نبش الترجمات القديمة
نبش الترجمات القديمة


نبش الترجمات القديمة

أخبار الأدب

الإثنين، 02 أغسطس 2021 - 03:16 م

 كتب: د. ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الشرقاوى

خلال‭ ‬الشهور‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬استوقفتنى‭ ‬حادثتان‭ ‬منفصلتان‭ ‬تتعلقان‭ ‬بموضوع‭ ‬إعادة‭ ‬نشر‭ ‬الأعمال‭ ‬المترجمة‭ ‬وما‭ ‬يتصل‭ ‬بالقضية‭ ‬من‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الترجمة‭ ‬وفنياتها‭. ‬ففى‭ ‬إبريل‭ ‬الماضى‭ ‬لاحظت‭ ‬وجود‭ ‬نسخة‭ ‬معدلة‭ ‬تعديلاً‭ ‬سافرًا‭ ‬لترجمة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬على‭ ‬للقرآن‭. ‬وترجمة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬على‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الترجمات‭ ‬المشهورة‭ ‬التى‭ ‬أُنجزت‭ ‬فى‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬كثيرون‭ ‬يعتبرونها‭ ‬الأفضل‭ ‬خصوصًا‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭. ‬أما‭ ‬الحادثة‭ ‬الثانية‭ ‬فهى‭ ‬إعادة‭ ‬نشر‭ ‬ترجمة‭ ‬حسن‭ ‬عثمان‭ ‬للكوميديا‭ ‬الإلهية‭ ‬وهى‭ ‬ترجمة‭ ‬صدرت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬قام‭ ‬ناشران‭ ‬مختلفان‭ ‬بإعادة‭ ‬نشر‭ ‬الترجمتين‭ ‬وإبراز‭ ‬اسم‭ ‬المترجمين‭ ‬الأصليين‭ ‬عليهما،‭ ‬لكن‭ ‬كلا‭ ‬الناشرين‭ ‬عمدا‭ ‬إلى‭ ‬إدخال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التعديلات‭ ‬بالحذف‭ ‬والإضافة‭ ‬والتغيير‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الناشرين‭ ‬كليهما‭ ‬ذكرا‭ ‬صراحة‭ ‬أنهما‭ ‬قاما‭ ‬ببعض‭ ‬التغييرات،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬وضعنى‭ ‬أمام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مسألة‭ ‬إعادة‭ ‬النشر‭ ‬وطرقها‭ ‬وأخلاقياتها‭. ‬

من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نتفق‭ ‬أولاً‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬أمر‭ ‬جائز‭ ‬ومشروع‭ ‬طبعًا،‭ ‬فكل‭ ‬مترجم‭ ‬يقوم‭ ‬باختياراته‭ ‬وتفضيلاته‭ ‬اللغوية‭ ‬والأسلوبية‭ ‬التى‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬فهمه‭ ‬الخاص‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬بمثابة‭ ‬إنتاج‭ ‬نص‭ ‬جديد‭ ‬بفهم‭ ‬مغاير‭ ‬للترجمة‭ ‬القديمة‭. ‬خلال‭ ‬حوار‭ ‬لى‭ ‬مع‭ ‬المترجم‭ ‬اليابانى‭ ‬الشهير‭ ‬نوتاهارا‭  ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬نشرته‭ ‬أخبار‭ ‬الأدب‭ ‬فى‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2019‭  ‬أكد‭ ‬الأستاذ‭ ‬نوتاهارا‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬تحقق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإتقان‭ ‬والاقتراب‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬النص‭ ‬ومن‭ ‬القارئ‭ ‬معًا‭. ‬وضرب‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬منها‭ ‬ترجمات‭ ‬الأدب‭ ‬الروسى‭ ‬إلى‭ ‬اليابانية‭. ‬

لكن‭ ‬إعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬التى‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬المترجم‭ ‬اليابانى‭ ‬تعنى‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬مترجم‭ ‬تالٍ‭ ‬بإعادة‭ ‬ترجمة‭ ‬نص‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أوله‭ ‬إلى‭ ‬آخره‭ ‬مستفيدًا‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬معرفة‭ ‬اللغة‭ ‬الأصلية‭ ‬وسياقها‭ ‬الثقافى‭ ‬والفنى‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬الجديدة‭ ‬ستضيف‭ ‬إضافة‭ ‬قاطعة‭ ‬تتخطى‭ ‬مجرد‭ ‬البدائل‭ ‬المعجمية‭ ‬البسيطة‭ ‬والمسائل‭ ‬التحريرية‭ ‬العادية‭. ‬

أما‭ ‬إعادة‭ ‬النشر‭ ‬فهى‭ ‬أمر‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا‭. ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬المترجم‭ ‬والناشر‭ ‬معًا‭ ‬فإنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬تغييرات‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الأول‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬ملاحظاته‭ ‬وتطور‭ ‬وعيه‭. ‬أما‭ ‬إعادة‭ ‬النشر‭ ‬إن‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬المترجم‭ ‬فإنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تلتزم‭ ‬بما‭ ‬ارتضاه‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬نسخة‭ ‬وضعها‭ ‬بنفسه‭ ‬ولا‭ ‬تتعداها‭ ‬فى‭ ‬المتن‭. ‬وأى‭ ‬تغيير‭ ‬للنسخة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التى‭ ‬ارتضاها‭ ‬المترجم‭ ‬يمثل‭ ‬خيانة‭ ‬لعمله‭ ‬ولأمانة‭ ‬النشر‭. ‬فمن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مبادرة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬المترجم‭  ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬المترجم‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬خاصًا‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬فهو‭ ‬يقوم‭ ‬بدور‭ ‬المتلقى‭ ‬الأول‭ ‬للعمل‭ ‬الأصلى‭ ‬حيث‭ ‬يكوِّن‭ ‬فهمه‭ ‬الخاص‭ ‬للعمل‭ ‬وسياقه‭ ‬العام‭ ‬واختيارات‭ ‬مؤلفه‭ ‬الأصلي‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يفرغ‭ ‬المترجم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬فإنه‭ ‬يتحول‭  ‬حسبما‭ ‬تشرح‭ ‬كريستيان‭ ‬نورد‭  ‬إلى‭ ‬منتج‭ ‬جديد‭ ‬للنص‭ ‬فى‭ ‬لغته‭ ‬الجديدة‭. ‬وهنا‭ ‬يقوم‭ ‬المترجم‭ ‬باختيارات‭ ‬لغوية‭ ‬وأسلوبية‭ ‬ترتبط‭ ‬بمقدار‭ ‬معرفته‭ ‬باللغة‭ ‬التى‭ ‬يترجم‭ ‬إليها‭ ‬وأساليبها‭ ‬وذائقة‭ ‬جمهورها‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬هو‭. ‬هنا‭ ‬يصبح‭ ‬النص‭ ‬الجديد‭ ‬وثيقة‭ ‬مركبة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬مجازًا‭ ‬إن‭ ‬لها‭ ‬مؤلفين‭ ‬مؤلفا‭ ‬أصليا‭ ‬ومؤلفا‭ ‬بالترجمة‭. ‬وأى‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الجديد‭ ‬هى‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬جرم‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬جرم‭ ‬العبث‭ ‬بالنص‭ ‬الأصلي‭. ‬

‭>>>‬

ماذا‭ ‬إذن‭ ‬عن‭ ‬الترجمات‭ ‬التى‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬لنا‭ ‬عليها‭ ‬ملاحظات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬كتمانها؟‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬عدة‭ ‬بدائل‭ ‬تتدرج‭ ‬مع‭ ‬تدرج‭ ‬مستوى‭ ‬الملاحظات‭ ‬حول‭ ‬الترجمة‭. ‬فيمكن‭ ‬أولاً‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬بعض‭ ‬الأخطاء‭ ‬مقالاً‭ ‬يوضح‭ ‬فيه‭ ‬مشكلات‭ ‬الترجمة‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬حد‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬بإعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬لأن‭ ‬الترجمة‭ ‬المتاحة‭ ‬تهدر‭ ‬قيمة‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭. ‬

قد‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ترجمة‭ ‬عظيمة‭ ‬بها‭ ‬عيوب‭ ‬واضحة‭ ‬لكنها‭ ‬تظل‭ ‬ترجمة‭ ‬عظيمة‭ ‬لا‭ ‬ينبغى‭ ‬إنكارها،‭ ‬بل‭ ‬يقتضى‭ ‬الأمر‭ ‬إعادة‭ ‬طباعتها‭. ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬ناشر‭ ‬بإعادة‭ ‬طباعتها‭ ‬مع‭ ‬مقدمة‭ ‬وافية‭ ‬بميزاتها‭ ‬وأسباب‭ ‬إعادة‭ ‬نشرها‭ ‬مع‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬عيوبها‭ ‬حتى‭ ‬يتابعها‭ ‬القارئ‭ ‬خلال‭ ‬قراءته،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬هذا‭ ‬فى‭ ‬ملحق‭ ‬يتلو‭ ‬نص‭ ‬الترجمة‭. ‬ويجوز‭ ‬طبعًا‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬من‭ ‬يراجع‭ ‬الترجمة‭ ‬ملاحظات‭ ‬مباشرة‭ ‬فى‭ ‬هوامش‭ ‬مستقلة‭ ‬خاصة‭ ‬به‭ ‬عند‭ ‬المواضع‭ ‬التى‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الأصل‭ ‬بالدقة‭ ‬المطلوبة‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقبل‭ ‬أى‭ ‬شيء،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تعديل‭ ‬نص‭ ‬الترجمة‭ ‬تعديلاً‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬القارئ‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬يميز‭ ‬الترجمة‭ ‬الأصلية‭ ‬عن‭ ‬التعديل‭ ‬الذى‭ ‬جرى‭ ‬فى‭ ‬مرحلة‭ ‬متأخرة‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬غاب‭ ‬المترجم‭ ‬عن‭ ‬العمل‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬أى‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬التنويه‭ ‬عن‭ ‬الملاحظات‭ ‬أو‭ ‬المشكلات‭ ‬أو‭ ‬العيوب‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التعديل‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬القارئ‭ ‬أين‭ ‬تم‭ ‬التغيير‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬بمثابة‭ ‬خلط‭ ‬الأنساب‭ . ‬ويبدو‭ ‬من‭ ‬نافلة‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬إضافة‭ ‬اسم‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬الترجمة‭ ‬القديمة‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬بالأنساب‭ ‬كثيرًا‭. ‬

قبل‭ ‬تطور‭ ‬وسائل‭ ‬الطباعة،‭ ‬قدم‭ ‬العرب‭ ‬حلاً‭ ‬لهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نموذج‭ ‬المتن‭ ‬والشرح‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬المتن‭ ‬فى‭ ‬الأعلى‭ ‬وتحته‭ ‬الشرح‭ ‬وبينهما‭ ‬فاصل‭ ‬واضح‭ ‬لا‭ ‬يخطئه‭ ‬القارئ‭. ‬وعندما‭ ‬يريد‭ ‬ثالث‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭ ‬إليهما‭ ‬يضع‭ ‬ملاحظاته‭ ‬فى‭ ‬الحواشى‭ ‬المحيطة‭ ‬بالصفحة‭. ‬لهذا‭ ‬صار‭ ‬لدينا‭ ‬متن‭ ‬وشرح‭ ‬وحاشية‭. ‬ويستطيع‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬ويعلق‭ ‬على‭ ‬سابقه‭ ‬بحرية‭ ‬وبحيث‭ ‬يستطيع‭ ‬المتلقى‭ ‬تمييز‭ ‬كلامه‭ ‬عن‭ ‬سابقه‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬قديمًا،‭ ‬واليوم‭ ‬هناك‭ ‬وسائل‭ ‬أخرى‭ ‬متاحة‭ ‬فى‭ ‬الترقيم‭ ‬وعلاماته‭ ‬تساعدنا‭ ‬كثيرًا‭ ‬وتحفظ‭ ‬لكل‭ ‬حقه‭. ‬

من‭ ‬المهم‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الترجمة‭ ‬التى‭ ‬انتهى‭ ‬منها‭ ‬صاحبها‭ ‬كما‭ ‬هى‭ ‬لأسباب‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬المترجم‭ ‬فى‭ ‬ثقافتنا‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬المبادرة‭ ‬والقائم‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭ ‬رغم‭ ‬ضعف‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬الأجر‭ ‬المادي‭. ‬وفى‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬فإننا‭ ‬نمحو‭ ‬أثره‭ ‬منها‭ ‬لنتركه‭ ‬بلا‭ ‬عائد‭ ‬مادى‭ ‬ولا‭ ‬أدبي‭. ‬ثمة‭ ‬سبب‭ ‬ثانٍ‭ ‬أراه‭ ‬مهمًا‭ ‬أيضًا‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬بصورتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬بمثابة‭ ‬الوثيقة‭ ‬الشاهدة‭ ‬على‭ ‬عصرها‭ ‬وعلى‭ ‬فكر‭ ‬منتجها‭ ‬ومتلقيها‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬فعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الترجمات‭ ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬لكتاب‭ ‬فن‭ ‬الشعر‭ ‬لأرسطو‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬استخدامًا‭ ‬خاطئًا‭ ‬للمصطلحات‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬الخاطئ‭ ‬دال‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬العرب‭ ‬بأنواع‭ ‬الشعر‭ ‬المختلفة‭ ‬خارج‭ ‬ثقافتهم‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬عدم‭ ‬معرفتهم‭ ‬بها‭. ‬وفى‭ ‬حالة‭ ‬ترجمة‭ ‬حسن‭ ‬عثمان‭ ‬للكوميديا‭ ‬الإلهية‭ ‬وما‭ ‬حذفه‭ ‬منها‭ ‬تحرجًا‭ ‬أو‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬المتلقين،‭ ‬فإننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬حسن‭ ‬عثمان‭ ‬الدينية‭ ‬وتصوراته‭ ‬عن‭ ‬جمهوره‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬أو‭ ‬الخارجية‭ ‬التى‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬الأعمال‭ ‬عند‭ ‬ترجمتها‭. ‬وإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬على‭ ‬وترجمته‭ ‬لمعانى‭ ‬القرآن‭ ‬التى‭ ‬نشرها‭ ‬فى‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وخرج‭ ‬يروج‭ ‬لها‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬اعاقته‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فإن‭ ‬ترجمته‭ ‬تمثل‭ ‬فهمه‭ ‬واعتقاده‭ ‬الشخصى‭ ‬حول‭ ‬القرآن‭. ‬وبالتالى‭ ‬فإننا‭ ‬عندما‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬تعديل‭ ‬الترجمة‭ ‬فإننا‭ ‬نرى‭ ‬شخصًا‭ ‬يحاول‭ ‬التلاعب‭ ‬بكلام‭ ‬المترجم‭ ‬أو‭ ‬بموقفنا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المترجم‭ ‬ومن‭ ‬مذهبه‭. ‬

النية‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬عبث‭ ‬وآخر‭ ‬لكن‭ ‬النتيجة‭ ‬تظل‭ ‬واحدة‭ ‬طمس‭ ‬لهوية‭ ‬النص‭ ‬فى‭ ‬صورته‭ ‬المترجمة‭ ‬وحجب‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬القارئ‭. ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬لمحاولة‭ ‬كسب‭ ‬الشهرة‭ ‬والاعتراف‭ ‬كما‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬الكوميديا‭ ‬الإلهية‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬بهدف‭ ‬الإخفاء‭ ‬والتعمية‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬ترجمة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬علي،‭ ‬وهذه‭ ‬الترجمة‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقفة‭ ‬متأنية‭. ‬

‭>>>‬

فإذا‭ ‬عدنا‭ ‬للترجمة‭ ‬الأصلية‭ ‬قبل‭ ‬العبث‭ ‬بها،‭ ‬فسنلاحظ‭ ‬أن‭ ‬المترجمين‭ ‬مختلفون‭ ‬فى‭ ‬مستويات‭ ‬ظهورهم‭ ‬فى‭ ‬النص‭ ‬المترجم؛‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬لإبراز‭ ‬حضوره‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يختفى‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يلاحظه‭ ‬القارئ‭. ‬والنوع‭ ‬الأخير‭ ‬أكثر‭ ‬شيوعًا‭ ‬فى‭ ‬الترجمات‭ ‬التجارية‭ ‬للأعمال‭ ‬المختلفة‭ ‬ومنها‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭. ‬فى‭ ‬المقابل‭ ‬نرى‭ ‬المترجم‭ ‬الحاضر‭ ‬فى‭ ‬عمله‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حضوره‭ ‬بطريق‭ ‬الفذلكة‭ ‬والادعاء‭ ‬فيختار‭ ‬الترجمات‭ ‬الشاذة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المعتمدة‭ ‬للمفاهيم‭ ‬والمصطلحات‭ ‬فى‭ ‬موضوع‭ ‬ترجمته،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬ليشرك‭ ‬القارئ‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬إدراك‭ ‬قيمة‭ ‬النص‭ ‬وصعوبة‭ ‬ترجمته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الهوامش‭ ‬والحواشى‭ ‬الكثيرة‭. ‬

المترجم‭ ‬الجاد‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬بعمل‭ ‬بحثى‭ ‬شاق‭ ‬ليفهم‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬أدق‭ ‬صورة‭ ‬ممكنة‭ ‬ثم‭ ‬يتخذ‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬بشأن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذى‭ ‬سيستخدمه‭ ‬فى‭ ‬ترجمته‭ ‬والمفردات‭ ‬التى‭ ‬يختارها‭ ‬لتحمل‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬إلى‭ ‬المتلقي‭. ‬وعندما‭ ‬ينجز‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬نجده‭ ‬يحسم‭ ‬أمره‭ ‬بخصوص‭ ‬ظهوره‭ ‬فى‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬عدمه‭. ‬فى‭ ‬ترجماته‭ ‬لأعمال‭ ‬أمين‭ ‬معلوف،‭ ‬اختار‭ ‬المترجم‭ ‬الكبير‭ ‬الراحل‭ ‬عفيف‭ ‬دمشقية‭ ‬أن‭ ‬ينجز‭ ‬عمله‭ ‬بكل‭ ‬مهارة‭ ‬فى‭ ‬الفهم‭ ‬والبحث‭ ‬واختيار‭ ‬الأساليب‭ ‬والتراكيب‭ ‬والمفردات‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يظهر‭ ‬بشخصه‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬أبدًا‭. ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يبدى‭ ‬ملاحظاته‭ ‬ولا‭ ‬يضع‭ ‬هوامش‭ ‬شارحة‭ ‬وإنما‭ ‬يضع‭ ‬النص‭ ‬فى‭ ‬أقرب‭ ‬صورة‭ ‬لما‭ ‬يرى‭ ‬عليه‭ ‬الأصل‭ ‬الفرنسى‭ ‬ثم‭ ‬يتوارى‭ ‬تاركًا‭ ‬النص‭ ‬الجديد‭ ‬مع‭ ‬قارئه‭. ‬

على‭ ‬خلاف‭ ‬دمشقية‭ ‬نرى‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬عثمان‭ ‬وعبد‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬على‭ ‬يبديان‭ ‬ملاحظات‭ ‬استهلالية‭ ‬ويضعان‭ ‬هوامش‭ ‬وشروحًا‭ ‬حريصين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يبرزا‭ ‬حضورهما‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬الذى‭ ‬يعرف‭ ‬مقدار‭ ‬ما‭ ‬بذلاه‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬وما‭ ‬عانياه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الفهم‭ ‬ويقدر‭ ‬الدور‭ ‬الذى‭ ‬لعباه‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬خيارهما‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نحترمه‭ ‬ونتعامل‭ ‬مع‭ ‬إنجازهما‭ ‬بالتقدير‭ ‬والحرص‭ ‬اللائقين‭ ‬بهما‭. ‬

حظيت‭ ‬الترجمتان‭ ‬بالفعل‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬وتقدير‭ ‬من‭ ‬المتلقين‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬تعرضت‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬لمراجعات‭ ‬وانتقادات‭ . ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬مترجمون‭ ‬آخرون‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الترجمة‭ ‬مستفيدين‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬والتعليقات‭ ‬التى‭ ‬تكونت‭ ‬لديهم‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬مقبول‭ ‬ومفهوم‭. ‬لكن‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهمه‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬مقرها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬مطلع‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بإعادة‭ ‬نشر‭ ‬الترجمة‭ ‬التى‭ ‬أنجزها‭ ‬عبد‭ ‬لله‭ ‬يوسف‭ ‬على‭ ‬فى‭  ‬مع‭ ‬عمل‭ ‬تعديلات‭ ‬عليها‭ ‬غيرت‭ ‬بعض‭ ‬كلماتها،‭ ‬وعدلت‭ ‬أو‭ ‬حذفت‭ ‬بعض‭ ‬هوامشها،‭ ‬ثم‭ ‬أزالت‭ ‬مقدمة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬على‭ ‬ووضعت‭ ‬مقدمة‭ ‬أخرى‭ ‬لها‭ ‬تحاول‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إيهام‭ ‬القارئ‭ ‬بانتماء‭ ‬مذهبى‭ ‬وعقدى‭ ‬مغاير‭ ‬لما‭ ‬يظهر‭ ‬فى‭ ‬الأصل‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬قرابة‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬رحيل‭ ‬المترجم‭ ‬المعروف‭. ‬ثم‭ ‬عمد‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬التطبيقات‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬بعض‭ ‬المفردات‭ ‬فى‭ ‬الترجمة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين‭. ‬

نفس‭ ‬الأمر‭ ‬تكرر‭ ‬مؤخرًا‭ ‬مع‭ ‬ترجمة‭ ‬حسن‭ ‬عثمان‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬صدرت‭ ‬الترجمة‭ ‬باسم‭ ‬مترجمين‭ ‬معًا‭ ‬وبإضافات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المترجم‭ ‬الأصلى‭ ‬يرضى‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬يقبل‭ ‬بنشرها‭ ‬فى‭ ‬النسخة‭ ‬التى‭ ‬قدمها‭ ‬للجمهور‭. ‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬يمثل‭ ‬عبثًا‭ ‬بالترجمتين‭ ‬واعتداء‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬المترجمين‭ ‬وانتهاكًا‭ ‬لحرمة‭ ‬مترجمين‭ ‬راحلين‭ ‬دون‭ ‬مبرر‭ ‬مفهوم‭ ‬ودون‭ ‬عذر‭. ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينفى‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬الترجمتين‭ ‬بهما‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬المراجعة‭ ‬والنقد،‭ ‬ورفض‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬أو‭ ‬الجرم‭ ‬لا‭ ‬ينفى‭ ‬استحقاق‭ ‬الكتابين‭ ‬الأصليين‭ ‬لترجمات‭ ‬جديدة‭ ‬جادة‭.‬

المصدر : جريدة اخبار الادب 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة