جـلال عـارف
جـلال عـارف


فى الصميم

فرصة جديدة وسؤال قديم: هل يعود الرشد للسلوك الإثيوبى؟

جلال عارف

الجمعة، 30 يوليه 2021 - 08:04 م

الفشل الإثيوبى فى الملء الثانى لسد النهضة لايبرئ إثيوبيا من انتهاكها للقانون والاتفاقيات الدولية، ولايعنى السماح بأن تكون التصرفات الأحادية من «أديس ابابا» بشأن النيل تملك أى شرعية.
وإذا كان المستوى المرتفع لفيضان هذا العام سيحد من تأثير المليارات الثلاثة أو الاربعة التى احتجزتها إثيوبيا هذا العام، فإن هذا لايعنى التبجح الإثيوبى بعدم إضرار السد لمصر والسودان وإنما يرجئ الخطر فقط، ويبقى التهديد قائما حتى يكون هناك الأتفاق القانونى الملزم الذى يحفظ الحقوق ويحقق مصالح كل الأطراف.
الفشل الإثيوبى يعطى فقط مهلة جديدة وهامة للتوصل إلى هذا الاتفاق إذا عاد الرشد للسلوك الإثيوبى وتوافرت عندها الإرادة الحقيقية من اجل التوافق الذى يحقق مصالحها مع مصالح شركائها فى النيل الازرق. والفيضان المرتفع هذا العام أيضا قد يسمح لنا بزيادة مخزون بحيرة السد العالى ويزيد قدرتنا على مواجهة الوضع فى حالات الطوارئ وسنوات الجفاف.
لكن ذلك لاينفى أن الضرر الإثيوبى وقع أولا باستمرار انتهاك القانون الدولى بالقرارات الأحادية واستمرار الملء بدون اتفاق. ووقع ثانيا بعدم توفر البيانات الكافية والضرورية حول حالة الفيضان وحول تشغيل السد ومايمثله من مخاطر على دولتى المصب. ووقع ثالثا بما سببه ذلك كله من آثار سلبية ظهرت أكثر فى السودان الشقيق. وهو يدير مواجهته مع ظروف الفيضان بدون تعاون إثيوبى وبدون بيانات يفرض القانون على إثيوبيا توفيرها لتجنب المخاطر.
أمامنا وأمام المجتمع الدولى فرصة جديدة لتجنب الصدام الذى لانتمناه، وللتوصل إلى الاتفاق القانونى الملزم لكل الأطراف. وإذا كان الاتحاد الإفريقى  سيمارس دوره ويدعو لجولة تفاوض جديدة فإنه من المستحيل أن يسمح فيها لإثيوبيا بتكرار لعبة المراوغة والتسويف. ومن هنا كان اشتراط مصر أن يكون التفاوض محدد المدة بحيث لا يتجاوز ستة أشهر، وأن يكون أيضا محدد الهدف وهو التوصل لاتفاق ملزم قانونا لابديل عنه لمنع الصدام.
الارادة المطلوبة للتوصل لهذا الاتفاق كانت وستظل حاضرة لدى مصر والسودان فهل ستتعلم إثيوبيا الدرس وتدرك أن هذا هو الطريق الصحيح لتحقيق المصالح الحقيقية لها بالتعاون مع شركائها فى النيل الأزرق وليس بالعدوان على حقوقهما الثابتة وتهديد حياة الملايين جريا وراء أوهام السيطرة المنفردة على مياه النيل، أو سعيا للهروب من أزمات الداخل الإثيوبى ومسئولية ماجرى ويجرى من جرائم فى حق شعوبها التى تستحق بالتأكيد ماهو أفضل من المذابح والحروب الأهلية التى يبدو أنها لاتزعج أبدا حامل نوبل للسلام «أبى أحمد» حتى والتحقيقات الدولية تجرى فى اتهامه بجرائم حرب ضد الإنسانية!!
ويبقى أننا وضعنا المجتمع الدولى أمام مسئولياته، وقدمنا كل الأدلة على عدالة قضيتنا وأيضا على مرونة مواقفنا فى البحث عن الحل التوافقى والتى لم تقابلها إثيوبيا إلا بالتعنت والتسويف والمراوغة ورفض أى التزام بحقوق الشركاء فى النيل الأزرق. وإذا كان الفشل الإثيوبى قد وفر فرصة جديدة للحل الذى يضمن مصالح وحقوق كل الأطراف، فإن على الجميع أن يتصرفوا بكامل المسئولية، وأن يدركوا أن الفرصة ليست بلا نهاية «والتفاوض كذلك» وأن على المجتمع الدولى أن يكون حاضرا وفاعلا فى استغلال الفرصة المتاحة من أجل التوصل للاتفاق الملزم، وأن على حكام اثيوبيا أن يدركوا جيدا أن مصر لاتناور حين تقول إن مياه النيل قضية وجودية بالنسبة لها، وأنها قضية أمن قومى المساس بها خط أحمر، وأن كل الخيارات متاحة إذا تم تجاوز هذه الخطوط.
نتمنى بصدق أن يعود الرشد للسلوك الإثيوبى وأن يدرك حكامها أنه لاسبيل أمامهم الا التوافق مع مصر والسودان باتفاق يحفظ الحقوق ويحقق المصالح ويفتح الباب أمام تعاون مشترك من أجل التنمية والاستقرار فى الدول الثلاث. هناك فرصة، وهناك إرادة إثيوبية لم تستهدف يوما التوافق.. فهل تدرك أخيرا أنه قد آن الأوان لعودة الرشد قبل أن تتخطى الخطوط الحمراء!!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة