مكتبة الأسرة «٢»
مكتبة الأسرة «٢»
الثلاثاء، 27 يوليه 2021 - 12:12 م
كتابة :محمود الوردانى [email protected]
ذكرتُ في الأسبوع الماضي أن مشروع مكتبة الأسرة الذي استمر من عام 1993 على الأرجح، وحتى اندلاع ثورة 25 يناير المجيدة وبعدها بعامين أو ثلاثة، حقق إنجازات غير مسبوقة، واستطاعت آلاف الأسر المصرية البسيطة تكوين مكتبات صغيرة في البيوت، تضم أمهات الكتب الضرورية ( سليم حسن وديورانت وبعض كتب التاريخ الوسيط وأعمال روائية قديمة ومعاصرة ودواوين شعرية وكتب عديدة في شتى المعارف والعلوم وأغلبها تساهم في تشكيل وعي مصري معتدل) على الرغم من المثال بل والأخطاء والخطايا التي أشرتُ إليها في العدد الماضي.
وأنتقل بسرعة إلى عام 2011 ، عام الثورة ، عندما تولى الراحل الكبير إبراهيم أصلان، الذي ترأس اللجنة العليا لمكتبة الأسرة، ويعاونه عدد من الكتاب والمفكرين المحترمين الذين لاخلاف على قيمتهم وتجردهم.
ويشير إبراهيم أصلان في كلمته الموجزة التي قدّم بها كتب المشروع إلى الخطايا التى ارتكبت فيه قبل الثورة، رغم تأكيده على الجوانب الإيجابية له، إلا أنه ينبّه من ناحية أخرى إلى ماهو مخجل بل ومخز، حيث « توقفت كل الجهات الداعمة لهذا المشروع الثقافي عن الوفاء بأي دعم كانت تحمست له عبر عقدين ماضيين، سواء كانت هذه الجهات من هنا أوهناك».
وهو ما استوجب حسبما يضيف ضرورة «التدقيق في كل عنوان تختار» بسبب تملص وفرار الجهات الداعمة، ومع أخذ كل هذا في الاعتبار، لنتأمل العناوين التى استقرت اللجنة عليها ونشرتها بالفعل، وكلها بلا استثناء كتب محترمة وضرورية وتمثل كل التيارات الفكرية والمدارس الفنية المختلفة دون تغليب لهذا اتيار أو ذاك.
باختصار قدّمت اللجنة بعد الثورة مثالا يحتذى، وأثبتت إمكانية إصدار مايعزز القيم التي تسهم في بناء إنسان مصري واع مثقف، وأثبتت أيضا أنه يمكن ، إذا تجنبنا الدعاية والضجيج والفساد السياسى، أن نقدّم مايشرّف أى لجنة تتصدى لمسئولية كتلك.
بقي إذن الكلام عن الجهات الداعمة التي فرّت على نحو مخجل بمجرد إزاحة الراعية، وبدونها، تلك الجهات، وأغلبها جهات تتبع الدولة فى مصر ولا تتبع دولا أخرى!! بدونها لايمكن تنفيذ المشروع. لا أعرف كيف يمكن إقناع تلك الجهات، بما فى ذلك الجهات غير الحكومية، بالتمويل، وإذا كان من غير المتوقع أبدا أن تبادر تلك الجهات بالمساهمة الطوعية، فهل يلزم استصدار تشريع ما أو قانون يحدد نسبة معينة من المخصصات ذات الطابع الثقافي أو حتى الدعائي، وأظن أنها موجودة بالفعل في سائر الهيئات والمؤسسات سواء كانت حكومية وغير ذلك، تحت مسميات مختلفة.
وفي كل الأحوال يحتاج هذا المشروع، الذى يستهدف غاية محددة هى تكوين مكتبة صغيرة محترمة في كل بيت، يحتاج إلى قانون ولائحة داخلية محكمة تنظّم عملها وتتيح تغيير الأشخاص الذين يسيّرون أعمالها على نحو دوري وفق اعتبارت محددة.
من المؤكد والمقطوع به أن مشروعا كهذا، وعلى النحو الذي قدّمت به خطوطه العريضة، لن ينقذ صناعة الكتاب التي تلّقت ضربة موجعة بسبب الجائحة وتوقف المعارض العربية فقط، بل سيحقق أيضا إلى جانب كل الأهداف السابقة رواجا ولحلحلة تحتاجها صناعة الكتاب، بالقدر نفسه الذي تحتاجه مكتبات الأسر المصرية المزمع تزويد بيوتنا بها.
وفي النهاية أتمنى أن تكون السطور السابقة سببا في فتح نقاش واسع لإحياء مشروع أثبتنا قدرتنا على تنفيذه في زمن الدعاية والضجيج والفساد، كما أثبتنا قدرتناعلى تنفيذه فى زمن الثورة.
المصدر : جريدة أخبار الأدب