صورة جوية لمعسكر «ناحال»  -   بعثة منظمة الصليب الأحمر فى زيارة لمعسكر أبوزنيمة
صورة جوية لمعسكر «ناحال» - بعثة منظمة الصليب الأحمر فى زيارة لمعسكر أبوزنيمة


وثائق يُزاح عنها الستار بعد 50 عامًا.. لاعتقال أبرياء قطاع غزة

هالة العيسوي- محمد نعيم

السبت، 31 يوليه 2021 - 07:58 م

شارون وجازيت وديَّان قادوا النساء والأطفال   للمعسكر.. و«الصليب الأحمر» أعرب عن القلق!
سفير إسرائيل الأسبق أشاد بالجريمة وفرض على شباب القطاع العمل فى مستوطنات الضفة

 

«إذا اقتصر ذنب هؤلاء الأبرياء على انتماء قريب إلى حركة «فتح»، أو العجز عن إيجاد فرصة عمل؛ فما ذنب الرضيعة التى لا يتجاوز عمرها 7 أشهر؟! أو الأم التى يربو عمرها على 80 عامًا؟! هل يعى هؤلاء سببًا لاقتيادهم إلى معسكرات اعتقال إسرائيل فى سيناء؟!. المشكلة الأكبر، أنه لا أمل فى عودة هؤلاء الأبرياء إلى منازلهم مجددًا فى قطاع غزة». 


حملت تلك الفقرة الموجزة فحوى مذكرة، رفعتها لجنة الصليب الأحمرعام 1971 إلى مقر المنظمة فى چنيف، تعليقًا على زيارة أعضائها للمعسكرات، التى اعتقلت فيها إسرائيل شيوخ ونساء وأطفال غزة فى أبوزنيمة و«ناحال»؛ وأثبتت المذكرة ضلوع قيادات إسرائيلية فى الجريمة من بينهم: قائد لواء المنطقة الجنوبية أرئيل شارون، ووزير الدفاع موشى ديَّان، ونائب مدير عام الخارجية موشى ساسون، الذى تولى لاحقًا منصب سفير إسرائيل لدى القاهرة.
المذكرة وغيرها من وثائق سريَّة، ظلت حبيسة الأدراج لمدة 50 عامًا، ولم يُكشف عنها النقاب إلا قبل أيام، بعد طلب تلقاه أرشيف جيش الاحتلال من مركز أبحاث «عكيڤوت» الإسرائيلي، المعنِى منذ عام 2014 بإعداد دراسات وأبحاث حول النزاع الفلسطينى - الإسرائيلي. 


وفى تقديمه للوثائق وفحواها، يشير المركز إلى أن الأرشيف الإسرائيلي، أفرج فقط عن نذر من معلومات بهذا الخصوص، ولم يسمح بنشر أية تفاصيل حول دور رئيسة الوزراء حينئذ جولدا مئير فى تدشين معسكرات اعتقال، تضاهى معسكر «جوانتانامو» الأمريكى سيء السمعة، جنوب شرق كوبا.


تفاصيل القصة


ويتناول تقرير نشرته صحيفة «هاآرتس» تفاصيل القصة، مشيرًا إلى أنه بعد حرب 1967، وتحديدًا فى الفترة ما بين يناير 1971 حتى منتصف 1972، قام قائد لواء المنطقة الجنوبية فى حينه أرئيل شارون بتصفية عدد هائل من كوادر المقاومة فى قطاع غزة، بالإضافة إلى هدم العديد من المنازل، وفرض أكثر من حصار، وإجراء عمليات تفتيش دورية واسعة النطاق. 


لكن تلك العملية لم تجسد وحدها ما حدث، إذ تشير وثائق الأرشيف الإسرائيلى إلى قرار القيادة الإسرائيلية حينئذ بتدشين معسكرين لاعتقال حشود من المدنيين الغزاويين، وجرى بناء المعسكر الأول فى 5 يناير 1971 بمنطقة أبوزنيمة جنوب غرب سيناء، على بعد 300 كيلو متر جنوب مدينة غزة.

وبعد وقت وجيز من بنائه، نقلت إسرائيل إليه المعتقلين الغزاويين الأوائل: 59 شخصًا من أبناء عائلة فلسطينية واحدة. ولم تلتفت إسرائيل إلى «قلق» لجنة الصليب الدولى إزاء تلك الخطوة، وإنما زجَّت بـ27 شخصًا آخرين إلى المعسكر، فضلًا عن عشرات النساء والأطفال، بحسب الصحيفة العبرية.


اعتراف بالقتل


الوثائق تضمنت محاضر اجتماع أول منسق إسرائيلى للأعمال فى الأراضى المحتلة، اللواء شلومو جازيت، الذى تولى لاحقًا رئاسة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وكشف أحد هذه المحاضر عن اجتماع جازيت فى 26 يناير 1971 بأعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية الإسرائيلية، واعترافه بعمليات القتل والتشريد وهدم المنازل فى قطاع غزة، إلا أنه زاد عليها ما وصفه بـ«الوسيلة الثالثة»، وهى اعتقال شيوخ ونساء وأطفال عائلات غزاوية، وإيداعهم معسكر اعتقال أبوزنيمة فى سيناء؛ مشيرًا إلى أن ذلك يحقق هدفًا مزدوجًا: من ناحية يمنع الأهالى من تشجيع أبنائهم على المقاومة، ومن ناحية أخرى يحول دون انضمام الشباب إلى «فتح».


وخلال الاجتماع ذاته، أوضح جازيت: «ربما يعد ذلك نموذجًا أوليًا لتطوير أدوات منهجية، لممارسة الضغط على الفلسطينيين الأبرياء - الطلاب والأطفال والنساء - لتحقيق أهداف أمنية وسياسية».

وتعقيبًا على «الوسيلة الثالثة»، زعم وزير الدفاع فى حينه موشى ديَّان: «اعتقال الشيوخ والنساء والأطفال لا يعد عقابًا، وإنما وسيلة لمنع المدنيين من توفير ملاذ آمن لعناصر المقاومة، فهذه الوسيلة أفضل وأكثر تأثيرًا من هدم المنازل، خاصة إذا كان المطلوب مجرد مستأجر للمنزل الذى يتم هدمه، ولا يعلم المالك شيئًا عن نشاطه».

وأوضح ديَّان، وفقًا لمحضر الاجتماع: «هذا الإجراء هو أفضل وسيلة للردع، ولاسيما أنه يشجع ولى الأمر على منع ابنه من المقاومة، أو الانضمام إلى «فتح»، وكأن لسان حال عائل كل أسرة يقول: «إذا قاوم الأبناء أو انضموا إلى «فتح»، ستقود إسرائيل العائلة بأسرها أطفالًا ونساءً وشيوخًا إلى أبوزنيمة فى سيناء». وفى محاولة لتخفيف حدة الجريمة، قال ديَّان: «لا نمارس ذلك مع أسرة الشاب الذى اعتقلناه فعلًا».


87 طفلًا


وفى فبراير 1971، سمحت إسرائيل لكوادر منظمة الصليب الأحمر بزيارة معسكر أبوزنيمة، والتقى أعضاء الوفد حينئذ بممثلين عن 23 أسرة غزاوية، بلغ عددهم 140 شخصًا، من بينهم 87 طفلًا. وكتب ممثلو الصليب الأحمر فى مذكرة، رفعوها إلى مقر المنظمة الرئيسى فى چنيف: «إذا اقتصر ذنب هؤلاء الأبرياء على انتماء أحد الأقارب إلى حركة «فتح»؛ فما ذنب الرضيعة التى لا يتجاوز عمرها 7 أشهر؟ أو الأم التى يربو عمرها على 80 عامًا؟ هل يعى هؤلاء سببًا لحشدهم إلى معسكرات اعتقال إسرائيل فى سيناء؟.

المشكلة الأكبر، أنه لا أمل فى عودة هؤلاء الأبرياء إلى منازلهم مجددًا فى قطاع غزة».


وبعد زيارتين، قام بهما ممثلو الصليب الأحمر إلى معسكر أبوزنيمة، قال أحد ممثلى المنظمة الدولية، إنه «صُدم من قسوة السلطات العسكرية الإسرائيلية فى التعامل مع العائلات الغزاوية».

وأوضح أن تسع عائلات من القطاع لم تبرح معسكر الاعتقال منذ أشهر، بعد أن ثبت أن أقاربهم المطلوبين هاجروا من قطاع غزة، وحتى بعد تدمير منازلهم. وأضاف: «يبدو أن مسئولية هذه الممارسات، تقع فقط على كاهلىّ شلومو جازيت، وأرئيل شارون، وأنه لا يوجد شخص فى إسرائيل يمكنه التأثير عليهما سوى وزير الدفاع موشى ديَّان، لكن الأخير صادق ويحرص على تفعيل تلك الممارسات».


اعتقال البطالة


أما معسكر الاعتقال الإسرائيلى الآخر، فهو معسكر «ناحال»، الذى يحمل اسم المستوطنة الإسرائيلية التى أقيم فيها آنذاك، ويقع وسط شبه جزيرة سيناء، على مسافة تبعد سبع ساعات سفر من مدينة غزة. ويستهدف المعسكر اعتقال الشباب الغزاوى العاطل عن العمل فقط، ولا تدور حوله أية شبهة انتماء للمقاومة، أو الانضمام إلى فصيل سياسي.

ووفقًا للوثائق، قال شلومو جازيت خلال مباحثات أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية: «العملية الثانية التى من المقرر الشروع فيها بقطاع غزة، وربما تعد أكثر راديكالية من سابقتها، هى اعتقال العاطلين عن العمل، وحشدهم إلى معسكر «ناحال» وسط سيناء».


وبموجب الوثائق، دارت فكرة العملية الثانية حول ضرورة اعتقال ما بين 100 إلى 200 شاب عاطل فى اليومين الأولين للعملية. صحيح أن هؤلاء الشباب ليس لهم أية علاقة بنشاط المقاومة، لكنهم باتوا قنبلة موقوتة، يمكنها الانفجار فى أية لحظة، إذا انضمت إلى حركة «فتح»، ولاسيما فى ظل حالة الفراغ التى تفرض نفسها عليهم بعد التخرُّج وغياب فرص العمل، بالإضافة إلى إحجامهم عن العمل فى مستوطنات الضفة الغربية.


تبرير السفير


فى ظل هذا الواقع، رأى القائمون على العملية الإسرائيلية الثانية، وفى طليعتهم شلومو جازيت وأرئيل شارون، اقتياد شباب غزة العاطل إلى معسكر «ناحال»، وتمرير رسالة لما تبقى من شباب غزة، تفيد بأنه بات لزامًا عليهم القبول بالعمل فى مستوطنات الضفة الغربية، وإلا سيواجهون مصيرًا لا يغاير مصير قرنائهم.


وفى مذكرة أعدها بهذا الخصوص، تطرق نائب مدير عام الخارجية الإسرائيلية حينئذ موشى ساسون، والذى جرى تعيينه لاحقًا سفيرًا لإسرائيل لدى القاهرة إلى عمليات اعتقال المدنيين الغزاويين، وبررها بأنها «تكبح جماح المقاومة فى قطاع غزة عبر ممارسة ضغوطات مختلفة على الفلسطينيين، حتى ولو كانوا أبرياء». 


ورأى الدبلوماسى الإسرائيلى الأسبق ضرورة «الضغط على العديد من سكان المخيمات الفلسطينية، سواء أولئك الذين أنهوا دراستهم، أو العاطلين عن العمل، واقتيادهم إلى العمل فى مستوطنات الضفة الغربية». وخلص ساسون إلى أن الشباب الغزاوى العاطل، ورغم أنه لم يقترف ذنبًا ضد إسرائيل، إلا أنه لابد من اعتقاله إداريًا، وإيفاده إلى معسكر اعتقال فى سيناء، ليصبح خلاصه الوحيد فى العمل بمستوطنات الضفة الغربية.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة