وفاء ..قبل الفراق
وفاء ..قبل الفراق


رفعت الجلسة | وفاء.. قبل الفراق

جودت عيد

الخميس، 29 يوليه 2021 - 07:54 م

أسرد مأساتى وأنا على فراش المرض، ساعات أو أيام قد أغادر فيها الدنيا بعدما تملكنى «الخبيث» وأصبحت لا أقوى على تحمله، لكن ما حدث معى يستحق أن يقرأه الجميع حتى يكون عظة لهم من شياطين الإنس الذين يقتلوننا ببطء، مهما صدقت نوايانا.

 أنا بشر غرتنى الدنيا بمفاتنها، حولتنى إلى وحش مفترس يبحث عن إشباع رغباته ونزواته  فقط، فالمال الكثير الذي أمتلكه كان سبب تعاستى، واليوم هو سبب مرضى، وقريبا سيكون طريقى إلى وداع هذه الحياة.


تزوجت من فتاة قابلتها صدفة فى أحد المحال، عشت معها أجمل أيامى، كانت نعم الزوجة وخير صديق وجليس، أعطتنى من الحب ما لم أجده مع أبى وأمى اللذين انفصلا وعمرى لم يتجاوز العامين، وعوضتنى عن كل حنان افتقدته، لكن لم تبتسم لنا الدنيا، بعدما حرمنا الله من الأبناء.


لم يكن يشغلنى هذا الأمر كثيرا، ورغم ذلك كنت ألاحظ حزنا على زوجتى، كثيرا ما كانت ترفض الذهاب إلى الأندية والأفراح خشية  ألا ترى فى وجهى فرحة غائبة مع طفل  فتشعر بالحزن والحسرة.


عرضت عليها كثيرا تبنى طفل، بعد أن أخبرنا الأطباء أنها تحتاج إلى علاج كثير قد يمتد لسنوات من أجل الإنجاب بسبب مشاكل فى الرحم، لكنها كانت ترفض، أخبرتنى أنها لا تريد إلا روحا منى يحمل جسدى وصفاتى التى كثيرا ما عشقتها.

فأنا فى نظرها زوج طيب حنون، صابر، راضٍ.
غرتنى الدنيا بعد أن ربحت تجارتى وأصبحت أمتلك العقارات والأملاك، كثرت الوساوس من أهل الخير- كما يسمون أنفسهم- فى أذنى، سمعت عبارات كثيرة وكان هدفها واحدا «تزوج وسيكرمك الله بطفل يرث كل هذه الأملاك، وأعطِ لزوجتك الأولى الأموال فستكون سعيدة بها حتى يتم علاجها من مشاكل العقم التى تعانى منها».


لم أفكر كثيرا، أسرعت إلى زوجتى، تحدثت معها عن رغبتى فى الزواج من أخرى، وأمنيتى فى إنجاب طفل يرث كل هذه الأملاك، لم ألاحظ حزنا هذه المرة على وجهها، وكأنها كانت تتوقع هذه اللحظة، وجدتها مبتسمة، راضية، أومأت بالموافقة، ثم  طلبت منى أن أودها وأزورها، فليس لها أحد فى الحياة سواى.
 رغم سعادتى بموافقة زوجتى، إلا أننى لم أعرف لماذا كنت متخوفا من خطوة الزوجة الثانية؟، عشت 10 سنوات مع زوجتى الأولى، ولم أتخيل أن يحبنى أحد مثلها، ويعطينى كل هذا الحنان، لكننى سرت فى طريقى، تزوجت من فتاة جامعية والدها يعمل مديرا فى وزارة التجارة، كان يجمعنى معه بعض الأعمال.


  أعلم أن زواجى بها كان مصلحة لها، وكان والدها هو من div style»direction: rtl» خطط لذلك، فأنا التاجر الغنى الذى يكبرها بـ10 أعوام لكنه فى نفس الوقت يملك العقارات والأموال فى البنوك، هذا التفكير رغم مصداقيته فى هذه اللحظة، إلا أننى لم أفكر فيه كثيرا عندما أقبلت على الزواج بها، كنت طامعا فى جمالها وشبابها، أخذتنى غرائزى وأموالى إلى طريق الشهوة، وتناسيت تلك الزوجة البريئة التى أعطتنى من الحب ما لم يعطه لى الكثيرون. مرت سنوات وأنا أعيش فى عربدة حياتية لا أعرف نهايتها، تركت العمل لزوجتى تديره، وتفرغت لإشباع رغباتى فى تملك السيارات والعقارات والبحث عن شهواتى فى داخل مصر وخارجها.


ضللت الطريق وتناسيت المرأة التى أعطتنى كل شيء بلا مقابل، لم أزرها أو أعايدها أو حتى أتذكرها، تركتها تعيش بمفردها رغم أنها توسلت إلىّ أن أودها فقط ولو حتى بكلمة.


وعندما استيقظت لنفسى، بعد نصيحة ومتابعة من صديق قريب لى، أسرعت إليها أزورها فى منزلها، فوجدتها مريضة لا تقوى على الحركة.
رغم كل ما فعلته معها من تجاهل إلا أننى عندما زرتها، كانت مبتسمة، سعيدة برؤيتى، نهضت من على الفراش واحتضنتنى، وبعد أيام فارقت الحياة.
علمت بعدها أنها مرضت بنفس المرض الذى أصابنى اليوم، ولم تتحمل سوى أيام، بعدها فارقت الحياة وحيدة كما عرفتها أول مرة.


عشت مأساة لشهور، جلست وحيدا فى الحجرة، لا أعرف عن الدنيا شيئا، حتى زارنى صديقى وطلب منى الخروج من الظلمة، والعودة إلى العمل. ومن هنا كانت مأساتى الثانية.


استولت زوجتى وأبوها على كل شىء، استغلت التوكيل الذى حررته لها، وباعت كل أملاكى لها ولأشقائها وأبيها وأقاربها.


لم أستوعب ما حدث، ألقيت عليها يمين الطلاق، ثم عدت إلى بيتى، أتألم من شدة المرض، لا أعرف ما أصابنى، هناك ألم شديد يعتصر معدتى، أرفض الطعام والشراب، اصرخ كالطفل الذى أصابه مكروه، ولا يستمع إلى أحد.


تذكرت تلك الفتاة الجميلة التى عرفتها فى أول فرحة لى فى حياتى، أدركت كم كنت سببا فى معاناتها، وكيف أننى قتلتها بتجاهلى. 


افتقدت بعدها كل معانى الحب والحنان والطمأنينة والسعادة، لم أستوعب كيف جنيت عليها وطلقتها بعد شهور من زواجى الثانى بضغط من زوجتى، رغم ذلك علمت أنها ظلت مخلصة لى ولم تتزوج أو حتى تدخل شخصا غريبا منزلها.


كلما تذكرتها أشعر بالألم، لا أستطيع أن أسيطر على دموعى، فمعدتى التى أصابها «الخبيث» أصبحت خاوية من كل شىء سوى من جرعات الدواء الذى أتعاطاه ليس املا فى الحياة ولكن رغبة  فى أن ينصرنى الله وأنا على  قيد الحياة، وآخذ حقى من زوجتى وأبيها اللذين استوليا على كل أملاكى.
نهاية..

أتمنى أن أعيش حتى يصدر حكم وتعود لى أملاكى، وأتبرع بها صدقة على أعز امرأة عرفتها فى حياتى، ليكون عربون حب ووفاء واعتذار وصلح قبل أن أذهب إليها قريبا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة