كانت العواصم الثلاث ترقب التعاون الاقتصادي وفتح آفاق التقارب بين الدول الثلاث.. ولم يخطر ببالها ما يجري سرا في مفاعل يونج بوين

يبدو ان عام ٢٠١٦ الذي أطل علينا منذ أيام لم يكن مجرد بداية لسنة جديدة.. نستقبلها بالعواطف المشحونة بالآمال المشرقة.. والحب المتدفق.. وانما هو بداية لعصر تطل علي مساحته السياسية ملامح أبطال جدد يقومون بدور البطولة بوجوه.. وسيناريوهات لم تكن تخطر بالبال.. وانسحاب الدول التي قامت بدور القوي العظمي.. واحتكرت ادوار البطولة طوال سنوات الحرب الباردة التي استمرت ٦٠ سنة بالتمام والكمال.. وبدأت تسبح أمامنا كالاوز نحو الشاطيء ونحن جلوس نتفرج.. وندقق فيمن هو الشيعي.. ومن هو السني.. لخلو ايدينا من الاشغال التي نصلح بها من واقعنا.
لقد انتهي زمن الحرب الباردة التي كانت اول حرب في التاريخ.. تنتهي دون اتفاق القوي المنتصرة علي تقسيم الغنائم.. وتوزيع الثروات.. علي نحو ما جري بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي سنة ١٩١٨ ونهاية الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٦.
وبذلك انتهت الحرب الباردة.. دون اتفاق سابق علي تقسيم الغنائم وبدأت القوي التي سيطرت علي مصير العالم في التراجع التدريجي بعد ان كانت تتطلع لدول العالم بنظرات الاحتكار والازدراء وتخاطبها بالانفة والكبرياء تارة.. وبالتهديد والوعيد تارة أخري.. تاركة الساحة لمعايير جديدة تقوم علي الابداع والاجتهاد والابتكار.. واثبات القدرة علي تشكيل ملامح العصر الجديد.. عصر ما بعد انتهاء الحرب الباردة.
في ظل الحرب الباردة.. كانت تسيطر علي مصير العالم اربع دول عظمي هي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وانجلترا وفرنسا.. وبانتهاء هذه الحرب بدأت تطل علي البشرية انماط جديدة من الدول التي لا تعتمد.. ربما للمرة الأولي في التاريخ ايضا علي قوتها العسكرية.. وانما علي قوتها الاقتصادية.
واطلت بالفعل مجموعة من الدول العظمي الاقتصادية.. تتقدمها الصين والهند واليابان والمانيا.. وغيرها.. واطلت كل واحدة منها.. بقوة اقتصادية وابداعية ومالية وفكرية لم يسبق لها مثيل. وخرجت كل واحدة علي العالم بطريقتها واسلوبها وشخصيتها.. وتاريخها.. إلي أن خرجت علينا كوريا الشمالية منذ أيام بانفراج الستار وهي تقدم اوراق اعتمادها.. كقوة اقتصادية عظمي.. وتحمل مصوغات حيازتها لامكانية تصنيع اول قنبلة هيدروجينية في العالم.
والحقيقة انه ليس في هذا الخبر.. أي جديد.. ولم تصل كوريا الشمالية.. لهذه النقلة الحضارية بين يوم وليلة.. وانما تعود لسنوات بعيدة.. وعلي وجه التحديد في ديسمبر ٢٠٠٣ ايام الرئيس الامريكي الاسبق بوش الصغير.
ولهذا الموضوع حكاية تستحق الرواية:
في ديسمبر سنة ٢٠٠٣ تواترت المعلومات حول تجارب تجريها كوريا الشمالية في مفاعل «يونج بوين».. باستخدام البلوتونيوم المجمد في انتاج قنبلة هيدروجينية h.e.u في اطار برنامجها النووي.. وقامت الولايات المتحدة الامريكية باجراء اتصالات سرية مع كوريا الجنوبية.. للاتفاق معها حول ردود الفعل التي يتعين اتخاذها في الوقت الذي وجهت فيه حكومة كوريا الشمالية من باب الخداع الاستراتيجي الدعوة لوزير الخارجية الامريكي كولين باول بعد شهور قليلة من تولي الرئيس بوش السلطة في البيت الابيض وتم في هذا اللقاء الاتفاق علي عقد لقاء علي اعلي المستويات بين القيادات السياسية في كل من كوريا الشمالية والجنوبية.. حيث تم الاتفاق بين قيادات الكوريتيين علي اقامة خط سكة حديدية يبدأ من الجنوب واقامة منطقة منزوعة الاسلحة h.e.u بين البلدين وارسال ٦٠٠ من ابطال العاب القوي للمشاركة في مباريات الالعاب الآسيوية بمدينة «بوسان» بكوريا الجنوبية للمرة الأولي التي تشارك فيها كوريا الشمالية في تلك المباريات. كما تم الاتفاق علي افتتاح منطقة تجارة حرة بين البلدين علي غرار المنطقة الحرة المقامة مع الصين.. واجراء محادثات مشتركة مع اليابان في لقاءات علي مستوي القمة في بيونج يانج.
المثير في الموضوع ان جميع اللقاءات بين اليابان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.. لم تتعرض بأي حال من الاحوال لموضوع التجارب التي تجريها كوريا الشمالية حول التطوير الذي تجريه بيونج يانج لتطوير البلوتونيوم المجمد لتصنيع قنبلة هيدروجينية!
كانت العواصم الثلاث ترقب التعاون الاقتصادي وفتح آفاق التقارب بين الدول الثلاث.. ولم يخطر ببالها ما يجري سرا في مفاعل يونج بوين.. إلي أن قامت كوريا الشمالية في فبراير من ٢٠٠٣ بطرد المفتشين الذين يتبعون وكالة الطاقة الذرية ثم اعلنت انسحابها من اتفاقية حظر الانتشار النووي!
وهكذا انتقل الموضوع من ظلام الاسرار إلي أضواء العلن.. وبدأت شكوك واشنطن حول نوايا كوريا الشمالية تتحقق وقامت بتحذيرها من انتهاك الاتفاقات الدولية المتعلقة بالابحاث النووية.. وقامت بارسال مفتشين سرا.. لتقصي ما يجري في مفاعل يونج بوين حيث اكدوا ان حكومة بيونج يانج.. لا ترتكب أي مخالفات للمواثيق الدولية.. الأمر الذي فهمت منه حكومة كوريا الشمالية.. ان واشنطن اضاءت لها الضوء الأخضر للاستمرار في برنامجها النووي!!
وفجأة وعلي وجه التحديد في يوليو ٢٠٠٣ اعلنت واشنطن ان برنامج كوريا الشمالية حول البلوتونيوم المجمد حقيقة في الوقت الذي كشفت فيه المعلومات ان كوريا الشمالية بدأت برنامجها النووي سنة ١٩٩٧ بعد ان حصلت علي تكنولوجيا البلوتونيوم المجمد.. وبدأت مشروعها سنة ١٩٩٤.. في الوقت الذي باتت مخاوف كوريا الجنوبية.. تتصاعد حول ضياع استثماراتها الهائلة في كوريا الشمالية.. علي اساس ان توقيع اية عقوبات علي كوريا الشمالية.. سوف يلقي بآثاره السلبية علي كوريا الجنوبية.. ويخرب ملايين البيوت.
في هذه اللحظة المتأخرة بدأ البحث عن حل.. ولم بعد التوقيت يسمح باتخاذ اجراءات عتابية لاسيما وان المعلومات كلها كانت تشير إلي ان المشروع الهيدروجيني.. الذي تقوم به كوريا الشمالية.. ويشكل تهديدا عاجلا وفقا لمعلومات جهاز المخابرات الامريكية.. في الوقت الذي وافقت فيه ادارة الرئيس بوش علي اجراء حوار مع حكومة كوريا الشمالية.. بشأن النوايا الكورية.
وتدور الايام.. وتتغير الاحوال.. وسبحان مغير الاحوال.. وتطل في كواليس البيت الابيض فكرة جهنمية.. وهي استخدام التهديد النووي لكوريا الشمالية.. في عرقلة مسيرة الانطلاق الاقتصادي في دول النمور الاسيوية وفي مقدمتها الصين واليابان.. وتلك قضية اخري قد يكون لها حديث اخر.. عندما نتناول موضوع القوي العظمي الاقتصادية التي ستحدد مصير العالم في السنوات القادمة. في الوقت الذي سوف ننشغل فيه في عالمنا العربي.. بالبحث فيمن هو الشيعي.. ومن هو السني!