المتابعة السريعة للتعليقات التي حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي وملاحظات مقدمي برامج «التوك شو» وضيوفهم وكتاب الأعمدة الصحفية علي الجلسات الأولي لمجلس النواب الجديد كشفت أن الانطباع الأول عن البرلمان ونوابه كان سلبيا بدليل هذا الكم من التعليقات الساخرة التي طالت كل شيء.. الاجراءات وكلمات وتصرفات رئيس المجلس والوكيلين والنواب وامتدت إلي التوسع في نشر صورهم وهم نائمون أو مشغولون بالتحدث في الموبايل حتي بدا البرلمان الجديد أمام الرأي العام وكأنه «عرض كوميدي» وهو ما لا نرضاه بالقطع لبرلمان 30 يونيو الذي نعلق عليه آمالا واسعة في اجراء الاصلاحات التشريعية التي تحقق انطلاقة في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتدعم الحريات والممارسة الديمقراطية بالاضافة إلي دوره في الرقابة علي أعمال الحكومة ومحاربة الفساد.
وقبل أن أدخل في صلب الموضوع أقول لكل من علقوا علي ما دار في هذه الجلسات بسخرية «وتريقة» هذا هو البرلمان الذي انتخبتموه وهؤلاء هم النواب الذين اخترتموهم وبتعبير أدق «كل شعب يستحق برلمانه».. إذا لم يكن البرلمان علي المستوي المطلوب فنحن المسئولون.. سبق أن حذرت أكثر من مرة من خطورة العزوف عن المشاركة في الانتخابات وعدم الاهتمام بالتدقيق في الاختيار لانتخاب الأصلح مؤكدا أن برلماناً يأتي من قاعدة انتخابية واسعة وفق اختيارات سليمة لابد أن يكون أقوي كثيرا من برلمان يأتي من قاعدة انتخابية ضيقة استسلمت لضغوط الصلات العائلية والقبلية وسطوة رأس المال السياسي.. وما حدث أن 25٪ فقط ممن لهم حق التصويت شاركوا في الانتخابات وبعضهم لم يراع الدقة في الاختيار.. إذن هذا برلمان آتي به 25٪ من الناخبين فليصمت الـ75٪ الباقون الذين تقاعسوا عن أداء واجبهم الدستوري ويتحملون نتيجة موقفهم السلبي.
انتقل الآن إلي السلبيات والايجابيات التي رصدتها خلال هذه الجلسات.. أولي السلبيات هذا الضعف الواضح في اللغة العربية الذي ظهر به رئيس المجلس والوكيلان وتراجع رئيس المجلس عن قرار اتخذه بالتصويت علي تأجيل انتخاب الوكيلين إلي اليوم التالي خلال لحظات بعدما تبين تفسيره الخاطئ لنص المادة (117) من الدستور التي تنص علي أن يتم انتخاب الرئيس والوكيلين في أول اجتماع لمجلس النواب وعاد المجلس ليصوت باستمرار الجلسة وانتخاب الوكيلين وكان يجب ألا يتسرع بطرح الأمر للتصويت قبل أن يتبين النواب حقيقة مضمون النص الدستوري.
وفي اليوم الثاني فاجأنا رئيس المجلس بتشكيل 6 لجان واحدة لتعديل اللائحة و5 لجان لمناقشة القرارات بقوانين التي صدرت في غيبة البرلمان ويتحتم مناقشتها واقرارها خلال15 يوما من انعقاد مجلس النواب وبعد اعتراض النواب علي هذا التوجه تراجع أيضا في نفس الجلسة وقرر إحالة هذه القرارات بقوانين إلي لجان المجلس الـ19 وفقا للائحة الحالية وتضمن جدول أعمال المجلس أمس الأول أن يتم أولا اقرار قوائم عضوية اللجان ثم تجري انتخابات هيئات مكاتبها ـ كل لجنة في مقرها ـ وهو ما لم يحدث أيضا حيث تم التراجع عن إجراء انتخابات هيئات مكاتب اللجان واعتبارها لجانا خاصة يرأس كل منها أكبر الاعضاء سنا وذلك بناء علي اقتراح من القاعة تم التصويت عليه بالموافقة.. ولا يخفي علي احد أن هذا التراجع جاء استجابة لضغوط قيادات ائتلاف دعم مصر لإتاحة الفرصة لهم لتوزيع «كعكة اللجان» دون تسرع!
أضف إلي ما سبق القرار المتسرع بمنع بث الجلسات علي الهواء الذي اتخذه المجلس في أعقاب الخلافات التي نشبت حول فكرة تشكيل 6 لجان فقط مما اضطر رئيس المجلس لرفع الجلسة حتي يعود الهدوء للقاعة وعاد المجلس للانعقاد ليقرر منع بث الجلسات علي الهواء فبدا وكأن المجلس لا يريد للرأي العام أن يتابع أعماله.. وصدر قرار آخر بمنع الصحفيين من دخول البهو الفرعوني مما اعتبروه تقييدا لحريتهم في التنقل والتحرك داخل المجلس فتجمعوا ونددوا بالقرار فألغاه رئيس المجلس ـ تحت ضغط ـ ناهيك عن عصبيته الواضحة رغم ما يعرف عن الأسوانيين من طيبة وهدوء.. لكنه يبدو أنه أراد أن يذبح القطة للنواب من أول جلسة ليخافوا منه!!
أما بالنسبة للايجابيات فأهمها ظهور بوادر خلافات بين أعضاء ائتلاف في دعم مصر تمثلت في فشل الائتلاف في انجاح مرشحه لوكالة المجلس علاء عبدالمنعم ثم رفض عدد كبير من أعضائه فكرة اللجان الست لتعديل اللائحة ومناقشة القرارات بقوانين التي صدرت في غيبة البرلمان واصرارهم علي أن تحال للجان المجلس الـ19 طبقا للائحة الحالية وان كانوا قد رضخوا في النهاية لفكرة تأجيل انتخابات هيئات مكاتب اللجان واعتبارها لجانا خاصة.
هذه الظواهر تؤكد صدق ما ذكرته في مقال الأسبوع الماضي من صعوبة تحقيق حلم قادة ائتلاف دعم مصر في السيطرة علي البرلمان والتحكم في قراراته.. هذا برلمان مختلف وسأظل أكررها وأؤكدها.