إذا كنت في كثير من الأحيان وبعينيك الثاقبتين غير قادر علي استجلاء صورة الحقيقة فيما تراه أو تشاهده، فإن عيناً واحدة بالضرورة لاتكفي، وحتماً لن تستطيع أن تري الأمور كما يراها الآخرون. شئ من هذا هو سبب ذلك اللغط الكبير الذي أحاط بأول اجتماعات مجلس النواب الذي وصمه البعض بأنه سيرك ليس له صاحب وأنه كارثة وأنه برلمان مهندس وراثياً حيث طعمت عملية تصنيعة بجينات من موروثات الحزب الوطني في معامل أجهزة أمنية، وأن جلسة الافتتاح كانت مسخرة تنضح بعدم كفاءة التنظيم والترتيب والإعداد، وأن قيادة المجلس إذا ماقورنت بكفاءة وحرفية من زوروا إرادة الشعب، وأعوانهم فإن الفارق كبير، وأن الرئيس المنتخب د. علي عبدالعال لاتدعم تاريخه أي خبرة إدارية أو قدرات مهنية، بل هو من المدربين علي السمع والطاعة، فقد خدم في الديوان الأميري الكويتي أكثر مماخدم في مصر، وأن أستاذ القانون في خطبة استهلاله بالرئاسة قض مضاجع واضعي قواعد النحو والصرف،سيبويه وأبو الأسود الدؤلي ومعهما الخليل الفراهيدي فرفع المنصوب ونصب المجرور ولم ير عشرات الكلمات المسبوقة بحروف الجر من وفي وإلي وعلي وحتي وفاء السببية ولام الاختصاص وكاف التشبيه،التي تعلمنا منذ الصغر أنها تجر قطارا بكامل عرباته، وكان عليه وهو الفقيه القانوني أن يطلب من أحد المتخصصين تشكيل مايقرأه تقديراً لمسئولية وأمانة وحساسية موقعه، كما بدا ضعيف الحجة القانونية غير مطبوع علي القيادة حين تذرع بطلب عدد من النواب تأجيل انتخاب الوكيلين للغد، ولما خرج عليه من يحاجيه بمخالفة ذلك للدستور تذرع بأنه هو كاتبه وأنه يحفظه، وبدأ التراشق واللغط واهتزت منصة القيادة، وكان أغناه أن يقول من البداية: أعلن علي حضراتكم بعد تأخر الوقت وطول ساعات العمل والإرهاق البادي علي الجميع أن تكون الجلسة ممتدة، وترفع للاستراحة من الآن وحتي التاسعة صباحاً لنستكمل أعمال الجلسة الإجرائية. إنها الكفاءة ياسيدي في دولة هي عدو أصيل للكفاءات ولاترتضي إلا الاستمرار في كارثة اختيار الأقل كفاءة، وعند أجهزتها ذكاء المرء محسوب عليه، مايكلف الوطن فرصاً مهدرة ويخصم من شعبية الرئيس ويسيء لدولة يمكنها أن تكون أفضل كثيراً. ثم ماهي ضرورة تكرار كلمات مدرسية حسبنا أننا تجاوزناها وطواها منطق العصر وتحولات الفكر والسياسة في وطن اجترح معجزات في فترة قليلة بثورتين وأنجز مشروعات ما استطاعها شعب آخر في عام ونصف مع عبدالفتاح السيسي الذي ينبغي أن يتوقف الجميع عن نفاقه والتزلف إليه فالرجل ليس في حاجة لهذا، وليحترم نواب البرلمان مواقعهم وشعبهم وصورة مجلسهم وهيبة سلطته التشريعية.
وفي تقديري أن المجلس به كفاءات مؤهلة كثيرة، فلماذا لم يوكل أمر الرئاسة لسيف اليزل أو أسامة هيكل وغيرهما من المنتخبين لتحالف الأغلبية؟. هل تريد أن أقول لك ماهو أكثر؟ ولعلي قلته في مقالات سابقة، وكما قدمت دعماً لرئيس صنعناه علي أعيننا ولرجال حوله أحدثوا نقلة نوعية في سياستنا الخارجية واستطاعوا في وقت محدود كسر الحصار الدولي حول مصر واستعادوا لها دورها وكما كتبت عن قواتنا المسلحة والقائد الفريق صدقي صبحي ورئيس المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، فقد كتبت وتحدثت للميديا عن هواة حول الرئيس وفي مواقع السلطة وطالبت بإقالة حكومة الببلاوي وانتقدت وزارة محلب وناقشت ناقداً ومفنداً مصائب يصنعها وزراء غير مؤهلين، لكن هل هذا وقته؟ وهل الظرف العام يسمح برفاهة مناقشة طموحاتنا وأمنياتنا وطلبات كل منا ونحن داخل المنزل الذي تحيط به النيران شرقاً وغرباً وجنوباً، وتلعب في أروقته وحجراته وجدرانه وسياجه فئرانالإرهاب المشتعلة؟ أين فقه الأولويات ياسادة؟.
وسبق أن تحدثت إليك مرات عن ضرورة حساب فروق التوقيت واختيار اللحظة وترتيب الأولويات. إن مسئولياتنا الوطنية تحتم علينا جميعاً تقدير الموقف الدولي العام حولنا ومايحاك ضدنا من قوي غربية وغيرها إقليمية نافذة في النظام العالمي وأحلافه وأزلامه وإرهابه، حتي قال السيسي بوضوح: «نحن في صراع وجود». إذن قبل مايمكن أن نتناوله اليوم معاً من نقد ليس للبرلمان وحده وإنما للدولة وأجهزتها وللرئيس ورجاله والحكومة ووزرائها، علينا أن نسأل أنفسنا هل هذا هو الأوفق والمناسب؟ وهل هو وقته الصحيح؟ الرد ببساطة أمام مايواجه الوطن من تحديات يقتضينا أن نفتح العين الثانية وأن نعظم من الإيجابيات ومهما كانت صغيرة، لا بالطنطنة للرئيس فغالباً تأتي بعكسها خصوصاً إذا كان حاملو الرسالة ممن عافهم الشعب واستاء منهم، وإنما بأن نبني علي الموجود وندعم القائم ونعطيه الدعم والنصيحة والمشاركة.
بوضوح رغم كل ماقيل عن البرلمان، سأكون واحداً من أول الداعمين له، إذ قناعتي بأن ماشاهدناه جاء بعين واحدة،فعين الرضا عن كل عيب كليلة، وعين السخط تبدي المساويا. وقفتنا مع البرلمان ودعمه لادفاعاً عنه ولادفاعاً عن أجهزة اختارت ولعبت وهندست، ولا دفاعاً عن نظام السيسي، وإنما دفاعاً عن وطن تترصده قوي حاقدة ومخططات مشبوهة، وانظر إلي مسخرة اجتماع برلمان الإخوان الموازي في استانبول وماتقدمه له تركيا من دعم،وهو عبث بلاقيمة، ولعل شعبنا الذكي يعرف من أين تأتي السهام المسمومة.
إذن كما علينا كشعب واجب وطني نقدمه بكل إخلاص وتجرد، فعلي النواب أيضاً أن يضعوا مسئولياتهم نصب أعينهم، فلا يسلموا قيادهم بأسلوب ساذج فج لمن يحاول أن يجعلهم محللاً ومسوغاً وتابعاً للسلطة التنفيذية التي ينبغي أن يكونوا شركاء وأنداداً ورقباء عليها، وليس في ذلك دعوي للتمرد والوقيعة وإنما دعوة لالتزام الحدود بالدستور والقانون، فالنواب جميعاً إلا قليلاً جداً نثق في دعمهم للدولة، وهذا لايتحقق إلا بممارسة مهام النيابة باحتراف وتجرد. ادرسوا واقترحوا وناقشوا، واشركوا معكم الشعب والخبراء والأحزاب والنقابات والجامعات ومنظمات المجتمع المدني في دراسة القوانين والتشريعات والمقترحات، ومكنوا للشعب أن يشارك في ملعب سياسي مفتوح، فلا تحولوا المجلس إلي مغارة الرأي الواحد والفكر الواحد والتعليمات الفوقية، وسعوا الدوائر لتسمح بأن نكون شركاء لا أجراء، واعلموا أن مجلس النواب ليس مكلمة أو فرصة للظهور العلني والدعايات الفضائية فقط، إنما هي مسئولية نثق أن أكثركم يعلم أبعادها ومتطلباتها، وسوف ندعمكم. وبدلاً من لعبة التنافس بين التكتلات والتحالفات لحيازة الرئاسات والوكالات واللجان، فلتجعلوا المنافسة في صالح الشعب والناس والدولة بأن يكون كل حزب وائتلاف مجموعات خبراؤه من أعضاءه ويستعين بكل الكفاءات التي يتمتع بها الوطن وتستبعدهم آلة الدولة الجهنمية التي تزعم أن البلد تم تجريفه، ويوكل إليهم ملفات تخص مشروعنا الوطني للبناء والتقدم والنهضة، افتحوا الأبواب التي أوصدوها أمام المؤهلين والشباب والكفاءات واستفيدوا بأفكارهم وخبراتهم، ولاتستسلموا للأفكار المدرسية الساذجة التي يروج لها البعض في دوائر الحكم، فلايزالون هواة في مواقع السلطة. الوطن يحتاجنا جميعاً، وكما قال المناضل كمال أحمد إن محراب الوطن يسع الجميع، صلوا للوطن وادعوا له واعملوا من أجل الحفاظ عليه وتبتلوا في محرابه