رق الحبيب: السرد من داخل غابة النفس الإنسانية
رق الحبيب: السرد من داخل غابة النفس الإنسانية


رق الحبيب: مجموعة قصصية من داخل غابة النفس الإنسانية

أخبار الأدب

الإثنين، 02 أغسطس 2021 - 02:21 م

 كتب :محمد‭ ‬سليم‭ ‬شوشة

كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬إذا‭ ‬استطعنا‭ ‬مقاربة‭ ‬هذا‭ ‬السرد‭ ‬أن‭ ‬نكوّن‭ ‬مدراس‭ ‬سردية‭ ‬تنمى‭ ‬مواهب‭ ‬المبدعين‭ ‬مستثمرين‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬وقواعد‭ ‬للكتابة،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬لهذا‭ ‬السرد‭ ‬قواعده‭ ‬البنائية‭ ‬أو‭ ‬القواعد‭ ‬النحوية‭ ‬السردية‭ ‬إذا‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬لدى‭ ‬النقاد‭ ‬الغربيين‭ ‬بمورفولوجيا‭ ‬القص،‭ ‬ويمكن‭ ‬الكشف‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬استخلاصها‭ ‬فى‭ ‬مسار‭ ‬قرائى‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الوعى‭ ‬النقدي؛‭ ‬ذلك‭ ‬لأنها‭ ‬فى‭ ‬ترسيماتها‭ ‬وحدودها‭ ‬السردية‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الوضوح‭ ‬البنائى‭ ‬وتمفصل‭ ‬الوحدات‭ ‬والمنعطفات‭ ‬وبين‭ ‬العفوية‭ ‬والتدفق‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬سر‭ ‬جمالها‭. ‬

فى‭ ‬دراسة‭ ‬سابقة‭ ‬لى‭ ‬فى‭ ‬مجموعة‭ ‬اصياد‭ ‬النسيم‭ ‬الصادرة‭ ‬2018‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬أشرت‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الإجمال‭ ‬إلى‭ ‬التوظيفات‭ ‬الجمالية‭ ‬للقيم‭ ‬المعرفية‭ ‬والمعلوماتية‭ ‬فى‭ ‬سرد‭ ‬المخزنجى‭ ‬وقصصه،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمثل‭ ‬الوحدات‭ ‬المعرفية‭ ‬أو‭ ‬المعلومة‭ ‬بؤرة‭ ‬ومرتكزا‭ ‬للسرد،‭ ‬بؤرة‭ ‬نكتشف‭ ‬أنها‭ ‬تتحكم‭ ‬بشكل‭ ‬خفى‭ ‬فى‭ ‬السلوك‭ ‬الإنسانى‭ ‬الغامض‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬السلوك‭ ‬الحيوانى‭ ‬أحيانا،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬مطولة‭ ‬وليس‭ ‬مقالات،‭ ‬فهو‭ ‬مشروع‭ ‬كبير‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬التى‭ ‬يكتب‭ ‬عنها،‭ ‬ويجعل‭ ‬السرد‭ ‬القصصى‭ ‬يتجاوز‭ ‬فكرة‭ ‬الذكريات‭ ‬الحرة‭ ‬أو‭ ‬البوح‭ ‬الإنسانى‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬وتكوين‭ ‬وإنشاء‭ ‬أدبى‭ ‬فيه‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الوعى‭ ‬والعلمية‭ ‬والقصدية‭ ‬وكذلك‭ ‬اللاوعى‭ ‬والارتجال‭. ‬

وتمتد‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬فى‭ ‬قصص‭ ‬المجموعة‭ ‬الجديدة‭ ‬ارق‭ ‬الحبيبب‭ ‬كذلك،‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬العلمية‭ ‬والمعرفية‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬العمود‭ ‬الفقرى‭ ‬أو‭ ‬السلسلة‭ ‬العظمية‭ ‬الرابطة‭ ‬لبنية‭ ‬القصة،‭ ‬ويضاعف‭ ‬بالتأكيد‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬الجمالية‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬للسرد‭ ‬فى‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العلمية‭ ‬ومن‭ ‬لذة‭ ‬المعرفة‭ ‬والإضاءة‭ ‬التنويرة‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬مصطلح‭ ‬أو‭ ‬معلومة‭ ‬طبية‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬بيئية‭ ‬بشكل‭ ‬إنسانى‭ ‬وفى‭ ‬تلافيف‭ ‬تكوين‭ ‬فنى‭ ‬وسردى‭ ‬أساسه‭ ‬الجمال‭ ‬ويختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬المقالات‭ ‬أو‭ ‬النشرات‭ ‬أو‭ ‬الكتب‭ ‬العلمية،‭ ‬هنا‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬القصصى‭ ‬الثرى‭ ‬يبدو‭ ‬العلم‭ ‬مُصِرًّا‭ ‬على‭ ‬التسلل‭ ‬لعقول‭ ‬الناس،‭ ‬وهنا‭ ‬يتجسد‭ ‬المعنى‭ ‬الشامل‭ ‬والكامل‭ ‬لمفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬بوصفها‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬التنوير‭ ‬والاستفزاز‭ ‬العقلى‭ ‬والفكرى‭ ‬ومحاولة‭ ‬تنظيم‭ ‬عقول‭ ‬المستهدفين‭ ‬بهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬الأدبى‭ ‬وصياغة‭ ‬وعيهم‭ ‬أو‭ ‬تحريكهم‭ ‬فى‭ ‬اتجاهات‭ ‬بعينها‭. ‬

يبدو‭ ‬سرد‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬فى‭ ‬المسار‭ ‬الإبداعى‭ ‬ذاته‭ ‬للمخزنجى‭ ‬الكثيف‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬درجة‭ ‬بالقيم‭ ‬والمعانى‭

‬والقضايا‭ ‬والأسئلة،‭ ‬كثيف‭ ‬حد‭ ‬الثقل‭ ‬والضخامة‭ ‬إن‭ ‬جازت‭ ‬هذه‭ ‬التعبيرات،‭ ‬كثيف‭ ‬وثقيل‭ ‬بأنماطه‭ ‬الإنسانية‭

‬ومقدار‭ ‬تحقق‭ ‬أحداثه‭ ‬وتكاملها،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشك‭ ‬متلق‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬تخييل‭ ‬أو‭ ‬يستشعر‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الافتعال‭ ‬التخييلى‭ ‬أو‭ ‬الإقحام،‭ ‬بل‭ ‬يؤمن‭ ‬بحقيقية‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬وثقل‭ ‬هذه‭ ‬الأنماط‭ ‬الإنسانية‭ ‬التى‭ ‬يطرحها‭ ‬السرد‭ ‬مثل‭ ‬شخصية‭ ‬امسعد‭ ‬سِمِلَّاتب‭ ‬وطبيبه‭ ‬النفسى‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬الأب‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬نهود‭ ‬الرمل،‭ ‬وهى‭ ‬حالات‭ ‬إنسانية‭ ‬تظل‭ ‬مرشحة‭ ‬للبقاء‭ ‬طويلا‭ ‬فى‭ ‬أذهان‭ ‬المتلقين‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬تفارقهم‭ ‬أبدا‭. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الكثافة‭ ‬هى‭ ‬بالأساس‭ ‬كثافة‭ ‬انعكاس‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬السرد‭ ‬بطابعها‭ ‬وسمتها‭ ‬المركب‭ ‬والمعقد‭ ‬والغامض،‭ ‬وسرد‭ ‬المخزنجى‭ ‬إنما‭ ‬يتمثلها‭ ‬ويحس‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬التراكب‭ ‬والتعقيد‭ ‬والغموض،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬الإبداع‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التكوين‭ ‬أو‭ ‬خلق‭ ‬ملامح‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المطروح‭ ‬عبر‭ ‬السرد‭ ‬أو‭ ‬ينتجه‭ ‬الخطاب‭ ‬ويقدمه‭ ‬للمتلقي،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأهم‭ ‬فى‭ ‬تقديرنا‭ ‬هو‭ ‬توزيع‭ ‬المادة‭ ‬السردية‭ ‬فى‭ ‬فضاء‭ ‬القصة‭ ‬أو‭ ‬اعتماد‭ ‬استراتيجية‭ ‬معينة‭ ‬لتنظيم‭ ‬المادة‭ ‬الحكائية‭ ‬بحيث‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬راهنة‭ ‬ويستمر‭ ‬الراهن‭ ‬إطارا‭ ‬ثابتا‭ ‬يتم‭ ‬تقطيعه‭ ‬بالاسترجاعات‭ ‬والذكريات‭ ‬باختلاف‭ ‬مداها‭ ‬الزمنى‭ ‬ومساحتها‭ ‬أو‭ ‬حجمها،‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الوحدات‭ ‬عشوائية‭ ‬أو‭ ‬مرتجلة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬مرتبطة‭ ‬بنسق‭ ‬من‭ ‬التداعى‭ ‬أو‭ ‬الارتباط‭ ‬بمستوى‭ ‬الأحداث‭ ‬الراهنة‭ ‬أو‭ ‬الأحداث‭ ‬الإطارية‭.‬

فى‭ ‬مشروع‭ ‬المخزنجى‭ ‬القصصى‭ ‬يتضح‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬التأمل‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الذين‭ ‬يسردون‭ ‬أحداثا‭ ‬وقعت‭ ‬لمجرد‭ ‬أنها‭ ‬ذكريات‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬ملحة‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬لذاتها‭ ‬أو‭ ‬بأى‭ ‬شكل،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬مسارات‭ ‬تكوينية‭ ‬وبنائية‭ ‬وقصدية‭ ‬وأهداف‭ ‬دلالية‭ ‬ورسائلية‭ ‬كامنة‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬السردي،‭ ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬عنها‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬العنصر‭ ‬الجمالى‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التشويق‭ ‬والسخرية‭ ‬والشعرية‭ ‬وطرافة‭ ‬السلوك‭ ‬الإنسانى‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الغامض‭ ‬فى‭ ‬غابة‭ ‬تكوينه‭ ‬النفسي،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬العميق‭ ‬فى‭ ‬سلوكه‭ ‬اليومى‭ ‬أو‭ ‬المعتاد،‭ ‬ويكشف‭ ‬عن‭ ‬مقدار‭ ‬إصراره‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬استماتته‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬فى‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬دون‭ ‬وعي،‭ ‬وكيف‭ ‬يكون‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬غاية‭ ‬فى‭ ‬الخيرية‭ ‬والغيرية،‭ ‬وفى‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬منتهى‭ ‬القسوة‭ ‬والغدر‭ ‬والحيوانية‭ ‬والأنانية‭ ‬بما‭ ‬يصلح‭ ‬معه‭ ‬أى‭ ‬تفسير‭ ‬أو‭ ‬تبرير‭. ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬يتكشف‭ ‬مقدار‭ ‬امتزاج‭ ‬الخير‭ ‬بالشر،‭ ‬الذكاء‭ ‬بالغباء‭ ‬والرحمة‭ ‬بالقسوة‭ ‬ويتشكل‭ ‬الزمن‭ ‬محركا‭ ‬قويا‭ ‬ومحايدا‭ ‬وجبارا‭ ‬ينسحق‭ ‬أمامه‭ ‬البشر‭. ‬

ما‭ ‬يستهوينى‭ ‬بقوة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أفرد‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬وافية‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬بلاغة‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬السردية‭ ‬التى‭ ‬يتبعها‭ ‬قصّ‭ ‬المخزنجي،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬تبدأ‭ ‬القصة‭ ‬وكيف‭ ‬تكون‭ ‬حركتها‭ ‬وتقدمها‭ ‬فى‭ ‬الزمن،‭ ‬وكيف‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬العناصر‭ ‬والوحدات‭ ‬السردية‭ ‬ويستدعى‭ ‬بعضها‭ ‬بعضا‭ ‬وفق‭ ‬أنساق‭ ‬بنائية‭ ‬وتكوينية‭ ‬تصنع‭ ‬الشكل‭ ‬الجمالى‭ ‬أو‭ ‬مقاييسه‭ ‬الحتمية،‭ ‬ويتبدى‭ ‬منها‭ ‬كيف‭ ‬يصبح‭ ‬النص‭ ‬آلة‭ ‬أو‭ ‬جهازا‭ ‬محكم‭ ‬الصناعة‭ ‬بحيث‭ ‬ينتج‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬كافة‭ ‬ما‭ ‬يخطط‭ ‬له‭ ‬منشئه‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬نهود‭ ‬الرمل‭ ‬وهى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬أبدع‭ ‬فى‭ ‬القص‭ ‬العربى‭ ‬وفى‭ ‬تقديرنا‭ ‬أنها‭ ‬تصلح‭ ‬لتكون‭ ‬فيلما‭ ‬سينمائيا‭ ‬قصيرا‭ ‬فى‭ ‬منتهى‭ ‬الأهمية‭ ‬والجمال،‭ ‬فيها‭ ‬تتبدى‭ ‬الأنساق‭ ‬البنائية‭ ‬أو‭ ‬قواعد‭ ‬التشكيل‭ ‬السردى‭ ‬بشكل‭ ‬أدق‭ ‬وأوضح،‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬تتبعها،‭ ‬فنجد‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬عبارة‭ ‬الرحلة‭ ‬الآنية‭ ‬إلى‭ ‬قرية‭ ‬قلبوش‭ ‬لتشكل‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬مغامرة‭ ‬تؤطر‭ ‬الوحدات‭ ‬الأخرى،‭ ‬يتحرك‭ ‬فيها‭ ‬الأشخاص‭ ‬لاستكشاف‭ ‬الواقع‭ ‬بانهياره‭ ‬وقبحه‭ ‬وجور‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬جمال‭ ‬البيئة‭ ‬والطبيعة‭ ‬وكيف‭ ‬يقتل‭ ‬نفسه‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬آخر،‭ ‬رحلة‭ ‬كشفية‭ ‬أقرب‭ ‬لأشعة‭ ‬تضعنا‭ ‬أمام‭ ‬كارثة‭ ‬سرطانات‭ ‬الطبيعة‭ ‬أو‭ ‬أمراض‭ ‬البيئة‭ ‬التى‭ ‬تجرى‭ ‬فيها‭ ‬عمليات‭ ‬الاستئصال‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬بالأحرى‭ ‬استئصال‭ ‬مجنون‭ ‬بلا‭ ‬مبرر،‭ ‬توازى‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬رحلة‭ ‬أخرى‭ ‬ذاتية‭ ‬أو‭ ‬فردية‭ ‬أقرب‭ ‬للحكاية‭ ‬الظل،‭ ‬وهى‭ ‬قصة‭ ‬الزوجة‭ ‬المصابة‭ ‬بالسرطان‭ ‬وتخفى‭ ‬على‭ ‬زوجها‭ ‬مرضها‭. ‬وما‭ ‬يبدو‭ ‬فى‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬بنائيا‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬البناء‭ ‬السردى‭ ‬والحكائى‭ ‬هو‭ ‬التناظرات‭ ‬أو‭ ‬العلاقة‭ ‬الرابطة‭ ‬بين‭ ‬مرض‭ ‬الزوجة‭ ‬ونهود‭ ‬الرمل‭ ‬أو‭ ‬ظاهرة‭ ‬الكثبان‭ ‬الرملية‭ ‬التى‭ ‬تنغرس‭ ‬فيها‭ ‬أفضل‭ ‬أنواع‭ ‬النخيل‭ ‬فى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬ظواهر‭ ‬الطبيعة‭ ‬وأكثرها‭ ‬ندرة‭. ‬الرحلة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المسبوكة‭ ‬والمحبوكة‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬الحركية‭ ‬البسيطة‭ ‬أو‭ ‬الهيّنة‭ ‬مثل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬والطرق‭ ‬والجى‭ ‬بى‭ ‬أس‭ ‬والتجديدات‭ ‬أو‭ ‬التغيرات‭ ‬أو‭ ‬الذكريات‭ ‬القديمة‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬السمار‭ ‬السردى‭ ‬سمته‭ ‬الإنسانى‭ ‬والطبيعى‭ ‬ويجعل‭ ‬المتلقى‭ ‬مشدودا‭ ‬ومعايشا‭ ‬لهم،‭ ‬وتتوارى‭ ‬الصدمات‭ ‬والمفاجآت‭ ‬أو‭ ‬تتراجع‭ ‬أو‭ ‬بالأدق‭ ‬تتأجل،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬السرد‭ ‬قد‭ ‬قدم‭ ‬منها‭ ‬لغزا‭ ‬أو‭ ‬طرح‭ ‬حولها‭ ‬سؤالا‭. ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬الزوجة‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تطلب‭ ‬الرحلة‭ ‬وتنطق‭ ‬الاسم‭ ‬بكيفية‭ ‬معينة‭ ‬فيكون‭ ‬ذلك‭ ‬محركا‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬القصة‭ ‬لذهنية‭ ‬المتلقى‭ ‬أو‭ ‬مخيلته‭ ‬فى‭ ‬اتجاهات‭ ‬واحتمالات‭ ‬عدة،‭ ‬مثل‭ ‬الكلابش،‭ ‬ثم‭ ‬يبدو‭ ‬لغز‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الواحة‭ ‬أو‭ ‬القرية‭ ‬الصحراوية‭ ‬غامضا‭ ‬وخفيا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬معلوم،‭ ‬وتدريجيا‭ ‬تتوالد‭ ‬أجزاء‭ ‬ووحدات‭ ‬أخرى‭ ‬ذات‭ ‬ارتباط‭ ‬شجرى‭ ‬أو‭ ‬تفرع‭ ‬طبيعي،‭ ‬مثل‭ ‬اقتران‭ ‬البطل‭ ‬بانتقاء‭ ‬البطيخ‭ ‬وأن‭ ‬يصبح‭ ‬مندوبا‭ ‬دائما‭ ‬للأسرة‭ ‬فى‭ ‬انتقائه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتسبب‭ ‬فى‭ ‬انفتاح‭ ‬كوة‭ ‬وعيه‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬الصحراوية‭ ‬فتكون‭ ‬لدينا‭ ‬رحلة‭ ‬صغيرة‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬لهذا‭ ‬الطفل‭ ‬المستكشف‭ ‬بصورته‭ ‬الهزلية‭ ‬أو‭ ‬الطريفة‭ ‬التى‭ ‬شكلها‭ ‬له‭ ‬السرد‭ ‬وتجعله‭ ‬مصدرا‭ ‬للضحك،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اللقب‭ ‬ذاته‭ ‬الذى‭ ‬أطلقته‭ ‬عليه‭ ‬أسرته‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬التى‭ ‬تجعل‭ ‬المتخيل‭ ‬السردى‭ ‬حقيقة‭ ‬واقعة،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬شخص‭ ‬متقن‭ ‬لانتقاء‭ ‬البطيخ‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تواتر‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬جعلهم‭ ‬يطلقون‭ ‬عليه‭ ‬لقبا‭ ‬أو‭ ‬يطلقه‭ ‬هو‭ ‬وهم‭ ‬يصدقونه،‭ ‬وهذا‭ ‬اللقب‭ ‬باق‭ ‬برغم‭ ‬العقود‭ ‬البعيدة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬أكثر‭ ‬تحققا‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭. ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬له‭ ‬وظيفته‭ ‬البنائية‭ ‬ودوره‭ ‬فى‭ ‬التكوين‭ ‬أو‭ ‬الإنشاء‭ ‬لنكون‭ ‬أمام‭ ‬نص‭ ‬سردى‭ ‬أقرب‭ ‬لمنظومة‭ ‬من‭ ‬التروس‭ ‬والقطع‭ ‬والآلات‭ ‬التى‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬دور‭ ‬محسوب‭ ‬بدقة‭. ‬والحقيقة‭ ‬أنها‭ ‬حسبة‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬لا‭ ‬واعية،‭ ‬حسبة‭ ‬الموهبة،‭ ‬ولا‭ ‬يعنى‭ ‬كونها‭ ‬دقيقة‭ ‬احتمال‭ ‬أنها‭ ‬تجرى‭ ‬على‭ ‬الأوراق‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬التعرض‭ ‬لها‭ ‬بشكل‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬الفعل‭ ‬الكتابي،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬جزء‭ ‬طبيعى‭ ‬من‭ ‬حركية‭ ‬النص‭ ‬ومن‭ ‬حركية‭ ‬الذهن‭ ‬المبدع‭ ‬وإجراءاته‭ ‬المضمرة‭ ‬أو‭ ‬الكامنة‭. ‬تصبح‭ ‬لدينا‭ ‬رحلة‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الشاب‭ ‬المستكشف‭ ‬أو‭ ‬الذى‭ ‬يتخيل‭ ‬نفسه‭ ‬مستكشفا‭ ‬فينتهى‭ ‬به‭ ‬الحال‭ ‬أسيرا‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬القرية،‭ ‬وتوازى‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬القديمة‭ ‬رحلته‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬فى‭ ‬الراهن‭ ‬أو‭ ‬القصة‭ ‬الإطار،‭ ‬وتتم‭ ‬مراجعة‭ ‬أو‭ ‬مطابقة‭ ‬إحداهما‭ ‬بالقياس‭ ‬على‭ ‬الأخرى،‭ ‬فتكون‭ ‬الرحلة‭ ‬القديمة‭ ‬مرجعا‭ ‬للحديثة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المراجعة‭ ‬تتشكل‭ ‬الصدمة،‭ ‬إذ‭ ‬تتبدل‭ ‬الملامح‭ ‬تماما،‭ ‬ومن‭ ‬مفارقات‭ ‬التحول‭ ‬والتلاشى‭ ‬تتشكل‭ ‬شعرية‭ ‬السرد‭ ‬ويتبدى‭ ‬ويتجلى‭ ‬بقوة‭ ‬أثر‭ ‬الزمن‭ ‬فى‭ ‬الطبيعة‭ ‬وفى‭ ‬الإنسان‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬الأدوار‭ ‬الوظيفية‭ ‬للتفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬لكلا‭ ‬الرحلتين‭ ‬مثل‭ ‬اكتراء‭ ‬حمارين‭ ‬فى‭ ‬حال‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬بلوغها‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعى‭ ‬ومريح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عزف‭ ‬عنه‭ ‬الشاب‭ ‬وجعله‭ ‬يقع‭ ‬فى‭ ‬شباك‭ ‬اختيارات‭ ‬أخرى‭ ‬تكون‭ ‬السبب‭ ‬ليكون‭ ‬حوله‭ ‬هذا‭ ‬الشك‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬وجعل‭ ‬الرحلة‭ ‬أكثر‭ ‬خطرا‭ ‬وصعوبا‭ ‬وبخاصة‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬دور‭ ‬الذئب‭ ‬أو‭ ‬حضوره،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬الدور‭ ‬الوظيفى‭ ‬كذلك‭ ‬لأسطورة‭ ‬العجوز‭ ‬الذى‭ ‬قرر‭ ‬مجابهة‭ ‬الذئاب‭ ‬وجعلها‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬حقول‭ ‬البطيخ‭ ‬وترتدع،‭ ‬وفق‭ ‬ورايات‭ ‬مختلفة،‭ ‬تأتى‭ ‬الأولى‭ ‬بصورة‭ ‬وفق‭ ‬وعى‭ ‬الفكهانى‭ ‬وتصوره‭ ‬وخياله،‭ ‬والثانية‭ ‬وفق‭ ‬وعى‭ ‬الطفل‭ ‬صاحب‭ ‬العنزة‭ ‬الذى‭ ‬يلتقيه‭ ‬الشاب‭ ‬ويقرر‭ ‬أنه‭ ‬يخبره‭ ‬بالحقيقة،‭ ‬ويوازى‭ ‬هذا‭ ‬الطفل‭ ‬فى‭ ‬رحلة‭ ‬الماضى‭ ‬الشاب‭ ‬الذى‭ ‬أسر‭ ‬له‭ ‬بالوثائق‭ ‬والأوراق‭ ‬وكومة‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬عن‭ ‬ماضى‭ ‬القرية‭ ‬وسر‭ ‬تحولاتها‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬الراهن‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التناظرات‭ ‬تتشكل‭ ‬سملات‭ ‬قواعد‭ ‬وأعمدة‭ ‬القصة‭ ‬إذا‭ ‬جاز‭ ‬التشبيه‭ ‬ويكتسب‭ ‬هيكلها‭ ‬تشكله‭ ‬المعمارى‭ ‬الذى‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬التكامل‭ ‬فى‭ ‬المقاييس‭ ‬الجمالية‭ ‬والتكامل‭ ‬فى‭ ‬الأدوار‭ ‬الإقناعية‭ ‬ويجعل‭ ‬القصة‭ ‬نسيجا‭ ‬مترابطا‭.‬

‭>>>‬

وبالمثل‭ ‬فإن‭ ‬نهد‭ ‬الزوجة‭ ‬المصاب‭ ‬بالسرطان‭ ‬والمعرض‭ ‬للاستئصال‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬يتناظر‭ ‬مع‭ ‬نهود‭ ‬الرمال‭ ‬التى‭ ‬سبق‭ ‬انهيارها‭ ‬واستئصالها‭ ‬من‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وكأن‭ ‬انهيار‭ ‬الطبيعة‭ ‬هو‭ ‬نذير‭ ‬بانهيار‭ ‬الإنسان‭ ‬وتلفها‭ ‬نذير‭ ‬بتلفه،‭ ‬رأت‭ ‬الزوجة‭ ‬فى‭ ‬نهود‭ ‬الرمل‭ ‬نفسها،‭ ‬أو‭ ‬رأت‭ ‬نفسها‭ ‬فى‭ ‬مرآة‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وهى‭ ‬لمحة‭ ‬عبقرية‭ ‬لأنها‭ ‬أزالت‭ ‬سطحية‭ ‬القصة‭ ‬وجعلت‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬بنائين‭ ‬أحدهما‭ ‬ظاهر‭ ‬وآخر‭ ‬خفى‭ ‬أو‭ ‬تلميحي،‭ ‬والعلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬أو‭ ‬إحالة‭ ‬أحدهما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬هى‭ ‬مركز‭ ‬شعرية‭ ‬النص‭ ‬القصصى‭ ‬وترابطه‭ ‬وتماسك‭ ‬أجزائه،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يأتى‭ ‬فيه‭ ‬شيء‭ ‬بشكل‭ ‬مجاني‭. ‬وفيما‭ ‬يخص‭ ‬الزوجة‭ ‬فهى‭ ‬فى‭ ‬أدوارها‭ ‬التعليقية‭ ‬أو‭ ‬سمتها‭ ‬المراقب‭ ‬توازى‭ ‬المتلقي،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬يمثل‭ ‬زوجها‭ ‬منبع‭ ‬الحكاية‭ ‬أو‭ ‬القاص‭ ‬الأسطورى‭ ‬أو‭ ‬المتجذر‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬بما‭ ‬يعرف‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬والحاضر‭ ‬عن‭ ‬القرية‭ ‬الغامضة‭ ‬وبما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬الرحلة‭ ‬إليها،‭ ‬أو‭ ‬بما‭ ‬تقدمه‭ ‬له‭ ‬لفة‭ ‬الأوراق‭ ‬التى‭ ‬يستكشفها‭ ‬هو‭ ‬وينقلها‭ ‬إلى‭ ‬زوجته‭ ‬بتلخيص‭. ‬هنا‭ ‬موقع‭ ‬الزوجة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬المتلقى‭ ‬وهو‭ ‬سيتماهى‭ ‬معها،‭ ‬وسيرى‭ ‬نفسه‭ ‬فيها،‭ ‬ويكون‭ ‬أقرب‭ ‬شعوريا‭ ‬إلى‭ ‬عواطفها‭ ‬وحالتها‭ ‬النفسية،‭ ‬حيث‭ ‬التهديد‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬والسرطان‭ ‬القاتل‭. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬وفق‭ ‬النقد‭ ‬البيئى‭ ‬أو‭ ‬البيئوى‭ ‬الجديد‭ ‬نسبيا‭ ‬فى‭ ‬الغرب‭ ‬نموذج‭ ‬فريد‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬الذى‭ ‬يحمل‭ ‬سائل‭ ‬تحذيرية‭ ‬من‭ ‬الجور‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬أو‭ ‬إتلافها،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬المتلقى‭ ‬سيشعر‭ ‬بالتهديد‭ ‬وسيستوعب‭ ‬بدقة‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬موت‭ ‬الطبيعة‭ ‬وإتلافها‭ ‬وبين‭ ‬المخاطر‭ ‬الصحية‭ ‬التى‭ ‬تحاصر‭ ‬الإنسان‭ ‬وتجعل‭ ‬وجوده‭ ‬مهددا‭. ‬

تتجلى‭ ‬الجوانب‭ ‬العلمية‭ ‬بشكلها‭ ‬الجمالى‭ ‬عبر‭ ‬السمت‭ ‬الإنسانى‭ ‬المائل‭ ‬دائما‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬والحيل،‭ ‬فنجد‭ ‬هذا‭ ‬حاضرا‭ ‬مثلا‭ ‬فى‭ ‬القصص‭ ‬التى‭ ‬فيها‭ ‬الشكل‭ ‬الوبائى‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بأصداء‭ ‬الوباء‭ ‬أو‭ ‬الجائحة‭ ‬وانعكاسها،‭ ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬الأب‭ ‬بسمته‭ ‬الإنسانى‭ ‬الشفيف‭ ‬وشديد‭ ‬الحساسية‭ ‬يصبح‭ ‬مخترعا‭ ‬للعبة‭ ‬جديدة‭ ‬يتحايل‭ ‬بها‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬الوباء‭ ‬ويكملون‭ ‬بها‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬النفسية‭ ‬ويروون‭ ‬أشواقهم‭ ‬ومشاعرهم‭ ‬دون‭ ‬كسر‭ ‬للإجراءات‭ ‬الاحترازية،‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬الاختراع‭ ‬الظريف‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬كل‭ ‬الجميل‭ ‬فى‭ ‬القصة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأساس‭ ‬العاطفى‭ ‬القديم‭ ‬والعميق‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬وابنه‭ ‬العائد‭ ‬من‭ ‬الغربة‭ ‬وذكريات‭ ‬الطفولة‭ ‬هذه‭ ‬بحسب‭ ‬سريانها‭ ‬ذاكرة‭ ‬الأب‭ ‬هى‭ ‬المبرر‭ ‬المنطقى‭ ‬والشعرى‭ ‬لاختراع‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة،‭ ‬فتكون‭ ‬مفاجأة‭ ‬ليس‭ ‬للابن‭ ‬أو‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الابن‭ ‬العائد‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬للناس‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬الذين‭ ‬التقطوا‭ ‬اللعبة‭ ‬وفهموها‭ ‬وأصبحوا‭ ‬بها‭ ‬معجبين‭ ‬أو‭ ‬مقلدين‭. ‬وهى‭ ‬قصة‭ ‬من‭ ‬أطرف‭ ‬وأجمل‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬التى‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬أنماط‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬العاطفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬غريزة‭ ‬المقاومة‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬ورغبته‭ ‬الدائمة‭ ‬فى‭ ‬التحدى‭ ‬والانتصار،‭ ‬كما‭ ‬فيها‭ ‬وحدات‭ ‬معلوماتية‭ ‬ومعرفية‭ ‬فى‭ ‬غاية‭ ‬الطرافة‭ ‬والجمال‭ ‬عن‭ ‬عادات‭ ‬بعض‭ ‬الشعوب‭ ‬الآسيوية‭ ‬يستدعيها‭ ‬سياق‭ ‬الوباء‭ ‬وذهنية‭ ‬الأب‭ ‬القارئ‭ ‬المثقف‭ ‬أو‭ ‬العالم‭ ‬الباحث‭ ‬دائما‭ ‬عن‭ ‬حلول‭. ‬هى‭ ‬قصة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬الذروة‭ ‬وفيها‭ ‬التأجيل‭ ‬والاستباق‭ ‬والتساؤل‭ ‬ولحظات‭ ‬العجز،‭ ‬ثم‭ ‬تصل‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬بعد‭ ‬نضج‭ ‬واكتمال‭ ‬فى‭ ‬المسار‭ ‬المتصاعد‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬القمة‭ ‬بتركزها‭ ‬أو‭ ‬شكلها‭ ‬الانفجاري،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬السرد‭ ‬موفقا‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬درجة‭ ‬حين‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬فى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التنفس‭ ‬الآمن‭ ‬أشبه‭ ‬بلحظة‭ ‬مسرحية‭ ‬عززها‭ ‬الأداء‭ ‬الصوتى‭ ‬للأب‭ ‬الذى‭ ‬يمرن‭ ‬ابنيه‭ ‬وزوجته،‭ ‬ليشاهدهم‭ ‬الناس‭ ‬ويتحلقوا‭ ‬حولهم،‭ ‬وهنا‭ ‬يسدل‭ ‬الستار‭ ‬وتنتهى‭ ‬القصة‭ ‬بشكل‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬نفسها‭ ‬مكتملة‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬المتلقى‭ ‬إلا‭ ‬شاعرا‭ ‬بالتطهر‭ ‬والارتواء‭ ‬العاطفى‭ ‬وممتلئا‭ ‬بالانفعال‭ ‬الإنسانى‭ ‬الشفيف‭ ‬الملفوف‭ ‬فى‭ ‬غلالة‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬الانتصار‭ ‬والبقاء‭.‬

‭>>>‬

وفى‭ ‬قصة‭ ‬احلاق‭ ‬سيبرياب‭ ‬تتشكل‭ ‬حالة‭ ‬استثنائية‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والعاطفة‭ ‬الفطرية‭ ‬العميقة‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬وابنه،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬البلاغة‭ ‬السردية‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬به‭ ‬القصة‭ ‬من‭ ‬امتزاج‭ ‬الضحك‭ ‬بالبكاء‭ ‬عند‭ ‬الابن‭ ‬الطبيب‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬مكلفا‭ ‬بإيصال‭ ‬أبيه‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬مريحة‭ ‬وحقه‭ ‬فى‭ ‬الموت‭ ‬الطبيعي،‭ ‬تقارب‭ ‬القصة‭ ‬حالا‭ ‬إنسانية‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العناد‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬والمقاومة،‭ ‬وتشكل‭ ‬أنماطا‭ ‬ظريفة‭ ‬وطريفة‭ ‬وراسخة‭ ‬أو‭ ‬قديمة‭ ‬وتتسم‭ ‬بالتراكم‭ ‬الزمنى‭ ‬أو‭ ‬العمق‭ ‬التاريخي،‭ ‬فالأب‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬الكيفية‭ ‬فى‭ ‬علاقته‭ ‬بابنه‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬مبرر،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الاسترجاعات‭ ‬القديمة‭ ‬بينهما‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬وعمق‭ ‬العلاقة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بلعبة‭ ‬القط‭ ‬والفأر‭ ‬التى‭ ‬يلعبانها‭ ‬مع‭ ‬الأم‭ ‬بسبب‭ ‬الحلاقة‭ ‬الذاتية‭ ‬أو‭ ‬حلاقة‭ ‬الأب‭ ‬لابنه،‭ ‬ثم‭ ‬عودة‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬بعد‭ ‬انقطاع‭ ‬فى‭ ‬اللحظة‭ ‬الحاسمة،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬منقطعا‭ ‬أو‭ ‬قديما‭ ‬ربما‭ ‬فقد‭ ‬قيمته‭ ‬أو‭ ‬وظيفته‭ ‬الشعرية‭ ‬فى‭ ‬السرد،‭ ‬فالتباعد‭ ‬الزمنى‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬الجموح‭ ‬وجعله‭ ‬فعلا‭ ‬استثنائيا‭ ‬من‭ ‬الابن‭ ‬تجاه‭ ‬والده‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬شفا‭ ‬حفرة‭ ‬الموت‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬البسيطة‭ ‬الطريفة‭ ‬التى‭ ‬تعزز‭ ‬المفارقات‭ ‬مثل‭ ‬ارتعاش‭ ‬الأيدى‭ ‬وشكل‭ ‬الحلاقة‭ ‬وتشوهها‭ ‬واعتراف‭ ‬الأب‭ ‬والضحك‭ ‬المتبادل‭ ‬بينهما،‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬التى‭ ‬هى‭ ‬ابنة‭ ‬الحال‭ ‬السردية‭ ‬كلها‭ ‬ونابعة‭ ‬من‭ ‬سيرورتها‭ ‬التخييلية‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬أنساقها‭ ‬أو‭ ‬منظومتها‭ ‬المتفاعلة‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭.‬

أما‭ ‬قصة‭ ‬اسملات‭ ‬فهى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أعمق‭ ‬وأطرف‭ ‬القصص،‭ ‬فيها‭ ‬يقارب‭ ‬السرد‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬النفسى‭ ‬الطريف‭ ‬والجميل،‭ ‬يبدو‭ ‬مرضا‭ ‬نفسيا‭ ‬نبيلا‭

‬ويعلو‭ ‬بصاحبه،‭ ‬ولكن‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬القصة،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬حركية‭ ‬السرد‭ ‬وتدرجه‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬النقطة‭ ‬الأعمق‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬مسعد،‭ ‬وحالات‭ ‬طبيبه‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬الراهنة‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬عقود،‭ ‬وكيف‭ ‬يتحول‭ ‬الطبيب‭ ‬إلى‭ ‬ظل‭ ‬لمريضه‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬عدوى‭ ‬مرضية‭ ‬نفسية‭. ‬وفيها‭ ‬كذلك‭ ‬جماليات‭ ‬المعرفى‭ ‬والمعلوماتية‭ ‬الموثقة‭ ‬التى‭ ‬تشكل‭ ‬حقائق‭ ‬العالم‭ ‬المسرود‭ ‬عنه‭ ‬وتشكل‭ ‬الأنماط‭ ‬والشخصيات‭ ‬والأحداث‭.‬

المصدر : جريدة أخبار الادب

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة