كان الأحري بمن هاجموا المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لأنه قدَّرَ فاتورة الفساد بـ 600 مليار جنيه، أن يطالبوا بمحاسبته ومساءلته لأنه أساء التقدير.. فالتكلفة الحقيقية أضعاف أضعاف المبلغ المذكور!!.. وقبل أن ترتفع حواجب البعض بالدهشة سأذكرهم بما كتبتُه في هذا المكان في سبتمبر 2015 إذ قلتُ بالحرف «مواجهة الفساد أخطر بما لا يُقاس من محاربة الإرهاب.. وهذه حقيقة يعرفها السيسي جيداً لأنه إعترف من قبل بأن (هناك خميرة فساد عمرها أربعون عاماً) !!.. الخميرة بدأت في عصر السادات إذاً ولكنها تضخمت وتفاقمت في عهد خليفته اللص البليد مبارك.. وبناءً عليه.. فلا سبيل لمحاربة الفساد إلا بالقضاء علي (الخميرة) التي تعفنت وباتت رائحتها تزكم الأنوف.. وتشكك في أي إنجاز»!!..
وأخطر ما في الحرب علي الفساد أن له حزباً قوياً يحميه، وهذا الحزب أقوي من كل مؤسسات الدولة لأنه مُدجج بالمال والإعلام ويمكنه توجيه سهامه المسمومة لكل من يجرؤ علي الكلام غير المُباح.. ولا سبيل إلي مقاومته إلا بمشاركة شعبية واسعة وهجوم تشريعي كاسح من البرلمان إذا أراد أن يثبت أنه يمثل الإرادة الشعبية بحق.. وذلك هو التحدي الأكبر وعلي مَن يريد للسيسي أن ينجح ولهذا البلد أن يخطو للأمام ألا «يُشخصِن» الموضوع بل يجند نفسه في حملة تطهير الدولة من الفساد الذي يكلفنا كل يوم، وليس كل عام، مليارات الجنيهات في صورة فساد مباشر وغير مباشر!!.. والمؤكد أن النصر الحاسم في الحرب علي الفساد لن يتحقق إلا بمحاكمة جادة لنظام مبارك ورموزه بتهمة الفساد السياسي لأن رأس ذلك النظام هو «أبو الفساد» الذي تحول إلي رئيس عصابة ولم يترك مؤسسة أو وزارة أو محافظة إلا وزرع فيها مَن يُفْسِدُ فيها وينهبها ويُقصي كل الكفاءات الوطنية عن طريق «المحسوبية وتوريث الوظائف وبيعها»!!..
وإذا كانت فاتورة الفساد المباشر تبلغ مئات مليارات الجنيهات فإن الفساد غير المباشر يحرم الدولة من آلاف المليارات.. ومثال ذلك ما نخسره يومياً جراء عدم تنفيذ الحد الأقصي للدخول والضريبة التصاعدية، ونتيجةً «للصهينة» عن الأراضي المنهوبة والأموال المهربة للخارج ومخالفات البناء والعدوان علي الأراضي الزراعية.. أما عن كارثة تلويث النيل فحدث ولا حرج.. إذ أن عشرات آلاف المصانع والبواخر والمنشآت تصرف مخلفاتها وعوادمها في النهر بلا قيود مما يصيب المواطنين بالسرطان والفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائي وتلك أمراض فتاكة تُحَمِّل المواطنين والدولة فواتير علاج باهظة للغاية.. والأخطر من ذلك جرائم ردم النهر وفروعه لبناء قصور وعمارات لأساطين الفساد (ردم النيل في منيل شيحة وردم بحر يوسف في محافظة بني سويف بالذات).. ناهيك عن المصانع والشركات المتوقفة والتي يتقاضي «العاطلون» بها رواتبهم من اللحم الحي.. بل كثيراً ما يتظاهرون للمطالبة بالحوافز والأرباح!!.. وهناك ست شركات كُبري لاستصلاح الأراضي يتم تخريبها منذ سنوات طويلة وأضطرت لبيع بعض آلياتها ولوادرها لدفع رواتب العاملين بينما نتحدث عن مشروع قومي لاستصلاح مليون ونصف المليون فدان!!..أما عن مصانع قصب السكر بالصعيد فقد توقفت تقريباً وربما تمتنع عن استلام المحصول الجديد من المزارعين لأن مخازنها مكدسة بملايين الأطنان من السكر الذي تركته الحكومة يتعطن لتستورد من الخارج بالعملة الصعبة!!.
إنه فساد مُريع ومتوطِن كرسه مبارك طوال 30 عاماً وجَنَّد له حزباً يدافع عنه ولهؤلاء أقول..»هاجموا جنينة كما تشاءون وربما تنجحون في إقصائه ولكنه سيذهب مكللاً بالشرف ويبقي الفساد متربعاً ومُجهِضاً لكل محاولات النهوض بالبلاد!!.. وللمستشار جنينة أقول «عفواً.. فتقديراتك عن التكلفة الحقيقية لأدوات وأسلحة الفساد الشامل أقل من الرقم الحقيقي بما لا يقاس»!!..