عبد الجليل الشرنوبى
عبد الجليل الشرنوبى


يوميات الأخبار

أيَّام الإخوان السبعة

الأخبار

الأربعاء، 28 يوليه 2021 - 06:38 م

تنتهى عملية التجنيد ليفيق الفرد على تفاصيل عالم جديد يسلب منه كل إرادة

اليوم المُستمر


دُنيا الله الرحبةَ بَعد الفرار إليها من ضيق دُنيا التنظيم الإخواني، يُنَغص الأُنْسَ بها مشاعرٌ فطرية صِرفَة على المأسورين فى عالم التنظيم، كثيرونَ مِنهم يذوقون مراراتِ خديعته جرعاتٍ تِلو جرعات ويُصرون رغم تجرع مُرِه على المواصلة، لَقَنَهُم الضحايا السابقون (الصَبَرَ على الدعوة)، تَصِلِهُم تَكليفات التظاهر مدعومةً بالآيات والأحاديث، فيهبونَ بمنتهى اليقين، ثم تصلهم تكليفاتٌ بالسِلْميةْ مستدلة بآيات القرآن وأسانيد السنة فيوزعون الابتسامات التنظيمية المُعلبة على خلق الله بنفس اليقين، وفى المسافةْ بين التكليفين تُتَداوَلُ فى جلسات الأفراد أخبار أخطاء القادة وفساد الأفراد وانحراف الأخلاق، يلوكونها مُراً فى الحلوق والأفئدة ولكنه مُرٌ لا يتجاوز التناجى ثم ينصرف كلٌ منهم إلى شأنه التنظيمي!، إنَهُ واقع الحياة فى عالم التنظيم وكُلُ من يقرأون أسطرى هذه فى جلسات السجون والمنافى يمارسون فِعَل اجترار مُرَ الواقع التنظيمى بصفة دورية وعلى مدار أعمارهم وتقلب مواقعهم دونما أنْ يدفَعَهم ذلك لتوجيه قلوبهم صوب دنيا الله الوسعة ومُحاولة تجريب الحياة فى براح دينية. يحكى أحد الخارجين من السجن بعد حبسه على ذمة قضية انتماء للإخوان فيقول (والله كُلنا كُنا بنقول فى السجن إن قياداتنا ودونا فى داهية)، ويسترسل (لدرجة إن الحاج فلان بتاع جنوب القاهرة قابل فى ساعة التريَّض الدكتور فلان اللى كان من رجالة الشاطر واتخانق معاه وقال له : ذنب الناس اللى هنا واللى ماتت فى رقبتكوا)، أقاطعه (عظيم ثم إيه؟!)، يُطأطئ الأخ رأسه وهو يُخاطبنى بلسان العاجز (هانعمل إيه لله الأمر)!، أغادره والهَمُ الدائم يُصاحب قلبي، فما السبيل إلى تحَرير هؤلاء السجناء الذين لم يختاروا دخول سجن التنظيم بل جَرَتْ عليهم برامج تجنيد (الدعوة الفردية) وحين انتهت مراحلها استفاقوا على تفاصيل عالم جديد يحتل كلَ إرادة لهم؟


إنَّهُ سؤال المصير الذى يجب أنْ يفتش عن إجابة لهُ كلَ مَعنيّ.


يوم الاستسلام


حين بَلَغتنى أنباء المواجهات فى محيط (مكتب إرشاد تنظيم الإخوان) صبيحة الأول من يوليو 2013، أفزعنى وجع المواجهات بين بنى وطني، وكانَ الفَزعُ الأكبر ما بلَغنى من أنباء متواترة عن تَخلى قيادات الإخوان عن مجموعة الشباب الذين شحنوهم للجهاد دفاعًا عن (مكتب الإرشاد باعتباره رمزًا للدعوة)، إذ تَمَ شحنهم دونَما خطة واضحة لإدارة عملية مواجهات جموع شعبهم الغاضبة، أو حتى للانسحاب من هكذا مواجهات!، كُنتُ وقتها فى اعتصام المبدعين بوزارة الثقافة، حملتُ هاتفى وانزويت لأتصل اتصالى الأخير بالراحل الأستاذ «محمد مهدى عاكف» المرشد العام السابق والذى عاشرتُه ستْ سنوات واختبرت حماسه للحق مرات، وودعنى فى أعقاب استقالتى من التنظيم بدعوات بالتوفيق، قررتُ الاتصال به أملًا فى إقناعه بأنْ يُصدرَ بيانًا باسمه وبصفته السابقة يدعو فيه جموع الإخوان للانسحاب من الشوارع لأن حُرمَةَ الدم أكبر من حُرمة الكرسي، وباغتنى الرجلُ بما لا أعرفه فيه ابتداءً بالتَعَلُل بأنَّه ليس صاحب صفة فما هو إلا (عضو شورى مُعين)!، وانتهاءً بأنَّه كبُر فى السن وما عادت صحته تَسمَحُ له بهكذا نشاط (إنتَ ما شوفتنيش من زمان دا أنا بأقيت بأمشى على عُكاز)؟!.


جَلَستُ على أرض قاعة الاجتماعات بالدور الأول فى مبنى وزارة الثقافة والسؤال الواحد يُحاصرنى (رب الناس خاطبهم بالاختيار من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفُر، فأيُ سُلطانٍ هذا الذى لا يملِك الإنسان منه الهروب؟). لَمْ يكن هذا الأستاذ «عاكف» الذى أعرفُه، ولَم يكنْ هو الذى يجهل حقيقة تخلى القيادات عن شبابهم الذين ساقوهم إلى مواجهة أهلهم دفاعًا عن مَقر قيادتهم الذى عَلِموا أنهم لن يعودوا إليه، ولم يكن لدى مانع فى أنْ يواجهنى الرجل بكل تعنيف مُدافعًا عن موقف التنظيم ومُتهمًا لى بخذلانه، لكن إجابةَ المُستسلم لم تكن مُقنعةً لى وإن كانت دليلًا على أنَهُ كلما تدرجَ الإنسانُ داخل عالم التنظيم تُصبح قدرَتَه على الفرار منه أو حتى الثورة عليه شبه مستحيلة وإن كان ثمنها الحياة.


يُومُ التأجيل


قبل قبولى عَرض نائب المرشد (خيرت الشاطر) تولى إدارة تحرير موقع الإخوان الرسمى منتصف عام 2004، استشرت مؤسس التنظيم فى محافظة البحيرة من جيل الوسط الراحل (المهندس محسن عبد الفتاح القويعي) وكان يحظى بعداوة سدنة معبد التنظيم (الشاطر - محمود عزت)، يومها قال لى (إذا قبلت فاعلم أنك داخل عش الدبابير والخروج منه لن يكون بسهولة دخوله)، وحين فَكرتُ فى الاستقالة عام 2009 عَنفَنى مُذكرًا بما قال لى ومؤكدًا أن التوقيت الحالى سيُتيح للإخوان أن يقول فيَّ كل ما يحلوا لهم ابتداءً باتهامى بالعمالة وليس انتهاءً بالطعن فى أخلاقياتي، حينها سألتُه عن السر الكامن خَلفَ عداوة (عزت -  الشاطر) له وكانت المُفاجأة أن القضية تعود لمطلع ثمنانينيات القرن الماضى حين فَر الإخوان إلى (اليمن) بفعل حملات الاعتقال التى شنها الرئيس الأسبق «أنور السادات»، كانت «اليمن» ملاذًا آمنًا اكتظ بمئات العناصر من كل الجمهورية وكانت البطالة رائجة بينهم، وحين فر مع من فر «محمود عزت» وفرت له القيادات عملًا ومثله لزوجته الأمر الذى أثار حفيظة «القويعي» فواجههم بأنهم يُجاملون «عزت» بتشغيل زوجته، والأَوّلَى بذلك أنْ تُستبدل باثنين من الإخوان العاطلين خاصة وأن الراتب الذى حُدد لها كان يؤهل لذلك. اتسعَتْ حدقتاى فى مواجهة الراحل وسألتُه (بيحاربوك ومضيقين عليك من أكتر من ربع قرن وأنت ساكت ليه؟ ما مشيتش ليه؟)، وكانت الإجابة (يا ابنى هنروح فين هوا فيه غيرهم؟)، غادرتُه حينها مصدومًا بما سمعتْ وفى طريقى تذكرت أنَّ الإسلام كان موجودًا قبل الإخوان وسيظل موجودًا بعدهم، صحيح أرجأتُ الفرار حتى رحل «مبارك» وتأهب الإخوان للحكم، وحينها حدثتنى نفسى بأنَّ هذا الرحيل المبكر دونما أية صراعات على مغنم تنظيمى رُبما يكون محفزًا لكل مؤجلٍ قرار الهروب ليتحرك، لكنهم لم يتحركوا!.


يوم الملاذات الآمنة


بعد ثورة 30 يونيه 2013، اتخذ التنظيم من أقطارٍ عدة (ملاذات آمنة) اعتُبِر الشعبى منها (السودان) وبعض الدول الأفريقية فى حين اعتبر المتوسط منها (قطر وتركيا وماليزيا وأندونسيا) فى حين كانت أوروبا وأمريكا أقطار الدرجة الأولى، ولاعتبارات القرب والبعد عن القيادة ومراكز قواها كان التوزيع، ولنفس الاعتبارات تكون الامتيازات داخل كل قُطر، ومع تصاعد الصراع بين مراكز القوى التنظيمية مُضافًا إليه الانفتاح على مجتمعات الغربة، بات سلاح كفالة الهاربين وسيلة القيادات للإخضاع، وأصبح فى كل الملاذات الآمنة طبقةٌ أترفتْ وتعيش حياة النعيم، وطبقاتٌ تحيا على الكفاف وصولًا إلى أسر تتسول طعامها وأفراد تمضى اليوم بغير لُقمة، فيما يلوكون أخبار السيارات الفارهة التى يُغيرها القادة وأبناؤهم، ويتداولون فيما بينهم أسماء قياداتٍ باعتْ إخوانهم للسلطات الأمنية فى أوطان اللجوء أو فى مصر!، ويلتقينى أحد الخارجين من السجن ليروى ما يؤكد وصول هذه الحكايات إلى مسامعهم فى السجون، فأقاطعه (يا نهار اسود طيب اللى شاف بعينه كل ده قاعد ليه؟).


يوم التضحية بالمرأة


لا يوجد موقع رسمى للمرأة داخل الإخوان، وكل تمثيل لها فى التنظيم يعلوها فيه رجلٌ يُشرف، لكنها كلما تأزمت أحوال التنظيم تتحول إلى وسيلته الآمنة للحركة استثمارًا لعاطفتها، يُمكن أن تُشاهد نماذجها على عتبات السجون فى انتظار الزيارات، وبحسب الموقع التنظيمى للزوج يكون وضع الزوجة وفخامة زيارتها و(الأخت) البديلة التى تحجز لها موقعاً فى التسجيل بكشف الزيارة، تقول لى (الحاجة) زوجة (الحاج) الذى كان قياديًا وركنوه قبل أن يمرض، موصِفةً مقر مكتب الإرشاد (المقر الملعون) ثم تردف (منهم لله ضيعونا بغباءهم)، لكنها تمصمص شفتيها وهى تتفاخر (أنا والحاج الله يشفيه عشنا عمرنا كله صابرين على الدعوة)، أى صبر هذا الذى نؤمر به على التفريط فى حياتنا؟، وأى دعوةٍ تلك التى تنهانا عن الحياة؟!


يوم الاختيار


فعل الاختيار عند الإخوان محصور فى اختيارهم لضحاياهم قبل أن يدخلوا سجن عالمهم، إنه التجنيد (الدعوة الفردية) وعنها تقول الأدبيات (الحديث على دعوة المسلمين إلى الله وليس غير المسلمين لأن المطلوب هو أن ننتقل بهم من الواقع الذى يعيشونه وما فيه من قصور فى فهم أو فتور فى عمل أو تطرف أو غير ذلك إلى فهم الإسلام فهما كاملا سليما شاملا نقيا كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وإلى معرفة متطلبات هذا الإسلام كاملة ثم كيفية تحقيق هذه المتطلبات على الوجه الأكمل الصحيح.)، هذا الفعل عبر مراحل سبع هو الذى يُنتج الشخصية الإخوانية، مُنسحقة أمام التنظيم الذى يُختصر فى (الدعوة)، ومُستسلِمة لكل خطاياه فكرةً وقيادة باعتبار ذلك (صبرٌ على الحق) أمر الله به فى سورة «العصر»، ومع كل مغرب يتلو الأخ «ورد الرابطة» مستحضرًا أطياف الصحابة والتابعين وإخوانه معهم سائلًا الله (الثبات)، إنهُ الثبات على نفى وجود دين أو حياة خارج التنظيم!.


يومٌ قادم


إليه هذا اليوم تطلعُ الإنسانية تحريرًا للإسلام من براثن محتكريه، وتحريرًا للإنسان من تنظيمٍ يسبيه، وتحريرًا للوطن من أثقالٍ تعصف بحاضره وآتيه، يومٌ تتضافر فيه الجهود لإنتاج مشروعاتٍ تُعرى عالم التنظيم الإخوانى وكل تنظيمات المتاجرة بالدين مناهج وأساليب وشخوص، وتُوَعى العامة والمُختصين بمُحصلة ما كان من تجارب عبر متنوع الوسائل، وتُحصنُ المستقبل ضد كل محاولات احتكار الدين وتأميمه، إنَّه اليوم القادم لا محالة والمعقود بإرادة جمعية تنتصر للحياة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة