الاقتصاد الإثيوبى يترنح ومشكلة الغذاء تتفاقم
الاقتصاد الإثيوبى يترنح ومشكلة الغذاء تتفاقم


اقتصاد يترنح وصراعات مـُشتعلة وانقسام عرقى

إثيوبيا فى مفترق طرق

آخر ساعة

الأحد، 01 أغسطس 2021 - 12:52 م

دينا توفيق

حالة من عدم الاستقرار يعيشها الداخل الإثيوبي؛ بداية من التوترات السياسية والصراعات التى تسببت فى خسائر بشرية ومادية، مرورًا بانهيار اقتصادى والتضارب فى القرارات وندرة الموارد، وصولًا بالمجاعات التى سادت إقليم تيجراى والانخراط فى حروب أهلية كبدت البلاد ديوناً طائلة.. نزاعات تشهدها البلاد عرقية وقومية ودينية، كان النظام الإثيوبى سببًا رئيسيًا فى زيادة حدة هذه الأزمات فى الآونة الأخيرة، نتيجة إلى توطيد أقدام القبلية فى الصراعات الداخلية مثل ما حدث فى تيجراي، والتى قد تنذر بمستقبل محفوف بالمخاطر ومؤشر على إمكانية تفكك الدولة فى المرحلة المقبلة ومن ثم انهيارها.

الصراع على الأراضى والموارد، والعنف السياسى والطائفي، أدى إلى نزوح الآلاف كل عام فى إثيوبيا. خلال العام الماضي، تم تسجيل ما يقرب من ٢٠ ألفاً و٦٠ نازحًا بسبب النزاع المسلح والعنف، وخاصة التوترات المتصاعدة فى المنطقة الشمالية من تيجراي؛ هذا بالإضافة إلى الآلاف الذين قُتلوا، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة والحكومة المحلية. ومن ناحية أخرى، تسببت الكوارث فى نزوح 664 ألف شخص، معظمهم بسبب الفيضانات، وفقًا لتقرير صادر عن مركز مراقبة النزوح الداخلي السويسري. وفى السنوات الأخيرة، حدثت موجات كبيرة من النزوح الداخلى فى إثيوبيا؛ فى عام 2018، تم تسجيل ما يقرب من 2.9 مليون حالة نزوح جديدة بسبب النزاعات، وهو أكبر رقم سجلته البلاد وأعلى رقم على المستوى العالمى لذلك العام. ومع تصاعد حدة التوترات فى سبتمبر 2020، عندما أجرت منطقة تيجراى الشمالية انتخابات فى تحد للحكومة المركزية، التى أجلتها بسبب مخاوف بشأن جائحة كوفيد −19. وشنت الحكومة هجومًا عسكريًا فى أوائل نوفمبر ردًا على التعدى على قواتها؛ وتسبب العنف الذى أعقب ذلك فى حدوث ما يصل إلى 539 ألف حالة نزوح جديدة بالإضافة إلى تقارير عن انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، بما فى ذلك العنف الجنسي، فضلاً عن انعدام الأمن الغذائي. كما أجبر العنف الإثيوبيين على ترك منازلهم فى عفار وأمهرة وبن شنقول جوموز ومناطق الأمم والقوميات والشعوب الجنوبية  (SNNP)، مما دفع عدد النازحين الجدد إلى ما يقرب من 1٫7 مليون شخص، بزيادة قدرها 61% عن عام 2019. وتشير الأرقام الحالية إلى أن أكثر من 50 ألف شخص قد فروا من تيجراى إلى السودان فى خضم العديد من التحولات السياسية. ومع الأزمة الأمنية فى شمال البلاد، تفاقم نقص الغذاء بعد أن أدت إلى قطع وصول المساعدات الإنسانية إلى تيجراى لعدة أشهر، وبعد أن غاب الكثير من المزارعين عن مواسم الزراعة بسبب العنف المستمر. هذا بالإضافة إلى احتياج النازحين أيضًا إلى الدعم النفسى بعد معاناتهم من العنف العرقى والعنف القائم على النوع الاجتماعى. 

ويواجه الاقتصاد الإثيوبى أزمة طاحنة بسبب جائحة فيروس كورونا، مما أجبر صندوق النقد الدولى على خفض توقعات نمو الناتج المحلى الإجمالى لعام 2020 من 6٫2% إلى 3٫2%، وفقًا لموقع كوارتز أفريقيا∪. وأشار المحرر الاقتصادى صمويل جيتاتشو إلى أن الاقتصاد الإثيوبي، بدأ فى التباطؤ ومواجهة المتاعب، وبات هناك تحدٍ أكبر وربما تفكك بعض أسس التقدم التنموى فى البلاد مع بطء النمو بشكل ملحوظ. ومع مطلع العام الحالي، ولدعم إنعاش اقتصادها، خططت إثيوبيا لإعادة هيكلة مليار دولار إضافى من الديون. وقالت وزارة المالية الإثيوبية فى تقرير لها بحسب شبكة بلومبرج∪ الأمريكية، إن إعادة هيكلة الدين ستوفر فترة سماح تصل إلى ست سنوات وتمديد أجل الاستحقاق عشر سنوات. ووفقًا للتقرير، فقد تم تأجيل دفع 2٫5 مليار دولار من أصل الدين والفوائد لمدة خمس سنوات من قبل الدائنين التجاريين بموجب أول خطة لإعادة هيكلة الديون الخارجية. ويأتى هذا الإعلان بعد أن طلبت إثيوبيا فى يناير إعادة صياغة ديونها بموجب الإطار المشترك لمجموعة العشرين. فيما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد∪ الشهر الماضى أنه بالإضافة إلى تكلفة العمليات العسكرية فى تيجراي، أنفقت حكومته ما يقرب من 2٫3 مليار دولار على إعادة التأهيل والمساعدات الغذائية، وهو رقم قال إنه يعادل حوالى 20% من الميزانية الوطنية لهذا العام. فيما كشفت لجنة خلق فرص العمل فى إثيوبيا عن أن ما يقرب من 1٫4 مليون عامل سيتأثرون بالوباء، لا سيما فى قطاعى الخدمات والتصنيع. كما كانت هناك تقارير عن بعض مجمعاتها الصناعية، بدأت فى تسريح العمال بسبب الركود فى الطلب العالمي. ويتوقع أستاذ الاقتصاد بجامعة أديس أبابا، أليماييهو جيدا∪ انكماش الناتج المحلى الإجمالى فى إثيوبيا بنسبة 11٫1% لعام 2020−2021. 

وكان آبى أحمد أحد أكثر الأصوات حدة يطالب الدول الغنية إما بإعفاء أو تأخير مدفوعات الديون من خلال مقالات الرأى فى وسائل الإعلام أو الخطب الدولية، حيث وصل الدين إلى ما يقرب من 62% من إجمالى الناتج المحلى خلال العام المالى يونيو 2018. ورغم نداءات آبى إلا أن صندوق النقد الدولى والبنك الدولى قلقان بشأن التراكم المحفوف بالمخاطر∪ للديون لأن الدين الخارجى المستحق للدائنين الثنائيين على الصعيد الرسمى والخاص يقارب 60%. ويشير البنك الدولى أيضًا إلى أن خدمة الدين الخارجى العام لإثيوبيا تصل إلى 25٫3% من الصادرات الوطنية، وهو أعلى خدمة ديون للصادرات فى أفريقيا جنوب الصحراء.

ومثل حال قطاعات أخرى، تضررت شركات الطيران الإثيوبية بشكل كبير من الجائحة وقد سجلت خسائر قدرت بنحو 550 مليون دولار فى الإيرادات خلال شهرى مارس وأبريل الماضيين ومنح إجازة إلى بعض العاملين وتسريح آخرين. وتعالت النداءات العاجلة للمساعدة الغذائية إلى مستوى قياسى بلغ 30 مليون شخص، وفقًا للجنة التخطيط الإثيوبية، وتأثر القطاع الزراعى بسبب غزو الجراد الذى تسبب فى تدمير 350 ألف طن مترى من المحاصيل، فيما تتوقع الحكومة أن يخسر قطاع الزراعة 838 مليون دولار. وصرح وزير المالية الإثيوبى أحمد شيد∪، بأن صادرات السلع، وخاصة من قبل منتجى المنسوجات والزراعة، انخفضت بشكل غير مسبوق، ما تسبب فى ضائقة اقتصادية التى كان لها تأثير كبير على العائدات الحكومية وتدفقات التحويلات. فى غضون ذلك ، بدأ رئيس الوزراء آبى فى محاولة جمع 2٫1 مليار دولار من المقرضين الدوليين والشركاء الثنائيين؛ حيث قدمت ألمانيا 130 مليون دولار للمساعدة فى إنقاذ الاقتصاد والسماح للحكومة بتمديد المبادرات الضريبية للشركات المتضررة من الوباء. وفى أبريل الماضي، تدخل البنك الدولى وقدم 82 مليون دولار لدعم مكافحة الوباء بالبلاد، ووافق صندوق النقد الدولى خلال مايو المنصرم على مساعدة طارئة بقيمة 411 مليون دولار، كما ووافق على طلب إثيوبيا بتعليق مدفوعات خدمة الديون بنحو 12 مليون دولار للصندوق.

وترى مجلة فورين بوليسي∪ الأمريكية أن إثيوبيا فى مفترق طرق؛ لما تشهد من انقسام عرقى حالي، والذى سيؤدى فى النهاية إلى تقطيع أوصال الدولة. إذا أدى عدم الاستقرار الحالى فى إثيوبيا إلى إطالة أمدها، فإن إثيوبيا، لسوء الحظ، ستعانى نفس مصير يوغوسلافيا. لقد رحل الرجل القوى السابق فى إثيوبيا، ميليس زيناوي∪، مهندس الفيدرالية العرقية، منذ فترة طويلة، لكن حضوره الغامض غاب عنه كثيرًا فى أديس أبابا. كانت قيادة زيناوى ذات أهمية قصوى لاستقرار إثيوبيا. زيناوى كان لإثيوبيا كما كان جوزيب بروز تيتو∪ ليوغوسلافيا، فيما تتساءل مجلة ذا ناشيونال انتريست الأمريكية إلى أين تتجه إثيوبيا.. التفكك أم الإصلاح فى عهد آبى أحمد؟ حيث مضى على الصراع الدائر فى إقليم تيجراى الإثيوبى وبين الحكومة المركزية فى أديس أبابا، بقيادة آبى أحمد المنتمى لعرق الأورومو، الآن أكثر من ثمانية أشهر، الصراع الذى تحول إلى صراع دموى، بعد أن تدخلت أريتريا بمساعدة القوات المركزية للجيش الإثيوبى الذى ارتكب أفظع المجازر فى تيجراى وفى النهاية منى بهزيمة نكراء بعد أن نجحت قوات الجبهة الشعبية من انتزاع الإقليم، ما يشير إلى أن الأوان قد فات على الوحدة الإثيوبية. لقد أرسل آبى أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، بلاده إلى ما وراء نقطة اللاعودة. الانقسام العرقى والانفصالية وعدم الاستقرار وانعدام الأمن الذى طغى على أى إصلاحات، تاركًا البلاد غارقة فى أزمات اقتصادية كبرى. إن السخط العرقى الحالى سوف يمهد الطريق لتقطيع أوصال الدولة. إثيوبيا لديها ثانى أكبر عدد من السكان فى أفريقيا، بعد نيجيريا، حيث يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 115 مليون نسمة. أدى تفكك الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى وإنشاء حزب مركزي، حزب الازدهار، وهو جزء من إدارة آبى أحمد، إلى تسريع اندلاع الحرب الأهلية العرقية فى نهاية المطاف فى البلاد، بعد أن أدى تقطيع أوصال الحزب السياسى للجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى والمطاردة المتعمدة والمحسوبة لأعضاء الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى السابقة من منطقة تيجراى إلى أضرار لا يمكن إصلاحها بين منطقة تيجراى وإدارة آبي. يُعد إنشاء الميليشيات العرقية فى إثيوبيا علامات على السخط والكراهية العرقية بين الجماعات العرقية الأكثر نفوذاً فى إثيوبيا. وهذه علامات تحذير واضحة على أن إثيوبيا تتجه نحو حرب أهلية عرقية، وقد جلبت إدارة رئيس الوزراء الإثيوبى حالة من عدم اليقين وانعدام الأمن، وليس الأمن والاستقرار وثقة الإثيوبيين. ولسوء الحظ، فتح آبى أحمد العديد من الأبواب بإصلاحاته الساذجة لدرجة أنه يتحمل المسئولية عن الوضع الحالى لإثيوبيا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة