محمود الوردانى
عاش ياكابتن
الإثنين، 02 أغسطس 2021 - 01:24 م
محمود الوردانى
على غير العادة أمضيت عدة أيام تغمرنى السعادة والبهجة. ورحت أبحث عن السبب. كنتُ أشعر بنفسى وأنا أتغير، وأرى الدنيا كأنها غير الدنيا، دون أن أصل إلى السبب الحقيقى.
بلا أى مبالغة كان السبب الذى اهتديت إليه فى نهاية الأمر هو الفيلم الوثائقى عاش ياكابتن. شاهدته بالمصادفة، وانتهيتُ منه، وانخرطتُ فى مشاغلى، لكننى كنتُ مقبلا على الحياة، ومتساهلا مع مالم أكن قادرا على التساهل معه، حتى اكتشفتُ أننى طوال الوقت أستعيد الفيلم وأعاود التفكير فيه.
ربما كان هذا الفيلم بالغ البساطة والألم والفرح والانتصار هو واحد من أكثر الأفلام التى أثّرت فيَّ ودخلت قلبى.
الفيلم يقترب بخطى حثيثة من جائزة الأوسكار حسب الأخبار الواردة بشأنه، وكان قد عُرض للمرة الأولى فى مهرجان القاهرة السينمائى هذا العام وحاز إعجابا من الجميع، لكننى لم يتح لى مشاهدته إلا أخيرا. يجب أولا أن ينحنى الواحد امتنانا للمخرجة وصاحبة الفكرة مى زايد. وإذا كانت الأفلام الوثائقية لاتحظى عادة بالشُهرة وتفتقر لجمهور لأسباب مختلفة، فإن هذا الفيلم تحديدا لو أتيح له فرصة العرض الجماهيرى، فمن المؤكد أن ينجح نجاحا مدويا.
وحسبما هو معروف فإن الفيلم الوثائقى يتناول وقائع وأحداث معروفة ويقوم بتسجيلها. وعاش ياكابتن يتناول قصة ازبيبةب وهو اسم الدلع للفتاة نهلة رمضان التى حلمت بالحصول على بطولة العالم فى رفع الأثقال، وعاشت المخرجة مى زايد مع عدد من الفتيات ومدربهن الكابتن رمضان أربع سنوات كاملة، ورافقتهن وهن يكافحن فى أحد الأحياء الشعبية بالإسكندرية للحصول على مكان للتدريب، وحصلن فى النهاية على اخرابة ، قام الجميع بتجهيزها وإعدادها لتصبح ساحة للتدريب.
أحتار فى الحقيقة فى الكلام حول أبطال الفيلم . الفيلم كله أبطال. الكابتن رمضان الجميل العجوز الذى يحمل جسمه بصعوبة بساقيه المقوستين وفمه الخالى من الأسنان، لكنه يحمل روحا عظيمة وقادر على أن يبث فى فتياته قدرات أسطورية. لايدربهن فقط، بل كان قد اكتسب ثقة أمهاتهن، ومن بينهن أمهات منقبات.. استأمنته النسوة من فقيرات الأحياء الشعبية ووثقن فيه، وسلّمن بناتهن له، فكان يدربهن ويدخل بهن بطولات محلية وأفريقية ودولية ويحصل بهن على بطولات.
أريد أن أؤكد على أن المخرجة لم تمض أربع سنوات فى تصوير الفيلم بلا أى دعم من أى جهة (الدعم كان محدودا وجاء فى العامين الأخيرين اللذين أمضتهما المخرجة فى مونتاج الفيلم) لم تمض كل هذا الوقت عبثا، فقد اكتسبت بدورها ثقة الجميع، ولن يشعر مشاهد الفيلم فى أى لقطة بأن هؤلاء الأبطال يمثلون، كانوا يعيشون ولايلقون بالا للكاميرا مطلقا. وعندما يفرحون ويزيطون فهم يفعلون هذا بكل مشاعرهم وعندما يحزنون أو يبكون فهم يفعلون هذا بكل صدق.
مات الكابتن الجميل العذب رمضان، لم تقم مناحة، فمثل هؤلاء الأبطال لاتقام لهم مناحات، بل جنازات بالغة البساطةـ وهم أكبر من الحزن.
حصلت الفتاة الجميلة نهلة رمضان التى رافقتها المخرجة مى زايد أربع سنوات كاملة حتى حصلت على بطولة تليق بها وبإصرارها وملامحها المشرقة المنحوتة، وكانت آخر لقطات الفيلم، إمساكها بخرطوم لتروى االخرابة التى تحولت لساحة محترمة لتدريب أبناء الشعب وبناته.
الفيلم قصيدة عذبة وفاتنة، ينحنى الواحد امتنانا لهن ولهم على كل هذه البهجة والصدق .. كتّر خيركم جميعا..