ماركوس.. شيف سويسرى
ماركوس.. شيف سويسرى


ماركوس.. شيف سويسرى بـ«تحبيشة» مصرية

ضيوف فى قلب مصر

آخر ساعة

الأحد، 01 أغسطس 2021 - 09:45 ص

رغم الأعداد الكبيرة التى حصرتها المفوضية السامية لشئون اللاجئين، إلا أن مصر لديها أعداد تفوق الملايين من اللاجئين الموجودين على أراضيها من مُختلف الجنسيات، وفقًا لما أكده من قبل وزير الخارجية، سامح شكرى، فى أحد اللقاءات التى ناقشت ملف اللاجئين داخل الأمم المتحدة.

التقديرات تُشير إلى أن مصر تتربع على قمة الدول المُحتضنة للاجئين، إذ يحتضن الإقليم المصرى على مدار العقدين الماضيين ما يزيد على 5 ملايين لاجئ، من شرق آسيا، وأفريقيا، وأن المعدل ارتفع إلى هذا الحد بعد الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية التى نشبت فى السنوات العشر الأخيرة، بسبب الأعداد الكبيرة للاجئين الوافدين لمصر من السوريين والعراقيين واليمنيين، بخلاف الأشقاء الفلسطينيين المتوافدين على الدولة المصرية منذ احتلال 1948.

هذه الأعداد تؤكد أن التجربة المصرية فى احتواء اللاجئين، ملهمة وضرورية، فاللاجئ يعيش بجوار المواطن المصرى، وتُفتح له مجالات الاستثمارات وإقامة المشروعات التجارية والصناعية، وغالبية الأشقاء الفلسطينيين والسوريين الذين يعيشون فى مصر يشهدون على ذلك.

التجربة المصرية تعاملت مع ملف اللاجئين بأخلاق الفرسان، على خلاف ما تعاملت بعض الدول الأخرى التى تأخذ من مسألة اللاجئين وسيلة لتسول الأموال، وتنفيذ الصفقات السياسية.

وطوال تاريخها، احتضنت مصر عددًا من أبناء الجنسيات المختلفة بمن فيهم طالبو اللجوء، مثل لجوء الأرمن إلى مصر هربًا من مذابح العثمانيين 1915، ولجوء الفلسطينيين عقب حرب 1948، و لجوء أبناء السودان فى أعقاب الحرب الأهلية 1985، وكذلك نزوح عدد كبير من اللاجئين من مختلف أقطار الوطن العربى فى الآونة الأخيرة.

ليس اللاجئين فقط، وإنما احتضنت مصر آلاف المواطنين من مختلف الجنسيات الذين وجدوا فى أحضان المحروسة سبيلاً للعيش فرفضوا مغادرتها وعاشوا وسط أهلها وتألق كل منهم فى مجاله وباتوا مصريين ربما أكثر من المصريين أنفسهم.

فى صفحات الملف التالى، ترصد آخرساعة عن قرب أوضاع ضيوف مصر فى بلدهم الثانى، وكيف يتعامل معهم الشعب المصرى، والامتيازات التى يحصلون عليها، وغيرها من الموضوعات الشيقة عن أوضاع اللاجئين فى مصر. 

علا نافع

فى أحد أيام صيف 1994 حطت الطائرة القادمة من مطار بازل السويسرى على أرض مصر، نزل منها الشيف ماركوس أيتن، تعتلى وجهه علامات التعب والمشقة بعد رحلة دامت خمس ساعات، فقد جاء للعمل فى أحد الفنادق المشهورة كطاهٍ ذائع الصيت، ومنذ اليوم الأول لوجوده بالقاهرة شعر أنها مدينة جميلة تحتضن الكثير من الهويات والثقافات، الكل يذوب فى رحابها فبات من الصعب الإحساس بمذاقها ونكهتها.

وعلى مدار 27 عاماً تنقل ماركوس بين الغردقة وشرم الشيخ والأقصر للعمل فيها حتى قرر الاستقرار فى مدينة الفيوم، وتحديدا فى قرية تونس حيث الطبيعة الساحرة، وذلك بعد إلحاح من صديقته الراحلة إيفلين بوريه، ملكة صناعة الخزف والفخار كما يطلق عليها، وافتتح هناك مشروعاً حيث أنشأ مدرسة لتعليم فنون الطهي، واستقطب هواة الطبخ من جميع الأعمار شريطة إتقانهم القراءة والكتابة، كما أسس جمعية الطهاة المصريين بتشجيع من وزير السياحة وقتذاك ممدوح البلتاجي، بهدف تحسين معايير فن الطهى وتدريب الطهاة حسب المعايير الدولية، وقد تخرج من جمعيته عشرات الطهاة الذين جابوا دول العالم ورفعوا اسم مصر عالياً، وكان للشيف السويسرى باع طويل كعضو لجنة تحكيم فى مسابقات الطهى العالمية متبعا قاعدة جودة الطعام فى نكهته الطبيعية.

ويرى ماركوس أن المطبخ المصرى يعتمد على التنوع فى الخضراوات ومزج الكثير من النكهات معا، معيباً على ربات البيوت الإفراط فى استخدام الثوم والبصل، مما يفقد الأطباق مذاقها الأصلي، ويحرص على تعليم تلاميذه مبادئ الطهى من استخدام أدوات المطبخ، ناهيك عن اختيار أفضل الخامات، ويقتصر فى مطعمه على إعداد أصناف بعينها من دون اللحوم الحمراء، اعتقاداً منه أن الإفراط فى تناولها يخل بالتوازن البيئي، ويقلل منسوب الماء العذب.

يعشق الشيف السويسرى إعداد الأطعمة المصرية مثل الكشرى والفتة والعدس، ويقدمها فى أطباق مصنوعة من الخزف والفخار، صنعها محمود، أحد تلامذة الفنانة التشكيلية ∀إيفلين∀، بعد أن خصَّص له غرفة فى مطعمه ليقدم فيها منتجاته، ويهتم رواد المطعم بمشاهدة التحف الفنية واقتناء هدايا تذكرهم برحلتهم الممتعة.

وعلى مقربة من بحيرة قارون، وبين الأشجار الكثيفة يتربع مطعم ∀الخواجة ماركوس صاحب الـ66 عاماً، هكذا يطلق عليه أهل الفيوم والسائحون الذين يأتون إليه خصيصاً فى ∀مهرجان الخزف والفخار، الذى يُقام فى مطلع نوفمبر من كل عام، ويستمر لمدة ثلاثة أيام.. ويعكف العاملون بالمطعم على تنظيف الخضراوات وتقطيعها قبل ساعات من بدء العمل، ويتابعهم ماركوس عن كثب ملقياً عليهم التعليمات باللغة الإنجليزية التى تتخللها بضع كلمات عربية.. ينادى على عبدالله أحد مساعديه، ليبدأ فى تجهيز الصلصات المختلفة، مؤكدا عليه عدم إضافة منكهاتٍ أو توابل، ويثنى على براعته فى صنع فيليه سمك البلطى الذى يجلبونه من بحيرة الريان.

يقول ماركوس لـآخرساعة: عملت فى الكثير من المطاعم بدول أوروبية وعربية، لكننى كنت أشعر بالغربة وصعوبة فى التأقلم مع أهلها، لكن منذ أن وطئت قدماى أرض مصر شعرت بالسلام والألفة، فأهلها يمتازون بالطيبة والكرم وخفة الظل، لكننى عانيت بسبب زحام العاصمة فهرعت للعمل بمطاعم المدن الساحلية مثل الغردقة والجونة وشرم الشيخ، وعندما واتتنى فرصة الانتقال للفيوم لم أتقبل الفكرة فى بادئ الأمر، لكن مع يومى الأول بين سكانها وقعت فى غرامها.

يتابع: ∀جاءت فكرة الانتقال لقرية تونس بعد إلحاح صديقتى الراحلة إيفلين، التى أكدت لى أن الحياة فى الفيوم لا تقاوم، ويتميز أهلها بالطيبة، فقررت الانتقال إلى هناك، وافتتاح مطعمى الخاص مع شريكتى مريم، جنباً إلى جنب مع مدرسة لتعليم فنون الطهي، يرتادها كل محبى الطهي، مشيراً إلى أن هناك شروطاً صارمة وضعها للقبول بمدرسته، أبرزها ألا يقل سن المتقدم عن 30 عاماً وإجادة القراءة والكتابة.

ويتبع ماركوس فلسفة آمن بها وهى استغناؤه عن أجهزة التواصل الخارجى مثل التليفزيون والتليفونات المحمولة الحديثة، قائلا: الفيسبوك والتليفزيون مضيعة للوقت، وتحرمك من الاستمتاع بحياتك الاجتماعية، كما تشعرك بالعزلة عن مجتمعك، وأغلب هذه الوسائل لا ينقل الواقع بل مجرد مبالغات، مضيفاً: المال لا يصنع السعادة، بل الرضا والقناعة بالموجود، وهذا ما لمسه فى أهل الفيوم.

وعن أسباب استقراره بمصر يقول: ∀الطبيعة الساحرة والطقس الرائع من أهم الأسباب، وكذلك (جدعنة المصريين)، فهم لا يتوانون عن تقديم المساعدة للغرباء والترحيب بهم، لكننى أعيب على أكثرهم إضاعة الوقت وعدم الاستفادة به∀، مشيراً إلى أن أغلب فلاحى الفيوم ينظمون وقتهم ويهرعون لأعمالهم فى الصباح الباكر مرتدين جلابيبهم الفضفاضة معتمدين على وجبات خفيفة من الطعام، وهذا ما شجعنى على الاندماج معهم وتكوين صداقات كثيرة، ومحمود صاحب معرض الخزف واحد منهم فهو من أمهر الصناع وأنجبهم، حتى أن السائحين الأجانب يأتون إليه خصيصا لمشاهدة إبداعاته∀. 

وحول جمعية الطهاة التى أسسها يقول: فى عام 1997 واتتنى فكرة إنشاء جمعية تضم الطهاة المصريين لتساعدهم فى تطوير معايير فن الطهى وتصبح بمثابة صوت لهم فى كافة القضايا المتعلقة بالمهنة، كما تهتم بتدريبهم حسب المعايير الدولية، مع إقامة مسابقات دورية لهم، وعرضت الفكرة على وزير السياحة وقتذاك ممدوح البلتاجي، فراقت له، وخرجت إلى النور وحتى الآن تخدم الكثير من الطهاة وطلاب الكليات الفندقية، وخرَّجت أشهر الطهاة المصريين.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة