ‬فى‭ ‬الأماكن‭ ‬التى‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬النيل‭ ‬عنيفًا،‭ ‬مثل‭ ‬منطقة‭ ‬جبل‭ ‬السلسلة،‭ ‬وقرب‭ ‬منبع‭ ‬النهر،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المعبود‭ ‬يسكن‭ ‬فى‭ ‬كهف‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬أسوان،‭ ‬وبخلاف‭ ‬ذلك‭ ‬قُدس‭ ‬حعبى‭ ‬فى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعابد‭ ‬الكبرى‭ ‬خارج‭ ‬أماكن‭ ‬عبادته‭ ‬الرئيسية‭. ‬ووردت‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الترانيم‭ ‬الدينية‭ ‬فى‭ ‬الاحتفالات‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العام‭. ‬ومن‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬قدماء‭ ‬المصريين‭ ‬شيدوا‭ ‬المعابد‭ ‬الكثيرة‭ ‬لآلهتهم،‭ ‬ولم‭ ‬يقيموا‭ ‬أى‭ ‬معبد‭ ‬للنيل‭.‬

وكانت‭ ‬تُقام‭ ‬سنويًا‭ ‬أنواع‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬الاحتفالات‭ ‬والطقوس‭ ‬الدينية‭ ‬للإله‭ ‬حعبى‭ ‬عند‭ ‬موقعين‭: ‬الأول‭ ‬كهف‭ ‬حعبى‭ ‬فى‭ ‬مضيق‭ ‬قرب‭ ‬أسوان،‭ ‬والآخر‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬حعبى‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬القاهرة،‭ ‬حيث‭ ‬كانوا‭ ‬يقذفون‭ ‬فى‭ ‬النيل‭ ‬الكعك‭ ‬وحيوانات‭ ‬الضحية‭ ‬والفاكهة‭ ‬والتمائم‭ ‬لتثير‭ ‬قوة‭ ‬الفيضان‭ ‬وتحافظ‭ ‬عليه،‭ ‬وكذلك‭ ‬تماثيل‭ ‬الإناث‭ ‬لتثير‭ ‬إخصاب‭ ‬النيل‭ ‬العظيم‭ ‬فيفيض‭ ‬فى‭ ‬أمواج‭ ‬عاتية‭ ‬معطيًا‭ ‬الحياة‭ ‬للأرض‭.‬

وذكر‭ ‬عن‭ ‬حعبى‭ ‬فى‭ ‬التراتيل‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬احعبي،‭ ‬أبو‭ ‬الآلهة،‭ ‬الذى‭ ‬يغذى‭ ‬ويطعم‭ ‬ويجلب‭ ‬المئونة‭ ‬للبلاد‭ ‬كلها،‭ ‬الذى‭ ‬يهب‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬اسم‭ ‬قرينه‭ ‬ويأتى‭ ‬الخير‭ ‬فى‭ ‬طريقه‭ ‬والغذاء‭ ‬عن‭ ‬أصابعه‭ ‬ويجلب‭ ‬مجيئه‭ ‬البهجة‭ ‬لكل‭ ‬إنسان،‭ ‬إنك‭ ‬فريد،‭ ‬أنت‭ ‬الذى‭ ‬خلقت‭ ‬نفسك‭ ‬من‭ ‬نفسك،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أى‭ ‬فرد‭ ‬جوهركب‭.‬ت

وجاء‭ ‬فى‭ ‬أنشودة‭ ‬النيل‭ ‬ما‭ ‬نصه‭: ‬اأيها‭ ‬الفيضان‭ ‬المبارك،‭ ‬قُدمتْ‭ ‬لك‭ ‬القرابين‭ ‬والذبائح،‭ ‬وأُقيمت‭ ‬لك‭ ‬الأعياد‭ ‬العظيمة،‭ ‬وذُبحتْ‭ ‬لك‭ ‬الطيور،‭ ‬واقتُنصت‭ ‬لتحيتك‭ ‬الغزلان‭ ‬من‭ ‬الجبال،‭ ‬وأُعدت‭ ‬لك‭ ‬النار‭ ‬الطاهرة،‭ ‬وقُدم‭ ‬لك‭ ‬البخور‭ ‬والنعم‭ ‬السماوية‭ ‬والعجول‭ ‬والثيران،‭ ‬فتقبلها‭ ‬هدية‭ ‬شكر‭ ‬واعتراف‭ ‬بفضلك‭.‬بت

وكان‭ ‬يُلقى‭ ‬فى‭ ‬النيل‭ ‬بعجل‭ ‬أبيض‭ ‬وثلاث‭ ‬إوزات‭ ‬وهدايا‭ ‬ثمينة‭ (‬لا‭ ‬بنت‭ ‬عذراء‭ ‬كما‭ ‬زعم‭ ‬البعض‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬الكتاب‭ ‬الشامل‭ ‬لتفصيلات‭ ‬المهرجان،‭ ‬وأنواع‭ ‬الهدايا‭ ‬للإله‭. ‬ويظهر‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬هذه‭ ‬الخرافة‭ ‬قصة‭ ‬رواها‭ ‬المؤرخ‭ ‬اليونانى‭ ‬بلوتارك،‭ ‬وتناقلها‭ ‬عنه‭ ‬غيره؛‭ ‬إذ‭ ‬قال‭: ‬ااعتمادًا‭ ‬على‭ ‬وحى‭ ‬أجيبتوس‭ ‬ملك‭ ‬مصر‭ ‬قدم‭ ‬ابنته‭ ‬قربانًا‭ ‬للنيل‭ ‬ليخفف‭ ‬غضب‭ ‬الآلهة،‭ ‬وأنه‭ ‬بعد‭ ‬فقد‭ ‬ابنته‭ ‬ألقى‭ ‬بنفسه‭ ‬فى‭ ‬النيل‭.‬ب‭ ‬وهذا‭ ‬القول‭ ‬هو‭ ‬أصل‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بتقديم‭ ‬فتاة‭ ‬عذراء‭ ‬قربانًا‭ ‬للنيل‭ ‬كل‭ ‬سنة‭. ‬أما‭ ‬ذكر‭ ‬عروس‭ ‬النيل‭ ‬بلفظة‭ ‬اربيت‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬فى‭ ‬بردية‭ ‬اهريسب،‭ ‬فهو‭ ‬خرافة‭ ‬وخطأ؛‭ ‬لأن‭ ‬لفظة‭ ‬اربيتب‭ ‬هى‭ ‬علم‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬النيل‭ ‬المؤنثة،‭ ‬وليس‭ ‬علمًا‭ ‬على‭ ‬عروس‭ ‬كانت‭ ‬تُلقى‭ ‬فى‭ ‬النيل،‭ ‬كما‭ ‬زعم‭ ‬البعض‭. ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬ذكر‭ ‬أسطورة‭ ‬اعروس‭ ‬النيلب‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬افتوح‭ ‬مصر‭ ‬والمغربب‭ ‬لعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الحكم،‭ ‬ونقلها‭ ‬عنه‭ ‬كثيرون‭ ‬وترسخت‭ ‬الأسطورة‭ ‬فى‭ ‬الأذهان،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬ذكر‭ ‬النصوص‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬لها‭.‬ت

لقد‭ ‬كان‭ ‬النيل‭ ‬هبة‭ ‬الآلهة‭. ‬وكان‭ ‬موسم‭ ‬فيضانه‭ ‬يبدأ‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬النجم‭ ‬الساطع،‭ ‬وعندما‭ ‬يفيض‭ ‬يجلب‭ ‬الرخاء‭ ‬والخصوبة،‭ ‬والآلهة‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬النهر،‭ ‬وكان‭ ‬الإله‭ ‬خنوم‭ ‬هو‭ ‬رب‭ ‬الماء‭ ‬يجلب‭ ‬الرخاء‭ ‬ويخلق‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬طمى‭ ‬النيل‭. ‬وكان‭ ‬الإله‭ ‬حعبى‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬فيضان‭ ‬النيل‭. ‬وساووا‭ ‬بين‭ ‬النيل‭ ‬والحياة‭ ‬نفسها‭. ‬ونظموا‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬وانخفاض‭ ‬منسوب‭ ‬مياهه،‭ ‬فأصبح‭ ‬النيل‭ ‬يحدد‭ ‬التقويم‭ ‬المصرى‭ ‬بمواسمه‭ ‬الثلاث‭: ‬الفيضان،‭ ‬والزراعة،‭ ‬والحصاد‭. ‬وكان‭ ‬الإلهان‭ ‬الرئيسان‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬خنوم‭ ‬وحعبي‭. ‬وكان‭ ‬خنوم‭ ‬هو‭ ‬رب‭ ‬الماء‭. ‬وكان‭ ‬الإله‭ ‬حعبى‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬فيضان‭ ‬النيل‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬الأناشيد‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يوجهها‭ ‬المصريون‭ ‬للإله‭ ‬حعبى‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

افليحيا‭ ‬الإله‭ ‬الكامل،‭ ‬الذى‭ ‬فى‭ ‬الأمواه،‭ ‬إنه‭ ‬غذاء‭ ‬مصر‭ ‬وطعامها‭ ‬ومؤونتها،‭ ‬إنه‭ ‬يسمح‭ ‬لكل‭ ‬امرئ‭ ‬أن‭ ‬يحيا،‭ ‬الوفرة‭ ‬على‭ ‬طريقه،‭ ‬والغذاء‭ ‬على‭ ‬أصابعه،‭ ‬وعندما‭ ‬يعود‭ ‬يفرح‭ ‬البشر،‭ ‬كل‭ ‬البشرب‭.‬ت

ووضع‭ ‬المصريون‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬اصطلاحًا‭ ‬بـاالتقويم‭ ‬النيلي،‭ ‬الذى‭ ‬يبدأ‭ ‬ببداية‭ ‬الفيضان،‭ ‬عندما‭ ‬تصل‭ ‬المياه‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬محددة‭. ‬كما‭ ‬لاحظ‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬اقتران‭ ‬الفيضان‭ ‬بحدوث‭ ‬ظاهرة‭ ‬سماوية‭ ‬وهى‭ ‬ظهور‭ ‬نجم‭ ‬الشعرى‭ ‬اليمانية‭ ‬فى‭ ‬السماء‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬نقطة‭ ‬الانطلاق‭ ‬لتحديد‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬الجديد،‭ ‬وهى‭ ‬قياس‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬مياه‭ ‬الفيضان،‭ ‬وما‭ ‬يُسجل‭ ‬عند‭ ‬مستوى‭ ‬مدينة‭ ‬منف،‭ ‬ويتفق‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬نجم‭ ‬الشعرى‭ ‬اليمانية‭. ‬وكانت‭ ‬تحدث‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬19‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭. ‬وأحصى‭ ‬رجال‭ ‬الفلك‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬عدد‭ ‬الأيام‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬ظهور‭ ‬للنجم‭ ‬فوجدوها‭ ‬365‭ ‬يومًا،‭ ‬وقسموها‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬شهرًا،‭ ‬كما‭ ‬قسموا‭ ‬السنة‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬فصول،‭ ‬تحددت‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أحوال‭ ‬النيل‭ ‬وهى‭ ‬فصل‭ ‬اآختس،‭ ‬وهو‭ ‬فصل‭ ‬الفيضان‭ ‬وبذر‭ ‬البذور،‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬يوليو‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬نوفمبر،‭ ‬وفصل‭ ‬ابرتب،‭ ‬وهو‭ ‬فصل‭ ‬النمو،‭ ‬ويوازى‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء،‭ ‬ويبدأ‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬نوفمبر‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬مارس،‭ ‬وفصل‭ ‬اشموب،‭ ‬وهو‭ ‬فصل‭ ‬حصاد‭ ‬الزرع،‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬مارس‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬يوليو‭.‬

ونظر‭ ‬المصريون‭ ‬إلى‭ ‬النيل‭ ‬بعين‭ ‬القداسة،‭ ‬واستخدموا‭ ‬مياه‭ ‬النهر‭ ‬للتطهر‭ ‬ولأداء‭ ‬الطقوس‭ ‬الدينية‭ ‬وغسل‭ ‬المتوفى‭. ‬وكان‭ ‬الاغتسال‭ ‬بماء‭ ‬النيل‭ ‬ضرورة‭ ‬حياتية‭ ‬مصرية‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬النظافة‭ ‬والتطهر‭ ‬البدنى‭ ‬والروحي،‭ ‬وهى‭ ‬عملية‭ ‬تحمل‭ ‬معنيين،‭ ‬فعلى‭ ‬ورمزي،‭ ‬فى‭ ‬وجدان‭ ‬المصرى‭ ‬القديم،‭ ‬أما‭ ‬الفعلى‭ ‬فهو‭ ‬يشمل‭ ‬نظافة‭ ‬الجسد‭ ‬والملبس‭ ‬والمأكل‭ ‬والمسكن‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التطهر‭ ‬كضرورة‭ ‬لتأدية‭ ‬الطقوس‭ ‬الدينية،‭ ‬أما‭ ‬الرمزى‭ ‬فيشمل‭ ‬طهارة‭ ‬النفس‭ ‬روحيًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شائبة‭. ‬وبرز‭ ‬تقديس‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرص‭ ‬المصرى‭ ‬على‭ ‬طهارة‭ ‬ماء‭ ‬النهر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دنس،‭ ‬كواجب‭ ‬مقدس،‭ ‬ومن‭ ‬يلوث‭ ‬هذا‭ ‬الماء‭ ‬كان‭ ‬يتعرض‭ ‬لعقوبة‭ ‬انتهاكه‭ ‬غضب‭ ‬الآلهة‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬الآخر‭. ‬ويشير‭ ‬نص‭ ‬قديم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬امن‭ ‬يلوث‭ ‬ماء‭ ‬النيل،‭ ‬سوف‭ ‬يصيبه‭ ‬غضب‭ ‬الآلهةس‭. ‬وأكد‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬فى‭ ‬اعترافاته‭ ‬الإنكارية‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬الآخر‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬عدم‭ ‬منعه‭ ‬جريان‭ ‬الماء‭ ‬درءًا‭ ‬للخير،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬125‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬كتاب‭ ‬الموتى‭: ‬الم‭ ‬أمنع‭ ‬الماء‭ ‬فى‭ ‬موسمه،‭ ‬لم‭ ‬أقم‭ ‬عائقًا‭ ‬أمام‭ ‬الماء‭ ‬المتدفقب‭. ‬وفى‭ ‬نص‭ ‬مشابه‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬أحد‭ ‬النبلاء‭ ‬عدّد‭ ‬صفاته‭ ‬أمام‭ ‬الإله‭ ‬من‭ ‬بينها‭: ‬اأنا‭ ‬لم‭ ‬ألوث‭ ‬ماء‭ ‬النهر‭...‬لم‭ ‬أمنع‭ ‬الفيضان‭ ‬فى‭ ‬موسمه‭...‬لم‭ ‬أقم‭ ‬سدًا‭ ‬للماء‭ ‬الجاري‭...‬أعطيت‭ ‬الخبز‭ ‬للجوعى‭ ‬وأعطيت‭ ‬الماء‭ ‬للعطشى‭.‬س‭ ‬وكان‭ ‬الماء‭ ‬فى‭ ‬الفكر‭ ‬الدينى‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬يمثل‭ ‬عنصرًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬منه‭ ‬تخرج‭ ‬الحياة‭ ‬الجديدة،‭ ‬وإلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأزلى‭ ‬تؤول‭ ‬الشمس‭ ‬وقت‭ ‬الشفق،‭ ‬لتبث‭ ‬فيه‭ ‬قوة‭ ‬نشطة‭ ‬جديدة‭.‬

وخصص‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الأرباب‭ ‬ارتبطوا‭ ‬بنهر‭ ‬النيل،‭ ‬كان‭ ‬أشهرها‭ ‬الإله‭ ‬حعبي،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬فيضان‭ ‬النيل‭ ‬سنويًا‭. ‬وكان‭ ‬مصدر‭ ‬الحياة‭ ‬الأولى‭ ‬عمومًا‭ ‬وبداية‭ ‬الخلق‭ ‬ومصدر‭ ‬الحياة‭ ‬الأولى‭ ‬للمصرى‭ ‬القديم‭. ‬ووُصف‭ ‬حعبى‭ ‬بـ‭ ‬اسيد‭ ‬القرابينب‭. ‬وكان‭ ‬أهم‭ ‬دور‭ ‬له‭ ‬كمعبود‭ ‬هو‭ ‬تجسيد‭ ‬فيضان‭ ‬النيل‭. ‬وورد‭ ‬ذكره‭ ‬كثيرًا‭ ‬فى‭ ‬اأناشيد‭ ‬النيلس‭. ‬وضمن‭ ‬فقرات‭ ‬فى‭ ‬امتون‭ ‬التوابيتب،‭ ‬كما‭ ‬أُطلق‭ ‬عليه‭ ‬أيضًا‭ ‬اسيد‭ ‬الفيضانب‭ ‬وارب‭ ‬أزليب‭ ‬واخالقب‭ ‬وارب‭ ‬الأربابب‭ ‬واأقدم‭ ‬الأربابب،‭ ‬كما‭ ‬وُصف‭ ‬بـ‭ ‬اسيد‭ ‬الكلب،‭ ‬الذى‭ ‬يُحدث‭ ‬التوازن‭ ‬فى‭ ‬الكون‭.‬

ودأب‭ ‬الكهنة‭ ‬والمصريون‭ ‬على‭ ‬ترديد‭ ‬أناشيد‭ ‬النيل‭ ‬عرفانًا‭ ‬بقدره‭ ‬ونعمه‭ ‬على‭ ‬الناس‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأناشيد‭ ‬الدينية‭ ‬نص‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬الوسطى‭ ‬يقول‭: ‬االمديح‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬حعبي،‭ ‬الذى‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬ويأتى‭ ‬ليعيد‭ ‬الحياة‭ ‬للبلاد‭

واختص‭ ‬قدماء‭ ‬المصريين‭ ‬النيل‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الأفراح‭ ‬عند‭ ‬فيضانه‭ ‬ومواسم‭ ‬أعياده‭. ‬وخصوه‭ ‬بأناشيد‭ ‬رائعة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬شعورهم‭. ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الأنشودة‭ ‬التالية‭:‬

االنيل‭ ‬رب‭ ‬السمك‭ ‬المحبوب،

يأتى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الغيوب،

ويخصب‭ ‬النبات‭ ‬فى‭ ‬الغيطان،

والزهر‭ ‬والريحان‭ ‬فى‭ ‬البستان،

ينبت‭ ‬قمحًا‭ ‬وشعيرًا‭ ‬جيدًا‭.‬

وفى‭ ‬نص‭ ‬آخر‭ ‬يمدح‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬النيل‭ ‬ويدعوه‭ ‬إلى‭ ‬الفيضان‭ ‬قائلاً‭:‬

ايا‭ ‬مسبِّب‭ ‬الخضرة،‭ ‬ليتك‭ ‬تأتي‭. ‬يا‭ ‬حعبى‭ ‬ليتك‭ ‬تأتى‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬يا‭ ‬خالق‭ ‬القرابين،‭ ‬يا‭ ‬مسبِّب‭ ‬خضرة‭ ‬الضفتين‭ ‬لتعطى‭ ‬الحياة‭ ‬للناس‭ ‬والحيوانات‭ ‬من‭ ‬منتجاتك‭ ‬من‭ ‬الحقول،‭ ‬يا‭ ‬مسبِّب‭ ‬الخضرة‭ ‬ليتك‭ ‬تأتيب‭.‬

وظهر‭ ‬النيل‭ ‬بكثافة‭ ‬فى‭ ‬تعبيرات‭ ‬ومناظر‭ ‬أدبية‭ ‬كثيرة‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬المصرى‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه،‭ ‬خصوصًا‭ ‬فى‭ ‬أغانى‭ ‬الحب‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭. ‬وتوضح‭ ‬أبيات‭ ‬شعرية‭ ‬الحضور‭ ‬الكبير‭ ‬للنيل‭ ‬بقوة‭ ‬فى‭ ‬مشهد‭ ‬عاطفى‭ ‬بين‭ ‬حبيبين‭ ‬كما‭ ‬يلي‭:‬

احبيبي،‭ ‬كم‭ ‬يحلو‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬أرحل،‭ ‬أن‭ ‬أنزل‭ ‬إلى‭ ‬النهر‭ ‬واستحم‭ ‬أمامك،‭ ‬إنى‭ ‬اتركك‭ ‬تشاهد‭ ‬جمالي،‭ ‬وأنا‭ ‬فى‭ ‬ردائى‭ ‬المنسوج‭ ‬من‭ ‬الكتان‭ ‬الملكي،‭ ‬من‭ ‬أرقّه،‭ ‬أنا‭ ‬معطرة‭ ‬بالطيب‭ ‬الزكي،‭ ‬أغوص‭ ‬فى‭ ‬الماء‭ ‬بجوارك،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حبك،‭ ‬أخرج‭ ‬ممسكة‭ ‬بسمكة‭ ‬حمراء‭ ‬بين‭ ‬أصابعي،‭ ‬يا‭ ‬صديقي،‭ ‬يا‭ ‬محبوبي،‭ ‬تعال‭ ‬وشاهدنىب‭.‬

وتواصل‭ ‬أغانى‭ ‬الحب‭ ‬تصويرها‭ ‬الأدبى‭ ‬الجميل‭ ‬لتنتقل‭ ‬إلى‭ ‬المحبوب‭ ‬فى‭ ‬فقرات‭ ‬تصويرية‭ ‬جديدة‭ ‬مدهشة‭:‬ت

اعشق‭ ‬حبيبتى‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬الآخر،‭ ‬النهر‭ ‬يفصل‭ ‬بيننا،‭ ‬المياه‭ ‬تندفع‭ ‬بشدة‭ ‬فى‭ ‬زمن‭ ‬الفيضان،‭ ‬والتمساح‭ ‬واقف‭ ‬رابض‭ ‬فوق‭ ‬شط‭ ‬رملي،‭ ‬لكننى‭ ‬أنزل‭ ‬إلى‭ ‬الماء‭ ‬وأغوص‭ ‬وسط‭ ‬الأمواج،‭ ‬إن‭ ‬قلبى‭ ‬قوى‭ ‬فوق‭ ‬النهر،‭ ‬والتمساح‭ ‬يبدو‭ ‬لى‭ ‬كالفأر،‭ ‬الماء‭ ‬تحت‭ ‬قدمى‭ ‬أشبه‭ ‬باليابسة،‭ ‬إن‭ ‬حبى‭ ‬لها‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬يمنحنى‭ ‬القوة،‭ ‬كأن‭ (‬وجودها‭) ‬قد‭ ‬سحر‭ ‬الماء،‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أدرى‭ ‬سوى‭ ‬رغبة‭ ‬قلبى‭ ‬وهى‭ ‬تقف‭ ‬أماميب‭.‬

وساعد‭ ‬النيل‭ ‬خيال‭ ‬المصرى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬علاقة‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والطبيعة‭ ‬وتمتزج‭ ‬امتزاجًا‭ ‬مدهشًا‭ ‬كى‭ ‬تشكل‭ ‬عنصريَّ‭ ‬الخصوبة‭ ‬فى‭ ‬الكون‭. ‬فالمرأة‭ ‬والزهور‭ ‬والثمار‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الجوهر،‭ ‬فى‭ ‬إنها‭ ‬جميعًا‭ ‬النموذج‭ ‬والشاهد‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬المتجددة،‭ ‬البشرية‭ ‬والنباتية،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬ت

لقد‭ ‬آمن‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬بالنيل،‭ ‬الضامن‭ ‬لحياتهم‭ ‬من‭ ‬مهالك‭ ‬القحط‭ ‬والضيق،‭ ‬واعتبروه‭ ‬الفيض‭ ‬السماوى‭ ‬الذى‭ ‬يهطل‭ ‬على‭ ‬أرضهم‭ ‬بالخير،‭ ‬وتغنوا‭ ‬بأناشيده‭ ‬على‭ ‬آلاتهم‭ ‬الموسيقية،‭ ‬ورسموا‭ ‬به‭ ‬صورة‭ ‬جميلة‭ ‬شكلت‭ ‬معنى‭ ‬الحياة‭ ‬وجوهر‭ ‬الوجود‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭.‬ت

هذا‭ ‬هو‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬الخالد‭ ‬الذى‭ ‬قدسه‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬وحموه‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة،‭ ‬والذى‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬أبو‭ ‬التاريخ‭ ‬المؤرخ‭ ‬الإغريقى‭ ‬الأشهر‭ ‬هيرودوت‭: ‬اإن‭ ‬مصر‭ ‬هبة‭ ‬النيلب‭. ‬ولقد‭ ‬جانبه‭ ‬الصواب‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المقولة؛‭ ‬لأن‭ ‬مصر‭ ‬اهبة‭ ‬النيل‭ ‬والمصريينب؛‭ ‬لأن‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬يمر‭ ‬ببلاد‭ ‬عديدة،‭ ‬ولم‭ ‬تنشأ‭ ‬على‭ ‬جوانبه‭ ‬حضارة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬مثل‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬العظيمة‭ ‬بفضل‭ ‬سواعد‭ ‬أبنائها‭ ‬المصريين‭ ‬العظام‭. ‬حفظ‭ ‬الله‭ ‬مصر‭ ‬وأرضها‭ ‬وشعبها‭ ‬ونيلها‭ ‬الخالد‭ ‬أبد‭ ‬الأبدين‭.‬

المصدر : جريدة اخبار الادب 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة