باب الفتوح شاهد على تاريخ القاهرة
باب الفتوح شاهد على تاريخ القاهرة


عاصمة النصر والصمود والإنجاز تحتفل بمرور 1052 عامًا على إنشائها

1000 عام قاهرة| من هنا خرجت جيوش النصر

محمد قنديل- ياسمين سامي

الإثنين، 26 يوليه 2021 - 08:56 م

مدينة عريقة لا تخطو فيها قدماك شبرًا واحدًا دون أن تجد علامة مميزة انفردت بها لا تجدها فى غيرها، وتجد مزيج الحضارات وحكايات الزمان ترويها حكمة تباين العصور، فهى عاصمة الثقافة الإسلامية، ومنطلق الانتصارات، سميت بمدينة الألف مئذنة، واحتضنت رنين الكنائس، هى المدينة التى لا تنام، اعتاد أهلها السهر، وإن استيقظت باكرا تسمع أصوات أقدامهم تملأ الشوارع مختلطه بالضجيج والأضواء.
اختارها النيل ليرسم بها بسمة وبهجة تهون على قلوب سكانها متاعب الحياة ويصبح مصدرًا لكسب لقمة العيش، بجانبه البرج الذى يتلألأ على أضواء القمر شاهدًا على روايات
المدينة الصاخبة، من فرح وأنين وتحديات أهلها الذين لم يعرفوا الانكسار، وإن ذاقوا مرارة الهزيمة مرة ينتصرون ألف مرة، إنها القاهرة التى قهرت كل من حاول التطاول على مصر، وتحتفل بمرور ألف عام على تأسيسها هذا الشهر، لذا حرصت «الأخبار» على سرد حكايات «أهل كايرو» منذ البداية وحتى ما آلت إليه الآن من تطور يشهد العالم عليه خاصة بعد ثورة 30 يوليو.

ليست مجرد عاصمة، فهى قلب مصر النابض على مر العصور، شوارعها تحكى قصص النصر والريادة المصرية، أماكنها التاريخية تعكس عظمة الشعب المصرى «قاهر» أعدائه.

أمثلة كثيرة وأماكن عديدة، من أبرزها «باب النصر» الذى شيده الفاطمى جوهر الصقلي، ثم أطلق عليه لاحقاً اسم «باب العز»، ولكن ظل أهالى القاهرة يرددون الاسم الأصلى «بوابة النصر»، وما زالت مستخدمة إلى يومنا هذا.

«ﺑﺴﻤﻠﺔ .. ﺑﻌﺰ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺠﺒﺎر ﻳﺤﺎط اﻹﺳﻼم وﺗﻨﺸﺄ اﻟﻤﻌﺎﻗﻞ واﻷﺳﻮار».. جملة نقشت على باب النصر تبصرها عينك عند دخول هذه المكان الممتلئ بعبق التاريخ، فهو باب دخول الجيوش المصرية المنتصرة بعد عودتها من المعارك والفتوحات.

مر بهذا الباب سلاطين تاريخيون مثل الأشرف خليل والمنصور والناصر قلاوون، يحملون معهم النصر لمصر بهزيمة أعدائها.. لذلك يعد ﺑﺎب اﻟﻨﺼﺮ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺑﻤﺼﺮ .

رمز قوة وكبرياء
 أما «باب الفتوح» فكان يعد رمز قوة وكبرياء القاهرة التى تعلقت أفراحها بهذا الباب عندما يخرج الأهالى لتحيى الجيوش الفاتحة، فيعد من الأبواب التاريخية الشاهدة على انتصار المصريين وهزيمة أعدائهم.

بُنى «باب الفتوح» عام  1087 على يد جوهر الصقلي، ثم جدده الأمير بدر الجمالى فجعله فى موضعه الحالى بمدخل شارع المعز لدين الله الفاطمى بجوار جامع الحاكم بأمر الله، وهو مكون من برجين مستديرين يتوسطان المدخل، ويوجد بجوارهما طاقتان كبيرتان فى فتحتيهما حلية مزخرفة بأسطوانات صغيرة، ويتصل بباب النصر بطريقين أحدهما من فوق السور والآخر من تحته.. ليس فقط  أبواب القاهرة هى الشاهدة على الانتصارات التاريخية، فهناك شارع الدرب الأحمر، الذى شهد خروج وعودة الجيوش الفاطمية منتصرة، أما شارع أمير الجيوش، فقد أسسه القائد بدر الجمالي، فور دخوله مصر عام 1074، وهو الرجل الذى أنقذ الدولة الفاطمية من أزمتين، المجاعة التى استمرت لسبع سنوات، ونفوذ الأتراك والبرابرة الذين استغلوا ضعف الخليفة الفاطمي.
 أما شارع صلاح الدين الأيوبى فقد شهد أحداثا سياسية وتاريخية مؤثرة خاصة فى تاريخ مصر الإسلامي، فعلى أرضه فكر أحمد بن طولون فى استقلال مصر عن الخلافة العباسية، وصعد إليه السلاطين المماليك بعد أن هزموا التتار وتقلدوا حكم مصر من الأيوبيين.

وتضم القاهرة معالم أثرية فريدة تجعلها منطقة تاريخية هامة للغاية، حيث يؤكد الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوزارة السياحة والآثار، أن المحافظة تحتوى على مناطق تعكس عظمة التاريخ المصرى، والدولة مهتمة بتطوير القاهرة الإسلامية كمنطقة تراث عالمى استثنائى منذ عام 1979 والتى تشمل الآثار الإسلامية والقبطية فى ثلاثة نطاقات هى منطقة القلعة وابن طولون، الجمالية والمنطقة من باب الفتوح إلى جامع الحسين، منطقة الفسطاط والمقابر والمنطقة القبطية والمعبد اليهودى واعتمدت حدود واشتراطات منطقة القاهرة الإسلامية من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية طبقًا للقانون رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية 2011.

ويوضح ريحان أن تسجيل القاهرة الإسلامية كقيمة عالمية استثنائية تم  بناءً على أربعة معايير الأول والثالث والرابع والسادس، واعتبرت القاهرة التاريخية بتكوينها وأسوارها من روائع العمارة الإسلامية حيث تتكامل فيها وظائف متعددة بتفرد شديد، كما أنها نموذج لمدينة سكنية متكاملة بكافة وظائفها مثلت تفاعل الإنسان مع بيئته فأنتجت تراث متميز يعبر عن طبقات زمنية متلاحقة فى تناغم شديد، واقترنت القاهرة بأحداث عدة وفترات حكم مختلفة كونت تراثها العظيم وما زالت حتى الآن.

ويتابع أن أصول القاهرة منذ إنشاء الفسطاط عام 641م على يد عمرو بن العاص ثم تأسست العسكر عام 751م على يد العباسيين ثم القطائع عام 780م والذى أسسها أحمد بن طولون ثم القاهرة التى اتخذت اسمها من النجم القاهر، وقيل القاهرة التى تقهر الأعداء والتى تحولت فى العام الرابع من إنشائها إلى عاصمة الخلافة الإسلامية عندما انتقل إليها الخليفة المعز لدين الله وأسرته من المغرب واتخذ مصر موطنًا له وأطلق عليها قاهرة المعز وتم تغيير معالم القاهرة منذ عام 1116م حيث خرجت عن أسوارها القديمة ليصل تخطيطها إلى القلعة، وبعدها أصبحت قاهرة محمد على 1805م لتصل إلى عصر النهضة الذى شهد تطور للعمارة وتاريخ المدن حتى أصبحت القاهرة باريس الشرق فى عام 1862م فى عهد الخديو إسماعيل.

أدب نجيب محفوظ 
 ويشير ريحان إلى ارتباط  القاهرة بأدب نجيب محفوظ والذى كان ضمن معايير ترشيح القاهرة التاريخية تراث عالمى عام 1979 خاصة ثلاثية نجيب محفوظ (قصر الشوق- بين القصرين- السكرية) وقد سجل نجيب محفوظ معالم القاهرة التاريخية الأثرية فى معظم رواياته، ففى روايات الفتوة جسّد معالم حى الحسينية الأثرى ذى التاريخ العريق فى السير الشعبية والمعروف بفتواته « فتوات الحسينية»، والذين كان لهم دور كبير فى مقاومة الحملة الفرنسية فى ثورة القاهرة الثانية، وكان بالحى أسواق للغلال والخشب والطيور وكان يقام بالحى الكثير من الموالد، مثل مولد سيدى على البيومى ومولد محمد الطوابى وحدود الحى الآن من الشمال السكاكينى وغمرة ومن الجنوب الجمالية وخان الخليلى  ومن الشمال الشرقى العباسية ومن الغرب حى الظاهر وباب الشعرية وباب البحر وكلها تضم مواقع أثرية هامة.

ويضيف أن من أهم الأماكن خان الخليلي، وهو اسم حى أثرى هام أطلق على مجموعة من الأبنية القديمة والمتعاقبة عليها فى أزمنة مختلفة، وكونت طرقًا وأزقة بها تجار ويرجع تاريخ إنشاء هذا الحى إلى القرن الثامن الهجرى، عندما قام الأمير جهاركس الخليلى ببناء خان فى هذا الموقع عام 879هـ / 1474م، وبعد ذلك تحول الموقع إلى سوق للرقيق حتى جاء السلطان الغورى عام 1511م، حيث آلت إليه ملكية الخان فأمر بهدمه وإعادة بنائه لينشئ به حواصل وحوانيت.

وما زال الحى حتى الآن يضم الباب العظيم الذى يحوى نقوشًا وكتابات بإنشاء هذا المكان فى عصر الغورى وعلى جانبيه بقايا الواجهات القديمة بكل تفاصيلها، وكان يتردد على مقاهى هذا الخان كبار الشخصيات مثل طلعت حرب الذى كان يجلس على مقهى أحمد أفندى وموقعها اليوم الحرم الحسيني.
 ويشرح مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوزارة السياحة والآثار، أن الجزء الشمالى من شارع المعز لدين الله  يبدأ ببوابة الفتوح  ويضم شارع الخيامية والمغربلين وباب النصر، كما يمتد شارع المعز لدين الله إلى شارع الجمالية من ناحية الشرق ويتقاطع عرضيًا مع شارع جوهر القائد وشارع الأزهر.

ويضم الشارع من الشمال باب الفتوح، جامع الحاكم بأمر الله، مسجد وسبيل وكتاب سليمان أغا السلحدار، ومنزل وقف مصطفى جعفر السلحدار، الجامع الأقمر، سبيل وكتاب عبد الرحمن كتخدا، قصر الأمير بشتاك، حمام السلطان إينال، المدرسة الكاملية، سبيل محمد على بالنحاسين، مسجد ومدرسة الظاهر برقوق، مجموعة السلطان قلاوون، مدرسة وقبة نجم الدين أيوب، سبيل وكتاب خسرو باشا، مسجد ومدرسة الأشرف برسباى، مجموعة السلطان الغورى، سبيل محمد على بالعقادين، جامع المؤيد شيخ، وكالة نفيسة البيضاء، سبيل نفيسة البيضاء، باب زويلة، فضلاً عن معالم الشارع مع الشوارع المتقاطعة ومن أمثلتها تقاطعه مع الجمالية حيث بيت السحيمى ووكالة بازرعة.. وغيرها من الأماكن الرائعة التى تزين القاهرة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة