طاهر قابيل
طاهر قابيل


يوميات الأخبار

مهمة صحفية ترفض النسيان

طاهر قابيل

الإثنين، 02 أغسطس 2021 - 06:26 م

"تجولت فى مدينة "الناصرة" لننطلق فى طريق عودتنا إلى "القدس" بزيارة  "عكا" وتوقفت عند بحيرة "طبرية" وأتذكر فيلم "الناصر صلاح الدين" وأتساءل داخلى عن  "لويزا" وأضحك على نفسى من سيطرة الأفلام الدرامية على أفكارى وثقافتى"

فى بداية الألفية الثالثة كلفنى الكاتب الصحفى «جلال دويدار» رئيس تحرير جريدة «الأخبار» فى ذلك الوقت بالذهاب  الى الأراضى الفلسطينية وبالتحديد لـ «غزة» لمتابعة اتفاق أمريكى بين الفلسطينيين والإسرائيليين لوقف العدوان على الأراضى الفلسطينية وانتفاضة الشعب الفلسطينى وكانت أخبارها وصورها لا تنقطع عن وسائل الإعلام.. طلب منى رئيس التحرير أن يكون معى مصور صحفى واخترت الزميل المصور «أشرف شحاتة» وكان نعم الرفيق فى المهمة الصحفية.. وكانت هذه أول سفرية له للخارج.. وأتذكر أن اسمها  كان «اتفاق تينت» وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت.

رغم سعادتى بالفرصة التى منحتنى متعة السفر للخارج ورؤية مجتمع جديد إلا أنه كان داخلى خوف زاد منه اقتراح من  زميلى وصديقى هشام العجمى ـ رحمة الله عليه - بأن أطلب من رئيس التحرير التأمين على حياتى حتى يجد أولادى ما يأكلونه قى حالة وفاتى أو إصابتى لأنى ذاهب إلى منطقة صراع.. فقلت له  لو أراد «رب العزة» وفاتى أو إصابتى  فى هذه الأرض فلن يستطيع مهما كان أو تأمين أن يوقف مشيئته.. وتوكلت على الله وسافرت  مع زميلى المصور الصحفى.. وأخذت مجموعة من النصائح والتوصيات من صديق وزميل آخر وكان عضوا بمجلس نقابة الصحفيين بألا أذكر غير أنى ذاهب إلى «فلسطين» حتى لا أتهم بالتطبيع وأن علىّ الاهتمام بالموضوعات والتحليلات وليس بالأخبار لأنى لن أكون أسرع من وكلات الأنباء العالمية المتواجدة هناك.. ولخبرته وعلاقاته بالزملاء فى الخارج اقترح الكاتب الصحفى «ياسر رزق» أن نتصل بزميل لنا اسمه «حسن» فى وكالة «أنباء الشرق الأوسط» يقضى فترة عمله فى «غزة « ليوفر لى وسيلة مواصلات تنقلنى من المطار إليه بعد فشلنا فى الدخول بريا لإغلاق معبر «رفح».. وفى نفس الوقت اتصلت بمراسل أخبارالتليفزيون «المصرى» «طارق عبد الجابر» فى «القدس» لتوفير مكان إقامة لى فأوصانى بالفندق الذى يقيم به ويتخذ من إحدى غرفه «استوديو» لبث رسائله منه.

لقاء الأصدقاء

توكلت على الله وبعد وصولى فى الثالثة فجرا وإنهاء الإجراءات بالمطار أخبرنى السائق «المقدسى» الذى ينتظرنى أن هناك خطرا محتملا بالطريق للوصول إلى «غزة» ليلا وأنه يفضل أن نقضى ليلتنا فى «القدس» خاصة أنها قريبة منا وأننا اقتربنا من ضوء الشمس وأن هذا أفضل وأمان لنا.. فكرت فى  كلامه ووافقت عليه خاصة أن لنا حجزا بأحد  الفنادق عن طريق «طارق « مراسل التليفزيون والذى أعرفه منذ سنوات عندما كان مراسلا للأخبار من اليونان.. التقطت سويعات من النوم وأخذت قسطا من الراحة واستيقظت صباح اليوم التالى وكان «الجمعة» فنزلت إلى المطعم لأتناول وجبة «الإفطار» فوجدت «طارق» به.. وبعد تبادلنا السلامات والتحيات واطمئنان كل منا على صحة الآخر طلبت منه أن يوفر لى  بعض الاتصالات مع القيادات والمسئولين بالسلطة الفلسطينية.. وصعدنا إلى غرفته بالفندق واتصلنا بـ «صائب عريقات» فطلب تأجيل زيارتنا إلى اليوم التالى حيث سيكون وزير الخارجية الأمريكى متواجدا فى مقر الرئاسة الفلسطينية لإجراء مباحثات مع الرئيس الفلسطينى «ياسر عرفات» ـ رحمة الله عليه ـ وعقد مؤتمر صحفى للحديث عن المباحثات ويمكننى أن أحصل على ما أريد ويمكننى عقد لقاء معه.

نبهنى « طارق» أكثر من مرة قبل أن نواصل اتصالاتنا أن صديقا اسمه «محمود» من وكالة أنباء الشرق الأوسط  مكلف بالعمل فى «رام الله»  ويسأل عنى وهو سعيد بوصولى فى مهمة صحفية.. واتفقت مع «الرجوب» رئيس الأمن القومى بالضفة الغربية للقاء معه، بالإضافة إلى لقاءات مع عدد من القيادات الفلسطينية المشاركين بالانتفاضة.. ووصلت مع «صلاة الجمعة» كما تحدد اللقاء.. وعرفت أن هناك فرصة لمسيرة حاشدة سوف تخرج من أحد المساجد عقب الصلاة.. وكاد الزميل المصور الصحفى «أشرف شحاتة» أن يصاب بالمسيرة لإسراعه بالتقاط الصور لولا تحذير أحد الشباب الفلسطينى ودفعه للاحتماء خلف أحد الجدران.. وأسرعت للمسيرة وهى على وشك الانتهاء بعد أن انهيت اللقاء ووجدتها تحولت إلى «انتفاضة».

رحب بنا صديقى «محمود» ودعانا إلى تناول طعام «الغذاء» فى شقته المستأجرة التى يقيم بها.. وكانت «أكلة» شهية تتكون من البطيخ و»الشقافة» أو الكباب والجبن.. والتقيت بعد انتهاء «الانتفاضة» ونقل الجرحى بعربات الإسعاف مع عدد من الشباب الفلسطينى من بينهم اثنان من عائلة «البرغوثى» دعانى أحدهما وهو «مروان» لشرب كوب من العصير بعد أن اعتذر عن لقاء صحفى يجمعنا لضياع صوته من الهتاف..

لقد عشت واقعا جديدا لا أشاهده إلا فى الأفلام واللقطات المصورة.. بعد الانتهاء من وجبة «الغداء» جاء عدد من الإخوة الفلسطينيين للترحيب بنا ودار حديث شائق ودعانى نقيب الصحفيين الفلسطينيين لتناول وليمة على «العشاء» معه فى منزله وصمم على قبولى لها رافضا أى اعتذارات.. ولن أحكى لكم كم كان حجم الترحيب والكرم الفلسطينى والحوار الشائق عن الأحداث وتطورها.. وزرت فى نفس اليوم مركزا للدراسات السياسية والاجتماعية يديره أحد أفراد عائلة «البرغوثى» وعرفت منه الكثير من المعلومات الموثقة بالصور والأفلام التسجيلية عن القضايا الشائكة بالمجتمع الفلسطينى ومراحل الانسحاب وسبب توقفها وعدت إلى «القدس» بعد وجبة العشاء واللقاءات أحمل ذكريات وأحداثا ترفض أن تنسى.. جلست على مقهى بلدى أختم به يومى الأول أخذنى إليه السائق بعد أن تحدثنا حول كيفية حصوله على الرخصة والأرقام الإسرائيلية على سيارته.. وشاهدت مدينة «القدس» ليلا من مكان مرتفع.. و»يا الله» على الجمال الذى شاهدته والنسيم العليل الذى تنشقته.. وتذكرت زيارتى لأحد مراكز علاج الأطفال المصابين بجراح فى هجمات بطائرات «إف 16» والآلام النفسية التى أصابتهم وأمسكت دموعى عن الانطلاق حزنا على طفل بترت ساقه بعد أن استمعت لحكايته وشاهدت إصابات  أخرى لأقرانه.

ختامها مسك

 قضيت ليلتى استعد للذهاب فى اليوم التالى إلى الجزء الثانى من مهمتى وهو قطاع «غزة» بعد أن انتهيت من كتابة رسالتى الأولى عن «فلسطين» والتى نشرت بالصفحة الخامسة مع إشارة بالأولى تقول إنى ذهبت إلى فلسطين ومعها الصور التى التقطت.. قضيت فى «غزة» يومين بعد أن جمعت حصيلة من المعلومات الشائقة وعبرت معبر «ايرز أو بيت حانون» واستقبلنى الصديق «حسن» مندوب الوكالة لتغطية أخبار القطاع ورحب بنا ودعانا لتناول طعام «الغداء» فى منزله.. وصنعت لنا زوجته وجبة شهية شاهدت خلالها كرم وجدعنة المصريين فى «الغربة» ثم ذهبت إلى فندق «القدس» الذى يطل على البحر المتوسط.. وبدأت  سريعا مهمتى الصحفية الثانية بزيارة إلى مقر منظمة «فتح» والذى تم استهدافه أكثر من مرة فانتقلنا إلى مقر آخر.. كما ذهبنا إلى «الملحقية المصرية» وتقابلت مع القنصل والمسئولين المصريين.. وتجولت فى الشوارع واشتريت احتياجاتى وأحضر لنا الصديق «أشرف» وجبة شاورما لطعام العشاء حتى يأتى موعد اللقاء مع مدير المخابرات العامة الفلسطينية.. وطفت بأحد المخيمات الفلسطينية وسمعت حكايات..

كما تم تنظيم لقاءات لى مع عدد من  الصحفيين والإعلاميين «الغزويين» واستمعت لقصاصهم وحكايتهم وخرجت من «الجلسة» التى كانت بأحد مراكز الشباب بمعلومات قيمة.. التقيت فى اليوم التالى مع وزير الصحة ورئيس الأمن القومى بالقطاع بعد أن كتبت رسالتى الثانية.. وقمت وزميلى «أشرف» بزيارة سريعة للمدن بالقطاع حتى وصلنا إلى حدودنا المصرية فى «رفح» وعدنا مرة ثانية للفندق لأستعد للمغادرة لاستكمال جولتى المكلف بها.. وذهبت إلى السقارة المصرية والتقيت بسكرتير أول السفارة واتصلنا بالسفير تليفونيا.. ثم صعدت إلى «عرب 48» والتقيت مع الأديب «سميح القاسم» وكان رئيسا لتحرير إحدى المجلات و طمأننى بأن مصر تمتلك الكثير من المقومات وليس عليها خوف  ممن يدعون بـ «غزو فكرى» لأن لدينا تقاليد قديمة نتوارثها وثروة ثقافية يدركها الجميع فى التاريخ والأدب مثل «نجيب محفوظ « والغناء مثل كوكب الشرق «أم كلثوم» ونمتلك العديد من الصحف والكتب والأفلام السينمائية.. وأهدانى قبل مغادرتى كتابا يتضمن قصائد له بعد أن حكى لى حكايته مع «عرب 48 «.. تجولت بعد ذلك فى مدينة «الناصرة» لننطلق فى طريق عودتنا إلى «القدس» بزيارة  «عكا» ونتوقفت عند بحيرة «طبرية» وأتذكر فيلم «الناصر صلاح الدين» وأتساءل داخلى عن  «لويزا» وأضحك على نفسى من سيطرة الأفلام الدرامية على أفكارى وثقافتى.. وأستمتع بإبداع الخالق وأنا أقف على ضفاف بحيرة طبرية والبحر الميت ونمر بالقرب من الحدود السورية والأردنية.

ذهبنا فى  صباح اليوم التالى إلى «بيت العرب» والذى كان له دور فى عدم تهويد القدس وتجولت بالمدينة القديمة والتى مازلت أحتفظ بصورها وأعلق واحدة فى برواز معلق على أحد حوائط منزلى.. ودخلت «بيت المقدس» وصليت ركعتين أسفل «قبة الصخرة» وأديت صلاة الظهر بها.. وكررت «النوافل» بالمسجد الأقصى واستمتعت بالسير فى أحضان الحرم «المقدسى» وبين جدرانه وصعدت إلى كنيسة القيامة وتناولت وجبة لذيذة من «الفول المدمس والطعمية» بأحد المطاعم الملاصقة لجدرانه «وقضيت ليلتى لدى صديقى «محمود» قبل مغادرتى إلى «قاهرة المعز» وأنا أحمل الكثير من الذكريات والمعلومات فى رحلة الثمانية.

بعد ذلك بأعوام كلفت بتغطية مؤتمر للفصائل الفلسطينية بالقاهرة.. كما كلفنى الكاتب الصحفى الأستاذ «محمد بركات» رئيس التحرير فى ذلك الوقت بمهمة صحفية ثانية لم تتم بمتابعة الانسحاب الإسرائيلى من غزة ولكن الأحداث كانت متسارعة وتم الانسحاب قبل أن أنتهى من إجراءات السفر.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة