الفنان التشكيلى البريطانى
الفنان التشكيلى البريطانى


الفنان التشكيلى البريطانى استقر بالمدينة التاريخية منذ سنوات

«براين» يتحول إلى «صعيدى» فى الأقصر

آخر ساعة

الأحد، 01 أغسطس 2021 - 10:04 ص

علا نافع

يقف البريطانى براين فيلن أمام المرآة فى منزله الصغير بمدينة الأقصر يهندم جلبابه الصعيدى الفضفاض، ولا يتوقف لسانه عن ترديد الأناشيد الصوفية التى يحفظها عن ظهر قلب مثله مثل أتباع الطرق الصوفية المختلفة.. يحمل فرشاته وألوانه ليبدأ فى رسم لوحة جديدة تخلد جمال وطبيعة الأقصر، فما يقدمه من فن تشكيلى يعكس روعة مدينة آمون.

فور خروجه من داره يلقى براين السلام على جيرانه وأصدقائه من المزارعين البسطاء بلغته العربية المكسَّرة، فيردون التحية بابتسامة دافئة وترحيب حار اتفضل يا محمد.. تعال اشرب شاى صعيدى، فيرد عليهم بعد شوية شوية، فمنذ اعتنق الإسلام اختار لنفسه اسم محمد الطيب، وصار هذا لقبه الجديد.

يسارع بالوصول إلى معبد أبوسمبل ليختار لنفسه مقعداً مريحاً بين أحضان الفراعنة ونيلهم العظيم، فمعرضه الفنى بات على الأبواب، ولا ينسى رحلته الأولى إلى هذا المعبد عام 2006 فقد خلبت الآثار الشامخة لبّه وبات هائماً بها، لم تفارق خياله لحظة واحدة حتى بعد عودته إلى بلده بريطانيا، ليقرر العودة إلى مصر والاستقرار النهائى بها عام 2008، رغم محاولات أهله إثناءه عن الفكرة، لكنه وجد قلبه وروحه فى أرض الكنانة على حد تعبيره، وبعد مرور نحو عشر سنوات لم يساوره الندم مطلقاً، بل اقتنع أنه كان القرار الأفضل فى حياته، وكان عليه أن يتخذه منذ وقت طويل ليهنأ بحياة المزارعين البسطاء فى الأقصر، تلك المدينة التاريخية الساحرة.

بكلمات عربية بسيطة، يقول الرجل الذى تجاوز عمره 66 عاماً: منذ أن وطأت قدماى أرض مصر شعرت بأنها بلد مختلف وغريب، فعراقتها منحتها طابعاً خاصاً، حيث زرت معظم المدن المصرية، ولم أفوِّت على نفسى فرصة الاحتكاك بكل طبقات المجتمع، فوجدت بهم طيبة وخفة ظل مهما كانت ظروفهم الحياتية صعبة، وقد تجلى ذلك فى الأقصر، فأناسها يتمتعون بشخصية صعيدية قوية وقلب ممتلئ بالحب والعطاء، فقد ورثوا تلك الصفات عن أجدادهم الفراعنة، وبعد احتكاكى بهم لمدة شهر وجدت نفسى غارقاً فى حبهم، وأيقنت أننى لن أبتعد عنهم مطلقاً.

يتابع براين: بعد عودتى إلى لندن، شعرت أننى تركتُ روحى وعقلى فى الأقصر، فرغم وجود أهلى وأصدقائى بجانبي، فإن الحياة الأوروبية تفتقر إلى الألفة والتلاحم، وهذا ما وجدته لدى الشعب المصري.. عشت شهوراً من الصراع بين ترتيبات العقل ورغبة القلب لأقرر بعدها الانتقال إلى الأقصر والعيش بها من دون أن أعبأ بتحذيرات المحيطين بى واتصالاتهم المستمرة للعدول عن رغبتي، خاصة أن معظم وسائل الإعلام الأجنبية وقتذاك كان لديها (فوبيا) من الدول العربية والإسلامية.

ولم يواجه صعوبة فى الحصول على مسكن ملائم بالأقصر، إذ يكفيه منزل بسيط يحتضن لوحاته وألوانه، فقد وجد فى بيئته الجديدة حافزاً لإبداع أعمال فنية رائعة، مؤكداً أن مبيعات لوحاته فى مصر لم تقل كثيراً عما كانت تحققه فى بريطانيا، خاصة أن الشعب المصرى عاشق للفنون المختلفة ومتذوِّق لها، بل إن أصدقاءه من الفنانين التشكيليين المصريين مثل محمد عبلة ساعدوه فى افتتاح معرضه الخاص ودعوة أشهر المثقفين إليه.

لا يتوقف براين عن الحديث عن زوجته الراحلة إليزابيث، والدعاء لها، متمنياً وجودها معه فى مصر ومواصلة الرحلة سوياً، خاصة أنها كانت مولعة بدراسة التاريخ والآثار الفرعونية.

فى إحدى ليالى الأقصر الصيفية وبداخل منزل الحاج مصطفى اللوح، جلس براين يستمع إلى منشد صوفى، ورغم صعوبة الكلمات على آذانه، فقد وجدت طريقاً سهلاً إلى قلبه وروحه.. تداعب الألحان عقله كأنه سكير فى إحدى حانات لندن القديمة، ليركض بعدها وراء حلقات المديح الصوفى ويصبح واحداً من أتباع الشيخ ياسين التهامى والشيخ أحمد التونى الملقب بـساقى الأرواح قبل وفاة الأخير عام 2014. وكان براين حريصاً عند حضوره تلك المجالس أن يفهم ما يردده الذاكرون وما يرمون إليه من معانٍ، فوجدها دعواتٍ إلى السلام وحب الله، تبعث على طمأنينة النفس وتخلِّد كل معانى الإنسانية السمحة، ولم يجد الرجل فارقاً كبيراً بين أصدقائه من أتباع الصوفية وجيرانه الأقصريين، فأخلاقهم ومبادئهم واحدة، لا تبدلها الأهواء أو الحياة الصعبة، ليقرر اعتناق الإسلام بقلب مطمئن.

وأخيراً يؤكد أن المصريين يمتلكون سمات خاصة قلما تجدها فى الشعوب الأخرى، أبرزها حُسن الاستقبال والكرم والتواضع، بالإضافة إلى احترام العقائد وتقديسها، وهذا ما يفسر وجود المسجد إلى جوار الكنيسة، ويقول: منذ جئت إلى مصر لم أشعر بالغربة مطلقاً، بل أصبحت مصرياً صعيدياً حتى النخاع!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة