ممدوح الصغير
ممدوح الصغير


مصرى

سبعة أيامٍ.. فى بلاد الصالحين

ممدوح الصغير

السبت، 31 يوليه 2021 - 07:31 م

 

عشتُ أسبوعًا من السعادة؛ بقضاء إجازة عيد الأضحى فى مسقط رأسى، جنوب الاقصر.. سعادةُ لم يُفسدها الجو الحار، بعد أن هزمت الطبيعة الساحرة موجة الطقس الساخنة، وصالحتنا ليلاً بنسمات الهواء النقى؛ مثل قلوب مَنْ سكن الأرض.
البقعة التى قضيت بها إجازاة العيد يُطلقون عليها "بلاد الصالحين"، فقد أحبها أولياء الله، واختاروا الحياة  بها منذ 10 قرونٍ، وحرصوا على دفن  أجسادهم فيها، ومعظم أولياء الله فى الجنوب من شمال أفريقيا والعراق وأراضى الحجاز، وكأنهم عرفوا أنه بعد سنوات طويلة، سيأتى بشرٌ  يُحبون كرامات أولياء الله. وهب الله لمعظم قرى الجنوب طبيعةً ساحرةً، يحف النيل حدودها، وتُحاصرها الزراعات من كل اتجاهٍ.. تستقيظ صباحًا علي أصوات الطير، وفى المساء ترى رُؤى العين ملئها للأشجار، تصدر أصواتًا قبل أن تخلد إلى النوم، حتى كلاب قرى جنوب الأقصر صارت  نسخةً طبق الأصل من كلاب الكرام، التى جاء ذكرها فى حكايات التراث، إذ صارت أليفةً مع زوار المنازل، لا تعوى عليهم بعد أن اعتبرتهم أصحاب بيوت.
التقيتُ فى أيام الإجازة بعددٍ كبيرٍ من أصحاب الأمس، زملاء الدراسة، لا تزال قلوبهم كما هى عندما كنا  في عُمر العشرين، لم يتغيَّروا رغم غزو الشيب لرؤوسهم. 
حياة الزُهَّاد أولياء الله، أثَّرت على سلوكيات سكان البلاد فى الرضا بالحال، وعدم الخوف من نقص الرزق، حيث النوم والاستيقاظ المُبكِّر على صوت المُؤذِّن لصلاة الفجر، فالمساجد شبه مفتوحةٍ طوال اليوم، يتواجد بها الصغار قبل الكبار.. سكان القرى أقاموا مساجد على الطرق السريعة، تستقبل الناس طوال الأربع وعشرين ساعةً؛ من أجل أن تكون بيوتًا لراحة المسافرين أيضًا.
 الرضا هو حال كل مَنْ التقيت بهم، رغم قسوة الحياة وعدم وجود فرص عملٍ لخريجى الجامعات، بعضهم لا يلوم الحكومة على تجاهلها، بل يصبُّ غضبه على اختفاء الدور المجتمعى لرجال الأعمال فى مساعدة الدولة وتحمُّل المسئولية، يلومون أنفسهم على اختياراتهم لأعضاء مجلس النواب، الذين لم يُقدِّموا رُؤى تخدم المصلحة العامة.. 
فى قرى الجنوب، العيب مُقدَّمٌ على الحرام، نبذٌ لكل ما هو مُحَّرمٌ، وعشقٌ لكل ما هو حلال ولو كان قليلًا، هناك قصص كفاحٍ لأشخاصٍ بدأوا حياتهم من تحت الصفر، وأصبحوا اليوم كبارًا ولهم كيانٌ ومشروعات، بعضهم نجح لأن له خبيئةً مع الله، إذ هناك يكثر صُنَّاع الخير؛ دون إعلانٍ عن أنفسهم وما يُقدِّموه للناس.
رغم عدم الثراء لغالبيةٍ كبيرة، ترى كرمًا وكأنك تعيش فى سنوات خلافة الراشدين.. لحوم الأُضحية تم توزيعها على المُحتاجين فى سريةٍ تامةٍ، الصدقات خرجت لم يعرف طريق مصارفها أحدٌ، البيوت امتلأت جميعها خيرًا كأن الكل سواسية فى الوضع والموضع، نعم كان فقير الجنوب فى كلٍّ عفيفًا، كريمًا، لأقصى درجة ممكنة.
قرى الجنوب أيضًا يكثر بها  أضرحة أولياء الله الصالحين، أبو الحجاج فى الأقصر، والأمير غانم والشيخ أبو عوف فى المطاعنة، وسيدى عبد الرحيم القنائى فى قنا، بخلاف المئات فى النجوع والتوابع، يُضاف عليهم ساحات الزُهَّاد فى إسنا وإدفو والأقصر، التى تمتلئ مساء كل جمعة بآلاف الزُوَّار، وقد وفدوا لعبادة الرحمن فى أماكن ليس لهم فيها اسمٌ أو وظيفةٌ سوى أنهم فقط عبيدٌ من عباد الله، مُهمتهم التذلُّل للخالق، وهو حال كل مَنْ يتواجد بهذه الساحات، يرجو الرضا ويطلب العفو والمغفرة، فاللهم اجعلنا منهم.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة